المردود الايجابي في انفصال الجنوب (2)
قصة التمرد والحرب الأهلية والسعي للانفصال بجنوب السودان ليست وليدة اليوم ولا نتيجة لسياسة الانقاذ وفترة حكم الرئيس عمر البشير كما يدعى كثر، وإنما تضرب بجذورها, فيما قبل استقلال السودان عام1956, فقد أطلق الانفصاليون شرارتها يوم18 أغسطس1955 ، عندما تمردت الحامية العسكرية في بلدة توريت الجنوبية وتم قمع التمرد بعنف, وسقط عشرات الأشخاص قتلي وجرحي من المدنيين والعسكريين لتبدأ بذلك أطول حرب أهلية تشهدها القارةالإفريقية ، ومنذ أحداث توريت الدموية ظلت العلاقات بين الشمال والجنوب تتأرجح بين حالات تمرد ومطالب بالإنفصال, واتفاقيات سلام سرعان ما تنهار, هذا التمرد كان نتيجة لعدم رضا قطاع من الجنوبيين عن نتائج مؤتمر جوبا لعام1947 الذي ضم بعض السلاطين واستهدف إضفاء الشرعية علي رغبة المحتلين الإنجليز في إنهاء الحكم الثنائي المصري ـ الأنجليزي, وتوحيد شمال السودان وجنوبه تحت إدارة واحدة وقطع الطريق علي مصر حتي لا تتحد مع الشمال مكونة دولة قوية تهدد مصالحهم إذا انفصل الجنوب، ثم بعد انهاء التمرد بعد الاتفاق بين حكومة جعفر نميري و حركة جوزيف لاقو في اديس ابابا عام 1972، جاء تمرد قرنق في 1983 من حامية توريت و هكذا كان الجنوب ومازال يرهق السودان سلماً و حرباً .
دعونا نعود لنقطة الاثر الايجابي لفصل الجنوب ، إن الحرب و الحياة القاسية التي يعانيها السودان جراء النزاعات التي كان سبباً اساسياً فيها الجنوب ظلت ترهق البلاد و العباد من الجانبين تارة بالنفقة المالية و مرات كثيرة بالنفقة البشرية ، إذ ازهقت الحرب في الجنوب خيرة شبابنا و جنودنا البواسل و ذهبت بالكثير منهم الي دكة الاعاقة الجسدية و عوقت مسيرة التنمية و الاعمار، إن سلاما يدوم و يوقف هذه الحرب اللعينة التي فرضت على السودان نيفاً و خمسون عاما لهو سلام جدير بالاحترام مهما كان ثمنه و مهما عز مهره ، الان كثير من الشباب يذهب للخدمة الوطنية و لكنه يعلم انه سيعمل في تخصصه اثناء ادائه للخدمة إلا النذر اليسير منهم، يمكن ان يستخدم في مهام عسكرية ادارية ( ليست حربية ) الان الشباب و الطلاب بداء يتجه لتاهيل نفسه بالدخول في معاهد التدريب المحلية و الاقليمية حتي يتسلح بمهارات تكسبه وظيفة محترمة ، الدولة نفسها بدل النفقة على التدريب العسكري و المعسكرات للتدريب القتالي بدات في تدريب الناس لاكتساب مهارات المهن و الوظائف و تنمية اقتصاد السوق البشري و تعزيز قيم المهنية و الاحتراف وهذا بدوره ياخذنا في ان تتجه الانظار للتنمية و السلام و تنمو مصالح الناس و يسير الركبان و الانعام بامن و طمانينية بين الشمال و الجنوب و الكل يعرف حدوده و حقوقه ، لهو شي ايجابي يجب المحافظة عليه بكل السبل حتي لو ادي ذلك لقيام دولة ذات كيانٍ و سيادة منفصلة عن الشمال ، في النهاية هذه الدولة اذا ارادت السلام و النماء لنفسها و شعبها ، ستكون ملزمة بإتباع معايير الدول مثيلاتها في الدنيا و تحافظ معنا و مع غيرنا على جوار آمن و مصالح مشتركة، و إلا فهناك اساليب دولية مناسبة للجمها و توقيفها عند حدها بسبل سياسية و اجراءات دبلوماسية و فرض حصار سياسي و طوق امني عليها بالاتفاق مع بعض جوارنا الذي لديه مصالح معتبرة معنا.
الاثر الايجابي المهم :
آلم يكن البحث عن بديل للنفط الجنوبي ،سبباً في حثنا على الاستكشاف و الحفر تنقيباً عن البترول في شمالنا ؟؟ لقد ذكر بالامس وزير الدولة للنفط ان انتاج الشمال من النفط سيصل العام القادم لمائة و سبعون الف بريمل يومياً ، وهي كمية غير كبيرة و لكنها تكفي و تزيد قليلاً عن الاستهلاك المحلي وسيتبع ذلك استكشافات اخري و هذا في حد ذاته شي ايجابي، آلم نتجه للتنقيب عن النفط في البحر بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية ذات الباع الطويل و الامكانات الفنية في هذا المجال ؟؟ آلم يكن هاجس توفير موارد غير بترولية سبباً في اتجاهنا نحو التعدين للحديد و الذهب و المعادن الاخري في اقصي شمال السودان و كردفان و الشرق ؟؟ آلم نتجه نحو تعظيم العائد من الصناعة و التجارة و الزراعة التي نملك فيها اضخم موارد طبيعية و موارد مائية تفوق العالمين العربي و الاسلامي، كل هذا و غيره مردود ايجابي لإحتمال فصل الجنوب.
الاثر الايجابي الأهم :
آلم نتجه لخفض الانفاق الحكومي و تقنين الصرف و تحديده في مجال التنمية فقط ؟؟ آلم تخفض رواتب الدستوريين ؟؟ و النواب ؟؟ آلم تخفض نفقات الصرف السياسي على عشر ولايات جنوبية فيها مجالس وزراء و مجالس نيابية و معتمدين لمحليات و مجالس محلية و غيرها من توابعها من الاجهزة الامنية و الشرطية ؟؟ وخلصنا من النفقة على سياراتهم و مرافقيهم و زوجاتهم و عشيرتهم الممتدة ، لقد حدثني من اثق في اطلاعه على خفايا كثيرة في السودان، قال لي ان الدولة كانت تصرف من حصة الشمال ما يربو عن المائة مليون دولار شهرياً على الولاة و المحافظين الذين يزورون الخرطوم بدواعي شتي، وذلك لإلحاحهم في الطلب، مرة تعللاً بظروف ولاياتهم و تارة اخري بالضغط و التلويح باشياء كثيرة ، فياخذون اموالا لصالح ولاياتهم في الظاهر و لكنها لا تنعكس ولا تذهب لهذه الولايات المنهوب مالها المستباح حماها المدقع شعبها ، القابع في غياهب ظلم ابنائه من المتعلمين و المنضوين تحت لواء الحركة الشعبية، هذا المال يصرف من صندوق تنمية الولايات او من وزارة المالية راساً استرضاءاً لغضبة هوجاء او زعلة عرقية و اتقاءاً لتهمة جنوبية جاهزة و مفصلة بالمقاس باستغلال اموال النفط أو عدم الشفافية في الحسابات.
إن انفصال الجنوب اذا اتاح له ان يتمسك و يتصل بافريقيته و اتاح لنا ان نتمسك و نتصل بعروبتنا و حسم قضايا الهوية و الوجهة وكفانا شر التجاذب الاثني و عقدة انتماء الطرفين كلاً منهما لا يريد التصاقاً بالوصف الذي يحبذه الاخر عند اثارة السؤال هل السودان قطر عربي ام افريقي لكان ايضاً اثراً ايجيابياً جديراً بالاحتفاء
لذلك الخلاص من تبعة هذه النفقة السياسية وحده كافياً بأن يجعل السودان في موقف جيدٍ لا نخاف عليه بعدها، ولكن بالمقابل قد يقول قائل ان الدولة ستصبح صغيرة و تـفـقد ربعها ، نعم صحيح ولكن لذلك اجابة، هل صغر الدولة يقدح في وزنها الدولي و اثرها الخارجي ، اقول خذ مثلاً اية دولة عربية بكبرمساحتها وقس ذلك بتاثير اية دولة صغيرة في الخليج او اوربا مثلا مهما صغرت مساحتها ، هل تري في صغر المساحة لدى اية دولة قلة حيلة ؟؟ حاشا و كلا ، هلى تري في كبر المساحة اية عظمة أو اثر ايجابي عالمي في اية دولة عربية كبيرة او اثر ذي ذكر لاية دولة افريقية متمددة على مساحة شاسعة مثلاً ، أن قيمة الدولة تقاس بمدى مقدرتها على التاثير في محيطها الاقليمي و الدولي و عظم مساهمتها في الانتاج الكلي العالمي و حسن ادارتها لشئونها و حنكة قيادتها و ثقافة و تعليم شعبها و اذا كانت هذه هي المعايير لدولة ذات اثر و قوة ، وكانت هذه هي المعايير لدولة قادرة علي حماية ارضها و ممارسة سيادتها على كيانها و حماية نفسها من غلواء الاطماع الخارجية فهي دولة تستحق الحياة و تبشر بمستقبل واعد ، وإن لم يتم تحقيق مطلوبات الدولة هذه إلا بانفصال الجنوب فاهلاً و سهلاً بانفصاله ، فقط نتمنى ان يسد انفصال الجنوب باب الشواغل عنا حتى نتمكن من تحقيق الدولة الانموذج التي نريد ، وكذلك نتمكن نحن و الجنوبيون من تعزيز المصالح المشتركة لتحقيق جوارٍ آمن و حدود معلومة و مصالح تجارية و اقتصادية، فالصين الاسيوية على بعدها و اختلاف ثقافتها و لغتها عنا لديها علاقات متميزة بالدول الافريقية مبنية على مصالح تجارية و سياسية ، وكذلك البرازيل و كوبا فليس هناك مانعاً من تعاون و تبادل و جوار آمن و متسامح و منفتح بين الدولتين، فقط الكل يعرف حدوده و حقوقه و الباقي ساهل و الله المستعان.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة