وأنا، وأنا، أكتب!!!
محمد الأمين نافع
بعد آخر طلة أو إطلالة لي علي بحر القراء الأبيض والأحمر والأسود وحتى الميـِّـت واللا أدرياتيكي، عبر مقالي ( كأننا والاستفتاء أمامنا، قومٌ أمامهم انفصال )، كنت قد آثرت التوقف هنيهة حتى تنجلي الأمور وتكشف الأيام الأقنعة عن الحوادث والأحداث والمقالات والمقولات، حتى يكون لي لكل مقامٍ مقال ولكل حادثٍ حديث، ولكني يا أولاد الخالة، وجدت الصيام عن الكتابة مدة أسبوع كامل هي عمر أيام الاستفتاء مع أسبوع سابق له دخلتُ فيه خلوة الترقب في انتظار قيامة التاسع من يناير 2011م، وجدت ذلك الصيام حاراً لا يطاق، لذا فضلت أنا الذي لا أطيقه تعويضه بإخراج فدية قدرها صاع واحد من الكلام، وذلك لأني لم أصل بعد الي مرحلة رد الصاع صاعين والمـِــدِّ مدَّين، وعندما أصل الي تلك المرحلة صدقوني سوف يكون لكل مرحلة صاعها الحاسم، صدقوا ذلك أو لا تصدقوه.
وأنتم تطالعون العنوان أعلاه لابد أن ملاقطكم الذهنية اللماحة وأسماعكم الرهيفة والمرهفة وحتى أنوفكم التي أنفت منها الأنوف، قد التقطت فيه نكهة المارشات الثورية في أغنية المبدع/ مرسيل خليفة ( منتصب القامة أمشي )، خاصةً ونحن نعيش هذه الأيام أجواء وشعارات "حالة ثورية وانقلاب علي الواقع" و"من ليس معنا فهو ضدنا" كما كان يردد إخواننا في البعث أيام العزة والمهلة، واليوم تتردد في الآفاق المحلية والاقليمية والدولية نغمة مارشات "من ليس مع الانفصال فهو ضده"، أو "من ليس مع الوحدة فهو ضدها"، وبصراحة لكلا الطرحين أو الشعارين قضية موضوعية ومعقولة تستحق المناقشة والدفاع عنها أو الهجوم عليها والقدح فيها، وكلا الهجوم أو الدفاع حول هاتين القضيتين قد نال حقه المشروع وغير المشروع من الكتابة والحديث والخطب الديماغوجية والسادية والمازوجية بما يكفي ويزيد ويرمي ويحرث في البحر، والبحر طبعاً هو البحر من أي النواحي أتيته، لا يعرف سوى الابتلاع ثم القذف خارجه بكل الموضوعات والمواضيع والأمور والأشياء المبلوعة جثثاً هامدة.
ومع ذلك ورغم أنف ذلك وأخواتها، سأظل أكتب وأكتب الي أن يفضي بنا الاستفتاء الي أمرٍ كان مفعولاً، أو تنتهي بنا الأمور الي نهاياتٍ دبـِّــرت بليلٍ أو في وضح النهار، حسبما يتراءى لنا بالعين المجردة في نهار الناس هذا من مفعولات وملعوبات ومنسوجات ومحلولات ومركبات. ولكن أكتب عماذا؟ هل أكتب متنبئاً بما هو آتٍ كما يفعل كبار وصغار المحللين السياسيين وفطاحلة التحليل والتنظير الاستراتيجي الذي تتزاحم فيه المحددات السياسية، العسكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية وحتى الهندسية والقرطاسية، جنباً الي جنب أدوات الطبخ والطهي والنجارة؟ أم أكتب عن الواقع الذي نعيشه بما يقدمه لنا من أدوات تحليل ومسوغات استشراف واستشعار للمستقبل، لا أظنني سوف أكون قادراً علي الإتيان بجديد في كلا الحقلين المعاش والمستقبل، وذلك لأنهما قتلا بحثاً وشرحاً وتشريحاً، ما أود أنا الكتابة عنه، ليس هذا ولا ذاك ولكنه ما بينهما، إنه الحدود الفاصلة ولكن غير المرئية بينهما، حيث ما تزال في طيات الحاضر والمستقبل حشوات وفقاقيع وثقوب سوداء ومن كل الألوان لم تتضح جلية أمرها بعد، حمانا الله وإياكم من انكشفاف سترنا أمامها.
السودان الوطن الواحد بما قد كان من وحدة وما قد يكون من انفصال ظل محط وقبلة الأنظار، أنظار ومناظير من كل شاكلةٍ ولون، أنظار الإعجاب، أنظار العجب، أنظار الحسد، أنظار الافتراس، أنظار الشفقة والرثاء، وأنظار وأنظار، وطالما تربص المتربصون بأمياله المليون، وأرضه السهلية الخصبة المترامية التي تجري من تحتها الأنهار، ولذلك لم يدخر هؤلاء أو أولئك جهداً في الظفر بنصيبٍ من غنيمته ولو كان فتاتاً وحطاماً. وبما أن كلاًّ من صروف الزمان وطـَـــرَقات المستعمرين والمتآمرين المستمرة علي حديد السودان وهو ساخن وطري في ميعة الصبا، كان لابد لهما من مرسى يرسيان عليه طال الزمن أم قصر، هاهما الآن قد أناخا ناقة السودان وألقيا عصا تسيارها في محطة الخطة رقم ( 1 )، فصل الجنوب، ثم ما يليه من مناطق أخرى كان المستعمر الانجليزي قد وضعها في قائمة المناطق المقفولة الي جانب الجنوب بأكمله، وهكذا يتدرج بالهمس في أذن أحد الثيران الثلاث أو الأربع ويناجيه دون الآخرين ثم يصرعهم فرادى الواحد إثر الآخر. هذا ما ظهر حتى الآن وسوف نواصل الكتابة عما تكشـَّــف لنا يوم الاستفتاء وما أخطأنا قراءة إرهاصاته في السابق، وهكذا سوف يصبح الاستفتاء في كل الأحوال ولدى كل الأطراف يوماً تاريخياً فارقاً له ما قبله وما بعده. والي اللقاء في هذا الما بعد.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة