زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
تونس بين بورقيبة وبن علي والغنوشي والسودان دروس وعبر
حزنٌ غامر اعتراني حين شاهدت الشيخ راشد الغنوشي من خلال قناة الجزيرة معلقاً على سقوط الطاغية زين العابدين بن علي وقد دبَّ الوهن والضعف في جسده وأطلّت الشيخوخة من خلال عباراته التي كانت ذات يوم تهزّ المنابر وتوقظ النائمين وتملأ الناس أملاً وبِشراً بمستقبل الإسلام في تونس الخضراء بل في العالم أجمع.
لقد كان الغنوشي ضمن قلة من الأفذاذ خرجوا على الناس بالإسلام كفكر رباني يناطح ويجالد ويصرع الفكر الإنساني الهابط الذي كان يملأ الساحات ويضلل شباب الإسلام ويملأهم بالهزيمة النفسية وكان وثلة من العظماء يضيق المجال عن ذكرهم ومنهم سيد قطب ومحمد الغزالي والقرضاوي.. كانوا ممن أيقظوا في شباب الإسلام في ستينات وسبعينات القرن الماضي معاني الانتماء للإسلام وقِيم استعلاء الإيمان وفتوة ازدراء الباطل المتبرِّج في ثياب الفكر والسلوك الغربي المنحط، وكان الغنوشي ممّن تجرعوا من كؤوس الإذلال والقهر على أيدي طغاة تونس وظل متنقلاً بين المنافي لعقود من الزمان.
أعود للطاغية بن علي فأقول إن قصته تحكي جانباً من الإعجاز القرآني الذي يجسِّد معاني الخير والشر في نماذج بشرية ومن بين تلك المعاني الطغيان السياسي الذي جسّده القرآن في أنموذج يمشي بين الناس لكنه يتجدَّد عبر العصور والأزمان وحقب التاريخ فما كان فرعون موسى الذي ظل اسمه يتردد بين دفتي كتاب الله إلا أنموذجاً تجسَّد في شخص الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.. كان فرعون تونس السابق زين العابدين بن علي كسلفه سيئ الذكر الحبيب بورقيبة تكرارًا لفرعون موسى ولغيره من الطغاة على مدار التاريخ بمن فيهم فرعون موسى الذي اختزل الأمة في شخصه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) وفرعون تركيا مصطفى كمال أتاتورك.. ذلك الطاغية الذي غيَّر وجه دولة الخلافة العثمانية وحوَّلها من أمبراطورية تسود جزءاً كبيراً من العالم وتسوسه إلى دولة تابعة ذليلة خانعة أصبح مواطنوها قبل رحيله خدماً يعملون في المهن الهامشية في أوروبا بعد أن كانوا سادة قبل أن يحل على تركيا ويحكمها ويُحيلها إلى مسخٍ مشوّه من التقليد الأعمى لنمط الحياة في أوروبا.
كذلك فعل بورقيبة الذي صنع الفرنسيون له تاريخاً وصوروه مناضلاً انتزع الاستقلال لتونس تماماً كما فعل الإنجليز مع أتاتورك الذي صنع منه الإنجليز بطلاً وغازياً ومنتصراً حتى ينصبه الشعب التركي حاكماً «مقدساً» عليهم يجوز له أن يفعل بهم ما يشاء ويبدل دينهم ويقتلع الإسلام من حياتهم.
جاء «بطل الاستقلال» بورقيبة بنفس المؤهلات فأبطل عُرى الإسلام عروة عروة وكانت نهايته الأليمة على يد بن علي الذي تجرع نفس الكأس اليوم حيث أزاح بورقيبة بعد أن بلغ من العمر عتياً فقد أخبرني د. فيصل القاسم مذيع قناة الجزيرة الأشهر أن بورقيبة كان في حالة من الضعف بعد ذلك الطغيان درجة أن من يدخلون عليه كانوا يسدون أنوفهم من النتانة والرائحة الكريهة فقد كان يتبول على سريره فسبحان الحي القيوم الكبير المتعال.
جاء بن علي ووعد الناس بالتغيير لكنه سرعان ما طغى وتجبر وفسد وأفسد وعلا في الأرض وصار حرباً على الإسلام، فكان أن منع النساء من ارتداء الزي الإسلامي وأحلّ كل ما حرّم الله ونقض عُرى الإسلام.
لقد زرتُ تونس مراراً خلال فترة إدارتي للتلفزيون حيث كانت ولا تزال مقراً لاتحاد إذاعات الدول العربية ورأيت فيها عجباً بعد أن أحالها بن علي إلى مسخٍ لا يمتّ في مظهره إلى الإسلام بصلة.
ليت حكام المسلمين يأخذون العظة من بن علي وبورقيبة وغيرهما من الطغاة فبالرغم من انعدام المقارنة بين السودان وتونس إلا أن هذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى مراجعات في شتى المجالات أذكر منها أهمية محاربة الفساد ثم أخْذ ما دعا إليه الرئيس من توسيع لقاعدة المشاركة في الحكومة مأخذ الجد مع تقديم تنازلات حقيقية في المناصب خاصة وأننا نستقبل مرحلة جديدة في تاريخ السودان بعد أن استدبرنا تلك المرحلة أو الحقبة التاريخية الكالحة وانزاح الجنوب الذي عطّل مسيرة الشمال وأذاقه الويلات منذ فجر الاستقلال.
إنني لجد سعيد أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أبدى رغبة حقيقية في الانخراط في حكومة القاعدة العريضة وعلى الرئيس البشير وقد خطا الميرغني نحوه ذراعاً أن يخطو نحوه باعاً.
بالرغم من أن السيد الصادق المهدي اتخذ موقفاً معادياً من منبر السلام العادل و«الإنتباهة» فإننا نفرِّق بين الخاص والعام ولا ننطوي على عداء للرجل الذي نرجو منه أن يترفع عن الصغائر ويلتفت إلى المرحلة الجديدة التي يمر بها السودان بعد أن انتهى التنازع حول الهُوية أو بعد أن انتهت المشكلة الكبرى التي ظلت تؤرقه لعقود من الزمان ويتعامل مع الأوضاع الجديدة من منطلقات وطنية يقدِّم خلالها الإستراتيجي على التكتيكي والعام على الخاص والوطني على الحزبي أما التصريحات والأفعال العدائية فإنها لا تخدم حزبه ولا وطنه.
لقد سعيتُ من قبل إلى تقريب الشقة بين البشير والصادق المهدي الذي أشهد أنه كان متعنتاً أكثر من البشير وواقعاً تحت تأثير بعض صقور حزبه والأحزاب الأخرى التي تقودها المرارات الشخصية.
إن على المؤتمر الوطني أن يجدّ في ملء شواغر الحركة الشعبية ومنصب مني مناوي بصورة تجمع الصف وتزيل الاحتقان بعيداً عن المجاملات ولا أرى ضيراً في أن يتولى أحد أبناء دارفور من حزب الأمة القومي أو الاتحادي الديمقراطي منصب نائب الرئيس مع إلغاء منصب مناوي كما لا ينبغي أن يكتفي بمنح مناصب الحركة الشعبية الشاغرة للقوى المعارضة وإنما يُضاف إليها من حصة المؤتمر الوطني ما يجمع الصف ويوحِّد أهل القبلة بعد أن انتهت الشراكة بين القط والفار والليل والنهار والشحمة والنار.
سألني البعض عن دور منبر السلام العادل خلال المرحلة المقبلة وسأجيب لاحقاً في مقال آخر فنحن نعتقد أن هذا الحزب وقد حقق حلمه الأكبر أو قل سعى بجد في نيل الاستقلال الحقيقي للسودان الشمالي ونظر قبل الآخرين لمآلات الأوضاع في السودان مؤهَّل تماماً للعب دور وطني في مستقبل السودان الشمالي الذي ظل ينافح عنه ويذود عن حياضه ولا يزال وبالرغم من انتشاره الكبير الذي نعلمه بين فئات الشعب في مختلف أنحاء السودان الأمر الذي يعكسه الانتشار الواسع لـ«الإنتباهة» فإن المنبر ينأى بنفسه في الوقت الحاضر عن المشاركة في السلطة لكننا قادمون وستعلمُنّ نبأه بعد حين!!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة