سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"السودان، وطن واحد، ماذا كان وسوف يكون "
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الأحد 9 يناير 2011
قلمي مثقل اليوم بهم القرون، عيون الشهداء ترقب. والشعب الحي يرتقب. والصبح لناظره قريب، قالت العرب. والمعادلة السياسية الصعبة التي إتفق عليها آباء السودانيين الإنفصاليين والوحدويين تزحم الخاطر، فيحلق بها خاطرا وراء خاطر في غياهب الغموض والتوقعات التي تستدعي ركاب الموضوعية وتستحلي الإنصاف كيلا يزداد الأمر تعقيدا علي ما هو عليه من توتر ٍ وشتات. حسنا. نسألك ربنا اللطف بسوداننا. نسألك أن تظهر الحق ربنا في الإستفتاء بإصلاح حاله وعدل القائمين عليه، وحمايتهم من الطمع والإغترار بالمال والسلطان، وتمضيته بسلام ومحبة وإخاء.
هذه ربنا الأعلي أحد هذه اللحظات التاريخية الدقيقة التي تدعوك فيها جماهير شعبنا، الحافظين منهم كتبك، المؤمنين بملائكتك ورسلك، الخاشعين من رهبتك، المشفقين علي خلقك، والسائلين منهم وسطاءهم يرفعوا أكفهم للسماء علها تنزل غيثك: أن ينبلج نورحقك بإضاءة ساحقة علي أبرياء السودان وأقويائهم الوحدويين.
وفي آيك الحكيم ربنا: "فماذا بعد الحّق إلا الضّلال" [يونس:32]. وبهذا الدعاء الحار، وأطيب الأمنيات، نعود للتأمل في حق مطالب الإنفصاليين التي أجملناها في ثلاث هي رفع مظالم عن التنمية والسلطة والثقافة. ثبتوا عليها في سانو والأنيانيا بزعامة الكبار لاقو وأدوهو وجادين ورفقائهم. وتفهمها جمع الوحدويين، وتقبلها، وعمل علي تطويرها، وصياغتها في وثائق أوسع حجما ومديً نحو تحقيق السودانية الأكبر - قائمة طويلة من مفكري الوطن وساسته العارفين.
من ثم، ينبغي التفريق القاطع مابين اصحاب الفكرة الأصليين من جهة، والمقلدين الممتطين ظهور التآمر علي السودان ووحدته وديمقراطيته لتطبيقها - لا كما أبدع السودانيون في صنعها وإخراجها؛ ولا لخير شعوب البلد واقوامها المسحوقة - ولكن لضرب الدفوف، ودق الطبول، والتشبه بأعمال الجاهلية الأولي، "شق الجيوب، ولطم الخدود"، وإفراغ التطبيق من كل محتوي ومضمون. "شاهت الوجوه"!
نعم. لمجلس قيادة "ثورة" مايو فضل التطبيق لإعلان الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب. وليس له من الفكر والتطوير شئ. وما كان له أن يبلغ غاية الإنجاز المرام من الإعلان، وقد شرع ثاني جلسة له في تهيئة أجواء "الثورة بالإنقلاب" إنقلابا علي إنقلاب، بما فرض من برامج بفوقية السلطة، سرعان ما أصابه الضيق منها وما عكسته من قدرات الجماهير النقابية والحزبية خارج مجلسهم المستعلي علي ترخيص التفعيل الواجب للتطبيق من جانب الحركة الجماهيرية، فوق دوائر البيروقراط وموظفي السلطات، وهيمنة الدولة بتنظيماتها الديوانية: الإتحاد الإشتراكي (1970-1985)، والمؤتمر الوطني، حزب الدولة المعاد، "إنقلابا إسلاميا عقابيا" (1989-2010).
في داخل نواة الإنفصال، عاشت وحدة السودان مثلما تعلقت أسباب الوحدة بقلب مطالب الإنفصال. هذه هي الحقيقة بعين علاقة النقيضين الديالكتيكية في علم العلمانيين. وبحق الإله الواحد الأحد علي عباده، وبكل العلوم والمعارف، لوطن السودانيين حقٌ عليهم ألا يستعجلوا خرابه. جاء في أفريكان- نيوز بموقع الإذاعة البريطانية (يناير 2011) أن صُحفا إفريقية عديدة في الكنغو الديمقراطية، وتنزانيا, وجنوب إفريقيا، وكينيا، ويوغندا أعربت هذه الأيام عن قلق القارة العميق من إنفصال جنوب السودان عن شماله.
وفي البلد، أجمعت مواقف الوحدويين علي إشفاقهم علي الأهل في ترابنا الأحمر. الناطق بإسم قوي الإجماع فاروق أبو عيسي من أوائل من لفت النظر إلي "خوف أنظمة إفريقيا ومجتمعاتها من إنفصال الجنوب." وقد جهر قادة علماء في الجنوب علي رأسهم بونا ملوال ولام أكول بقلق ٍعميق من إنتخابات أبريل 2010 المزورة علي مستوي القطر، وامتد القلق والتوجس والخوف من ظروف ما بعد الإستفتاء، وغلبت علي أحاسيس بالإنتماء إلي وطن أصغر عواطف وطنية أرقي نحو سودانيتهم الأكبر. يخافون علي الأمة تفتيتها. ويخشون أن يرتد سلاحٌ علي حملته، فلا يُبقي ولا يذر. "وقد يفتح أبواب جهنم" بتعبيرعبدالله دينق، وتأمين داك بيشوب علي تخوفه - حكماء مدركين.
نضم صوت السودانيين القوي لإخوتنا العرب والأفارقة. كتبت الأهرام المصرية مثالا مشفقة وأرفقت إدانتها الإسلاميين الإنقلابيين غضبا علي التفريط والإستهتار بمصالح الأهل والجيرة والعشيرة. ونصحت الراية القطرية. وعلي نصيحة الإثنين وضع النظام ثيابه علي أذنيه. والأفارقة كتبوا نصحهم للإنفصاليين. وقالوا بصوتٍ واحدٍ نردده معهم: "منذ متي أصبح تقسيم المواطنين في بلدٍ حلاً لمشاكلهم؟... لسوف يضع هذا المنحي السودان في حالةٍ من عدم إنتهاء التنازع وحكم إستعماريين طويل المدي" علي لسان الكاتب سعيد رجب في صحيفة النور التنزانية. فهلا أعاد جنود الزعيم الوحدوي حساباتهم بعين ماوراء التسيطر والإنفراد؟ سبحانك ربّ العزة:" تولِج الليل في النّهار وتُولجُ النّهار في الليل" [آل عمران:27 ].
يقرأ تقرير هيريتج (2010)، وهي مؤسسة تتقاسم مع وول إستريت قياس الحرية الإقتصادية في بلدان العالم: "الفساد معشعش. مرتبة السودان 173 من 179 بلدا في قائمة قياس الشفافية المالية لعام 2008. أقارب مسؤلي الحكومة الكبار دائما ما يمتلكون شركات خاصة تعمل مع الحكومة. وفي العادة تتلقي الصفقات زهاء عملها. رشوة الشرطة موضع عناء. وما من قوانين تتيح للعامة التعرف علي المعلومات من الحكومة التي لا تقدم عنها شيئا".
في زحام الإستفتاء، قبيل إنقشاع نتائجه،علينا أن نشهد لكتابٍ في الغرب مشفقين علي حالة الجنوب المفتقرة لمقومات الدولة الحديثة، بناءها التحتي، وصعوباتها المالية ومآلاتها الإدارية، وما ورثته من فساد المركز الوارد بشهادة ماليةٍ دوليةٍ آنفا. ولم يحجم ساسة غربيون كبار عن التحذير والإنذار من التشاحن والتطاعن بين الورثة. الغربيون مع تحالفاتهم الإستراتيجية الأكيدة، لا يخشون من مواجهة بعضهم بعضا بموضوعيةٍ وتعقل. وقد أحسنت إليهم رأسماليتهم بالإلتفاف حول مصالحهم، في حين أساءت إلي غيرهم بشروطٍ في غير صالحهم. ولسنا مع ضياع مصالح بلادنا لغفلة حكامها وفساد أعمالهم. "فذكر إنما أنْتَ مُذكر. لست عَليهٍم بمُسّيطر" [الغاشية:21-22].
وغدا ًيومٌ جديد
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة