أستباقا لرياح الشمال الافريقى وزير المالية يدشن برنامجا طموحا لتمويل مشاريع الشباب والخريجيين فى أطار فلسفة التمويل الاصغر
كان السودان سباقا فيما يتعلق بمعالجة قضية البطالة فى أوسط الشباب والخريجيين , منذ مشروع حكومة مايو لمشاريع الشباب فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى , وتبعته تجربة جمعيات الخريجيين الزراعيين التعاونية وهى التجربة الاولى من نوعها حتى اليوم على المسنوى الدولى , وأمتدت التجربة منذ عام 1985 وحتى أواخر التسعينيات , حيث تجاوزت عضويتها ال10 خريج وخريجة زراعية , حيث جرى أول تمويل لهذه الجمعيات عام 1987 بعد الاعتصام الشهير للخريجيين الزراعيين بمبانى وزارة الزراعة , أبان الديمقراطية الثالثة , حيث تبنى وزير الزراعة اّنذاك المرحوم الدكتور / عمر نور الدائم ووزير المالية الدكتور /بشير عمر تمويل باكورة تلك المشاريع عبر دعم البنك الزراعى , والمشاريع بمناطق أبوسبيكة بالقضارف وبوط بالدمازين وأبونعامة بمشروع كناف أبونعامة , مما دفع بالالاف من الخريجيين الزراعيين للتسجيل بالمكتب التنفيذى للخريجيين بوزارة الزراعة , وكان يديره ممثليين للجمعيات وعلى رأس مدير من وزارة الزراعة وبتنسيق مع مجلس الوزراء ولجنة الاختيار للخدمة العامة ووكالة التعاون والبنك الزراعى , ورغم التشكيك من قبل العديد من الاحزاب السياسية من جدوى الخطوة , وبالطبع ليس من منطلق أقتصادى أو المصلحة الوطنية , ولكن خوفا من نشوء تنظيم قد يتطور لاحقا ليشكل تجمعا ضخما لقاعدة مستنيرة تمتلك قدرات مادية ومؤثرة تستقط أهم قطاع بأى دولة , مما يصبح لاحقا رقما صعبا على الساحة السياسية . ورغم العراقيل العديدة من قبل كوادر تلك القوى بأجهزة الدولة والتى حجمت من التوسع , الا أن تنظيم الجمعيات قاوم وواصل مشواره , وعند مقدم حكومة الانقاذ , بادر المكتب التنفيذى للاجتماع بقيادة حكومة الانقاذ بمجلس الوزراء فى أغسطس 1989 للتأكيد على خطه التعاونى وتمسكه به , حيث كان الاجتماع بالسيد /رئيس الجمهورية والسيد / الطيب محمد خير والبرفسور / أحمد على قنيف وزير الزراعة اّنذاك والامين العام لمجلس الوزراء , وقد تمخض الاجتماع عن التزام حكومة الانقاذ بدعم جمعيات الخريجيين الزراعيين التعاونية رغم أنهم طرحوا فى أول الاجتماع رؤية أخرى تقوم على مشاريع فردية , وأسسنا وقتنا رفضنا للطرح على أن هذا الطرح عالى التكلفة مقارنة بالجمعيات , وكذلك سوف يتسم بالضعف الادارى والرقابى أذا ماقورنت بالهيكل الهرمى الادارى لبنيات الجمعيات , وبالفعل تم تمويل الجمعيات وصلت لحوالى ال450 مليون جنيه اّنذاك على دفعتين الاولى 20 مليون عام 1990 والاخر عام 1992 وجاءت الزيادة للنجاحات المحققة وتمويل بنيات الرى الاساسية خاصة مشروعى العيلفون والمكابراب , أى الشروع فى تمويل قنوات الرى والبيارات والطلمبات ..الخ , حيث تمويل بنى الرى من المالية (صندوق دعم الانتاج الحيوانى والنباتى ) بالوزارة والتمويل التشغيلى من فبل البنك الزراعى بدعم من الصندوق بالمالية , وكانت أولى المشاكل التى واجهتنا اّنذاك هو ماهى صيغة التمويل لبنيات الرى بين الدولة والجمعيات , وكان وزير المالية وقتها الاستاذ/ عبدالرحيم حمدى , وهنا للامانة كان موقفه أيجابيا مندفعا بالقناعة بالاطروحات فقد تم أعتماد التمويل دون أعتماد عقد مفصل لكيفية السداد ولاصيغة التمويل لان الطرفيين ينطلقون لترسيخ تجربة جديدة ويرنون لنجاحها , وشرعنا فى التنفيذ , ولكن بكل أسف أستغلت هذه النقطة لاحقا من قبل الدولة لاجهاض التجربة , وهو البعد القانونى , ففى عام 1995 وبعد تبنى الدولة لسيسة الخصخصة أوقف تمويل البنى الاساسية للمشروعين رغم أنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من اكمال المشاريع وكانت سوف تكون لها صدى ليس على المستوى المحلى والاقليمى فحسب بل الدولى . ولعب الجانب السياسى القدح المعلى لاجهاض التجربة , من قبل الذين يناصبون الحركة التعاونية العداء , وهو ما أنسحب لاحقا على الحركة التعاونية برمتها بالبلاد ,وربما المرحلة التى أطلقت عليه مرحلة التمكين أى الهيمنة على كافة التنظيمات القائمة بمولاتها للسلطة ,رغم التزامنا التام بالحياد السياسى فى أطار التنظيم وعلى العضوية حرية ممارسة نشاطها السياسى من خلال تنظيماتها الحزبية التى ينتمون اليها , وهو نموذج متفرد بالدول النامية , مما جعلنا محل عداء ليس فقط من قبل الجميع خوفا على تاّكل قواعدهم الشبابية لصالح جمعيات الخريجيين التعاونية , لا بل وأمتد العداء حتى من المؤسسات الغربية للمانحيين , حيث ماكانت يوما تسعى للتنمية الحقيقية بالبلاد , بل تنمية وتطوير عناصر الصراع بالمجتمع , ولاول مرة تتفق الحكومة والقوى الغربية للقضاء على تنظيم شعبى تنموى ديمقراطى , فهل أرست الحكومة قواعد تمكينها فى أوساط الشباب والخريجيين ؟ هذا ما ستكشف عنه مقبل الايام ؟ والسؤال الذى يطرح نفسه , ماذا ستقدم الحكومة للامم المتحدة فى عام 2012 الذى حدد عاما دوليا للحركة التعاونية , وأى برامج ومشاريع ستطرحها لتحظو بالدعم الدولى وهى التى جردت الحركة التعاونية من كافة مقوماتها ؟ وهل شاركت فى أجتماع لوسوتو خلال شهر أكتوبر المنصرم المعنى بهذا الامر للحركة التعاونية فى أطار التحالف التعاونى الدولى , والذين أتصلوا بى مشكورين رغم عدم الالتزام بتجديد عضوية الحركة التعاونية به لفترة العشر السنوات السابقة , وأصرار وزارة الرعاية الاجتماعية أن البرنامج يخصها ؟ ورغم تسليمى للدعوة للاتحاد التعاونى القومى للاعداد للخطوة . أعيد وأكرر مجددا أن على حكومة الانقاذ عقد مؤتمرا جادا للحركة التعاونية ليمثل عقد مصالحة بأكبر تنظيم ديمقراطى شعبى بالبلاد , وأن تعيد أصول الحركة التعاونية التى تم الاستيلاء عليها للحركة التعاونية وعلى رأسها بنك التنمية التعاونى الاسلامى والمركز القومى لتدريب التعاونيين , وفتح حوار جاد بجمعيات الخريجيين الزراعيين التعاونية وتعويضها عن أصولها التى أستولت عليها الدولة وعلى رأسها مشروعى العليفون والمكابراب , وعلى المستوى الديوانى أعادة وكالة التعاون , لا بل وفى الاوضاع الاقتصادية الحالية بالدولة الادعى تأسيس وزارة للتعاون والتنمية الريفية , والتى ستكون أكثر جدوى من عشرات الوزارات التى أعلنت عقب الانتخابات الاخيرة , فهل تستمع الحكومة للنصح أم مازالت تعول على فلسفة الهيمنة الاقتصادية التى ما اورثتها الا الاقتصاد الذى يحتضر حاليا أمام أعين الشعب السودانى , وهو ماسيقود فى اّخر المطاف لامحالة الى عصيان مدنى تؤكده كافة الشواهد , ووقتها لن تجدى المسكنات , ويستحضر الشعب السودانى قول سيدنا على رضى الله عنه ( عجبت لرجل لايجد قوت يومه ثم لايخرج للناس شاهرا سيفه ) فهلا أعملنا صوت العقل قبل فوات الاوان , وننأى عن لغة المكابرة عن أوضاع تتحدث عن نفسها , ومن خلال مشاركاتنا الخارجية بالعديد من المناشط الدولية وعلى رأسها منتدى المنظمات غير الحكومية الموازى لقمة غذاء العالم بروما عام 1996 وقبله سمنار تطوير قيادات تنظيمات منظمات الشباب الريفى بألمانيا عام 1992 , فقد كان طرحنا الامثل على مستوى العالم ولازال حتى يومنا هذا , وقد أطلعت على كافة التجارب الدولية حتى تاريخه ومن خلال كافة المؤسسات الاقليمية والدولية , فلم أجد أطروحة ترقى لما طرحناه , حتى عند أكثر الدول تقدما , وأعترفوا بذلك , وقد كانت نشوتهم عظيمة بأجهاض تلك التجربة الفريدة , ولكن شاءت الحكومة الا اجهاض التجربة , وطرحت بعدها مشاريع الخريج المنتج , وبعض المحاولات هنا وهناك الى أن توقفت اليوم على الطرح الذى يقدمه السيد / وزير المالية , وبلا شك يتابع كالاخرين مايجرى بتونس والجزائر وقبلهم المغرب ومصر وموريتانيا والعاصفة تأخذ مناح متعددة يوما بعد يوم , والملايين من الشباب والخريجيين العرب وقد وصلوا لحالة أحباط مزمنة من نواتج سياسات الخصخصة والهيكلة وتحرير قوى السوق (الوصفة الغربية السحرية للدول النامية لمعالجة قضايا النمو والتنمية وضعف الانتاجية والفقر والبطالة ...الخ) فاهى الاوضاع على شاشات القنوات الفضائية تعطينا النتاج الطبيعى , المشكلة أن لاصحاب التوليفة سنام ولكن أين سنام الدول النامية ؟ قالحديث عن مشاركة العديد من المؤسسات التمويلية مثل بنك البركة والادخار وديوان الذكاة فى تمويل مشاريع للخريجيين وللشباب فى أطار مايعرف بالتمويل الاصغر فى الشاكلة التى سمعتها عبر وسائل الاعلام يدعو للاستغراب , خاصة وقد سمعنا قبل شهر الحديث عن توفير مليون فرصة عمل للخريجيين سيتم طرحها العام الجديد . حقيقة يبدو أن الحكومة بها عباقرة أقتصاديون حرى بهم صياغة الاقتصاد العالمى وليس العمل بالسودان فهذا أقل من قدراتهم . فعلى ضوء السياسات الاقتصادية الكلية التى أعلنتها الدولة مؤخرا لا أدرى رغم تواضع قدراتى الاقتصادية فى أى نشاط أقتصادى سيعمل هؤلاء ؟ سوى مشاريع صغيرة كانت أم كبيرة ؟ الم تتعظ من نواتج النهضة الزراعية والتى صرفت فيها المئات من ملايين الدولارات وقد وقف الجميع على ماتمخضت عنه بأعتراف أهلها عبر الورشة العلمية التى جرت لتقييمها . وهنا أتوجه بسؤال مباشر للسيد / وزير المالية , هل أطلعت على تجارب الشعوت الاخرى بتمحص وبعلمية فى مجال التمويل الاصغر , مثل تجارب افغانستان وبنغلادش واندونسيا والاردن ولبنان وسوريا واليمن , والاشكال المتعددة له , والنطم الادارية والقانونية وادارة المخاطر , والتشريعات الحكومية المتعلقة بهذا النشاط , ودور الحكومات فى دعم هذا النموزج , وكيفية مشاركة القطاع الخاص والمستثمريين المحليين والاجانب والمؤسسات المانحة الخارجية , ,اثر سعر الصرف على مثل هذه الانشطة , وكيفية أدراة المعلومات المتعلقة بهذا النشاط , وأستخدام التكنولوجيا المتقدمة لتقليل عنصر المخاطرة وتوسيع دائرة المخاطرة , وموقع هذه البنيات فى أطار شبكات الامان الاجتماعى وطبيعة العلاقة القوية والمترابطة وتلك الشبكات فى أطار برامج التنمية الشاملة . أم أن الامر فقط ينحصر فى تأمين مبلغ من المال عبر مؤسسات تمويلية حديثة العهد بمثل هذه الانشطة , وبعيدة تماما عن فلسفتها ومحازيرها ومخاطرها , خاصة وأننا نعيش فى ظروف أقتصادية بالغ الحساسية , فالرئيس بن على فى تونس كان موضوعيا الى درجة ما , فهاهو يدعو برلمانه ومستشاريه اليوم لدراسة المشكلة بعد تفاقمها ولم تجدى وعوده ب300 ألف وظيفة فى عامين , والالتزام بصرف 5 مليار دولار لمعالجة الوضع خلال نفس الفترة . فهل تقتدى الحكومة ببن على , وتدعو لمؤتمر يأمه الباحثين والعلماء للتأطير لمعالجة جادة لهذه القضية وفق الاصول العلمية بعيدا عن التجاذبات السياسية , للخروج برؤية مؤسسية تقدم معالجة موضوعية وتمثل معبرا واقعيا لواحدة من أكبر التحديات التى لاتواحه فقط الدول النامية بل المتقدمة أيضا , ,انا حينما أذكر الحكومة بهذه الخلفية التاريخية وهى أدرى بحيثياتها , لنقول حتى تجلس لتقيم أوجه القصور بدولابها , ولتدرك أن العالم يعنى فقط بالقوى فقط , وأن ظروفه الحالية لاتسمح بأخطاء فى القضايا التى تمثل تحديا حقيقيا لامم , فلقد ظللت أتابع مايجرى فى هذا المضمار اّملا فى أن يجرى التعاطى مع الامر بالجدية المطلوبة والتى يفرضها واقع تحدياته لم يشهد السودان مثيلا لها من قبل , فهلا تنادى الجميع لمواجهة التحديات هذه , رافعين شعار السودان أولا و أخيرا .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
الرئيس الاسبق لاتحاد جمعيات الخريجيين الزراعيين التعاونية بالسودان
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء-هايدلبرغ – المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل –بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون :00249912956441
بريد الكترونى: [email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة