عربة السفير السوداني في جوبا
بقلم: فتح الرحمن شبارقة
كما العطر، كان المواطنون السودانيون ينسربون بين الشمال والجنوب حتى على أيام الحرب، وبعض سني السلام الذي تمخض جمله في النهاية، إنفصالاً بالجنوب. إلى جانب بعض المشروعات التنموية الخجولة، وغير القليل من المظان الشائكة بين الشريكين.
ومع إقتراب فض تلك الشراكة المتشاكسة بين الوطني والشعبية، يبدو أن علاقة أخرى أهم ستنفض. فلم يعد بإمكان المواطنين بعد التاسع من يوليو المقبل، سواء أكانوا في شمالي البلاد، أو جنوبها، أن يعبرون الحدود الدولية بين دولتي «السودان وجنوب السودان» بتلك التلقائية الماضوية، فلابد أن يمروا بنقاط التفتيش عند الحدود، بعد أن يُمنحوا تاشيرة للعبور مسبقاً تُمنح من «القنصلية السودانية في جوبا».
أعلم أن الحديث عن قنصلية أو سفارة سودانية في جوبا يبدو غريباً نوعاً ما، وربما يخلف موطيء ألم في دواخل البعض.. فمنذ متى وجوبا الحبيبة تنام خارج حدود الوطن؟ لكنها ستفعل ذلك أخيراً بعد إعلان الإنفصال وهي -على الأرجح- سعيدة. الأمر الذي يتطلب إعترافاً بهذا الواقع الجديد، والتعود على أن جوبا لن تنام في بيت السودان الذي كان موحداً من جديد، بعد أن «فرزت عيشتها»».
وإمعاناً في الواقعية السياسية ربما، أعلن علي كرتي وزير الخارجية قُبيل الإستفتاء بنحو يومين، أن السودان سيكون أول دولة تعترف بدولة الجنوب الوليدة.
حديث كرتي عن أنهم سيكونوا أول المعترفين بدولة الجنوب بعد إعلان النتيجة، أعادني إلى حوار سبق وأن أجريته مع عبد المنعم الشاذلي سفير مصر الأسبق في الخرطوم، تحديداً إلى سؤال عما إذا كانت مصر ستعترف بإنفصال الجنوب؟.
حاول الشاذلي أن يتفادى الإجابة عبر سلكه لمنعطفات لغوية للهروب من صيغة ذلك السؤال، مثل أنه لا يُقدِر الإنفصال قبل وقوعه، وأنه لا يعبُر الجسر قبل الوصول إليه. وفي كل منعطف، كنت أنتظره بسؤال يعيده إلى الطريق المفضي إلى الإجابة، ويحرضة على عبور الجسر، ولو ذهنياً.
أخيراً، قال الشاذلي بعد أن إرتفعت نبرة صوته قليلاً فيما أّذكر: «شوف يا إبني إنت ممكن تكون صحفي شاطر، لكن ما تنساش أنا كمان دبلوماسي محترف»، وقتها شعرت بأني لن أخرج منه بشيء يستحق الذكر. ولكن ذلك الشعور إتضح عطبه بعد أن قال: «السودان، كل السودان كان جزءاً من مصر، وعندما إستقل عنها، كانت مصر أول المعترفين بإستقلاله، لذلك حملت عربة السفير المصري في الخرطوم الرقم (1) في إشارة لا يعرفها الكثيرون بأن مصر كانت رقم واحد بين المعترفين بإستقلال جنوبها في السودان».
ولما كانت عملية الإستفتاء تجري بهدوء حتى الآن، فيمكننا أن نتساءل تحت سقف ذلك الهدوء دون أن نتهم بممارسة نوع من أنواع سباق الحمير بينما البلاد تعيش حالة إستفتاء.. هل ستحمل عربة السفير السوداني في جوبا الرقم (1). أم أن مصر ستحصل هذه المرة كذلك على تلك اللوحة المميزة؟
الإجابة، ربما تكون إن السودان هو الأقرب خاصة إذا ما وضع كرتي وعده بالإعتراف في حيز التنفيذ. فقد بات واضحاً أن الإنفصال هو رغبة أغلبية الجنوبيين ولا طائل من عدم الإعتراف بها، فكما يقولون.. «إذا لم تجد ما تُحب، فحِب ما تجد» بمعنى، إذا لم تجد الوحدة التي تُحب، فلا أقل من أن تتعاطي على نحو إيجابي مع الخيار غير المحبب.
ربما سبقت أمريكا ودول غربية أخرى مصر للإعتراف بدولة الجنوب، فالمحروسة تشعر بشيء من القلق هذه الأيام عبرت عنه أخيراً في تحذيرها من تسمية الجنوب بجمهورية النيل، وتحذيرها كذلك من اللعب بالماء الذي يعني لها الكثير، وهو نوع من اللعب لا يقل خطورة من اللعب بالنار نفسه، على الأقل في مثل هذه الأيام شديدة البرودة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة