أصدرت ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانآ يحرم فيه المشاركة في استفتاء تقرير المصير للجنوب المزمع اقامته في يوم الأحد القادم الموافق 9/1/2011 م. و من ضمن ما ورد في البيان ما يلي: * الانفصال تهديد واضح للأمة الاسلامية و العربية و مؤامرة عالمية لاقصاء العروبة و الاسلام تغذيها جهات كثيرة اقليمية و دولية في مقدمتها الصهيونية و الصليبية العالمية * مخطط الانفصال لا يستهدف السودان وحده باعتبار أن الجنوب بوابة الاسلام و العروبة الى افريقيا * التصويت لصالح انفصال الجنوب عن شماله حرام شرعآ. و يحضرني في ذات الصعيد الفتوى الصادرة قبل أسابيع من الرابطة الشرعية للعلماء و الدعاة و فحواها أن الاستفتاء باطل و الجنوب أرض اسلام لا يجوز تركها لحكم كافر. لم يفصح الجماعتان بوضوح عن الآليات و السبل الواجب اتخاذها للحؤول دون قيام الاستفتاء و بالتالي الانفصال الذي بات قاب قوسين أو أدنى. البيان نفسه لا يخلو من دعوة مبطنة لاستخدام العنف لتخريب الاستفتاء و منع حدوث الانفصال. انها محاولة جادة لاستنهاض و شحذ الهمم و اثارة العصبية الدينية و النعرة العنصرية و توظيفهما لاشعال الحرب مجددآ في الجنوب. المتاجرة بالدين غدت مهنة خالصة لهذه الجماعات تعتاش على مردودها بتوزيع الفتاوى يمينآ و يسارآ و دس أنوفها في خصوصيات الخلق و اقحام نفسها في ما لا يعنيها. الترويج للعنف و التطرف و دعم الارهاب يدخل في صميم أنشطة مثل هذه الجماعات. ان القرضاوي و أمثاله من شيوخ التلفزيون يتكسبون من بث الفتن و دفع السذج من الشباب الى الارهاب. انه مفتي الارهابيين بلا منازع و محظور من دخول العديد من بلدان العالم
ان النفاق و الكيل بمكيالين هو ديدن هذه الجماعة و غيرها وهم كثر فى العالم العربي. ففي حين يدعمون بشدة انفصال كوسوفو من صربيا و الشيشان من روسيا الى درجة ارسال مقاتلين متطوعين, نراهم يعتبرون الأمر جريمة نكراء أن يتطلع شعب جنوب السودان الى الحرية و الخلاص من براثن دولة الجلابة. و في الوقت الذي يملأون الأرض صخبآ و ضجيجآ بما يدور في أفغانستان و فلسطين, لا نكاد نسمع لهم صوتآ بل صمت القبور هو سيد الموقف فيما يتعلق بالفظائع التي ترتكب في الحرب الدائرة في دارفور. أعود الى ما ورد على لسان الرابطة الشرعية للعلماء و الدعاة و التى أفتت بأن الجنوب أرض اسلامية. ما نعرفه هو أن الله قد خلق السماوات و الأرض و لم يحدد أن هناك أراض اسلامية و أخرى تخص اصحاب الديانات الأخرى. كما نعلم أيضآ أن اليهود و المسيحيين كانوا و لا زالوا موجوديين في الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام بوقت طويل. فهل يستقيم أن يقال أن جزيرة العرب كانت في الأصل أرضآ يهودية أو مسيحية !! و بالنسبة لسكان جنوب السودان فكل الدلائل و الحقائق التاريخية تشير الى أن أجدادهم استوطنوا هذه الأرض منذ الأزل, فهل يا ترى لم يدركوا أنهم قد أقاموا على أوقاف اسلامية حتى قبل ظهور الاسلام بقرون ؟! واذا كان المقصود أن الجنوب قد صارت ملكآ للدولة الاسلامية و العربية بالفتح و هو ما لم يحدث, فهل يعني ذلك أن فلسطين قد أصبحت ملكآ خالصآ لاسرائيل بحكم سيطرتها المطلقة على الأرض ؟
ان التسامح الديني الذي ينعم به مجتمع جنوب السودان قل مثيله في أي بقعة من بقاع الأرض. انه نموذج يجب الاحتذاء به خاصة في تلك المجتمعات التي ذاقت الأمرين من الطائفية الدينية و النعرات العنصرية. هنا في الجنوب يعيش المسلم و المسيحي و الأرواحي تحت سقف واحد دون أدنى غضاضة. و كثيرآ ما تجد أفراد عائلة واحدة يدينون بديانات مختلفة دون أن يفسد ذلك للود قضية. الدين في الجنوب مسألة شخصية بحتة و لا يؤثر في العلاقات الاجتماعية الى حد كبير و هناك فصل تام بين الدين و الدولة. ان الزعم بأن الجنوب هو بوابة الاسلام و العروبة الى افريقيا ما هو الا محاولة لجعله مدخلآ لجرثومة التطرف و معبرآ للعنصرية البغيضة التي يروج لها جماعة القرضاوي و من لف لفها, الى داخل العمق الافريقي. و قد رأينا كيف أن الشمال النيجيري قد ظهرت عليه أعراض الأصابة بالفيروسات المنقولة من قبل هذه الجماعة المتطرفة. و أيضآ الزعم بأن الانفصال مؤامرة عالمية تغذيها الصهيونية و الصليبية العالمية في اشارة الى اسرائيل و الغرب ما هو الا محض افتراء. مثل هذا الهراء لا ينطلي على من له اطلاع بحقائق التاريخ المعاصر. فمطالبة الجنوبيين بالانفصال بدأت منذ عام 1947 م مما يعني أن اسرائيل قد خططت لانفصال الجنوب قبل قيامها كدولة في عام 1948 م !!! أضف الى ذلك أن بريطانيا و التي ساعدت في انشاء اسرائيل, هي التي أبقت الجنوب جزءآ من السودان الحالي بدلآ من ضمه الى شرق افريقيا. لو أرادت بريطانيا في ذلك الوقت فصل الجنوب عن الشمال لما استطاعت مصر و حلفائها الشماليون من فعل شيء البتة, و لكانت قد حقنت الكثير من الدماء البريئة التي أريقت على أرض الجنوب
يراد لنا الأقتداء بالوضع السائد في مصر ( بلد القرضاوي ) حيث الكنائس و المعابد اليهودية تحت حراسة مسلحة دائمة و حيث لا يمكن بناء كنيسة الا بتوقيع رئيس الجمهورية وهو أمر من باب المستحيلات. اكبر الظن أن تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية كان بردآ و سلامآ على جماعة القرضاوي و أتباعها
و يراد لنا الاقتباس من النموذج الباكستاني في التسامح الديني حيث يتم تفجير مساجد الشيعة و كنائس المسيحيين على رؤوس المصلين
و يراد لنا أن نحذو حذو ايران باضطهاد المسلمين السنة و التنكيل بالأقليات من عرب و أكراد و يهود
و يراد لنا أن نخطو على خطى طالبان الذين حطموا بالمدفعية الثقيلة و الدبابات تماثيل بوذا المنحوتة على سفوح جبال باميان منذ الآف السنين
ويراد لنا محاكاة ما يجري في العراق حيث بلغ العنف الطائفي مبلغآ جعل تفجير موكب جنائزي في المقابر و سرادق عزاء أمرآ مقبولآ لدى الارهابيين الذين يؤيدهم القرضاوي و جماعته
و يراد لنا أيضآ أن نصبح مجتمعآ يكفر بعضه بعضآ و يستبيح هدر دماء المخالفين في الرأي و لعل أصدق مثالين هو النهاية المأسوية لكل من الأستاذ محمود محمد طه و الكاتب المصري فرج فودة
أستطيع أن أجزم أن القرضاوي و جماعته لا يعرفون شيئآ البتة عن واقع شعب جنوب السودان. فالرجل لم يطأ قدمه أرض جنوب السودان و لا أعتقد أن أمثاله يسمح لهم بتدنيس تلك الأرض الطيبة. فاذا كان بيانهم يستهدف المسلمين الجنوبيين، فقد خاب فألهم و لن يجد أذنآ صاغية و مصيره هو التجاهل التام أو سلة المهملات. فغالبية المسلمين الجنوبيين لا يعرفون من هو القرضاوي و حتى الرابطة الشرعية للعلماء و الدعاة مجهولة في أوساطهم. ان موقف المسلمين الجنوبيين من الاستفتاء و الانفصال هو نفس موقف أخوانهم من أصحاب الديانات الأخرى. فطائرات الأنطونوف التى كانت تصب حممها على القرى و المدن الجنوبية لم تكن تفرق بين المسلمين و المسيحيين و الأرواحيين فكلهم ضحايا. ما لا يعرفه القرضاوى هو أن المسلمين الجنوبيين شاركوا في كل المعارك النضالية التي دارت في غابات و وديان و جبال الجنوب. من الجيل القديم نذكر عبد الرحمن سولى و الذي أنجب ذرية صالحة أخذت منه راية النضال و سارت في نفس دربه. و من الجيل الجديد يقف القائد الطاهر بيور شامخآ مفندآ أكاذيب القوى الظلامية التي تريد دق اسفين بين المسلمين و بقية الشعب الجنوبى. فعلى القرضاوى و جماعته البحث عن وجهة أخرى لترويج بضاعتهم المسمومة. تمت
بقلم د. جيمس لاكو كواجوك - بريطانيا
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة