سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"أبقو عشره علي المبادي"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الخميس 6 يناير 2010
مفهومٌ بالتعاهد الدولي والإتفاق السياسي حق الجنوب في تقرير مصيره السياسي. أما غير المفهوم، فيبدو بتأمل المصالح الإستراتيجية والجيوبوليتيكية الخطيرة التي يقع في عبها عبءُ غير محتمل ٍعلي ممارسة حق تقرير المصير لضلع ٍمن ضلوع وطن مضموم في جسدٍ جغرافي وتاريخي واحد.
غير المفهوم يُستجلي ٍأيضا بإدراك التعاضد الإجتماعي والتكامل النفسي والتمازج الروحي علي مستوي كيان ٍوطني جامع، لا يجعل من حق مجموعةٍ ما الإنفصال عن هوية سودانيتها الكبري لأخري أقل حجما ولا يعادل أي جزء منها كليتها وزنا. ربما ترفع الصغري علما وتعزف لحنا وتحمل شعارا. وما هكذا الكبري: ترفع علما أوسع، وتسمع لحنا أوقع، وتحمل شعارا لأربعين مليون سوداني تحدروا من ملايين غيرهم قرونا سحيقة، تجري دماء شهدائهم، وتخفق ذكراهم الحية مع كل فكرةٍ وكلمةٍ ونغمة.
الجنوبيون شأنهم شأن الشماليين جزء حبيب من شعوب السودانيين؛ تتداخلهم عشرات الأعراق في مجموعات سكانية كاملة البناء الروحي والثقافي والإجتماعي. وكذا حال أكثر من مائة وخمسين مجموعة أخري أو أكثر تعيش بلادنا الواسعة. وقبل أن يُهلل إعلام لتظاهر"مئات الشباب في شوارع جوبا من المطالبين بالإنفصال"، وهو حٍلٌ لهم أن يطلبوه كما هو حقٌ لأمثالهم من شباب الوحدويين أن يرفضوه – ولا يعاقبوا علي حلهم - ما أظهرت الجزيرة ولا العربية تظاهرة لهم، ولم يتطلع المعلقون لهم بالضم والمط والمد والجر علي "الكابشن" الملون بعرض الشاشة الفضية كما انطلقوا لغيرهم. أفلا يعدلون؟
مهم لنفس الإعلام أن يلمس رغبات "الملايين" من الجنوبيين الذين لم يتظاهروا بعد في شوارع المدن ولا أزقة القري بلقاءات منصفة. هؤلاء الأحباب يعّبرون عن تمسكهم بالوحدة بنظرات الأسي العميق والحزن الدفين – ما لم تخطيئه كاميرات المصورين، وإن فات علي مذيعين. يحتجون بأكثر من مائة لغة سودانية فيها العربية عامية وفصحي علي سّوق أوطانهم في جنوب الوطن وشماله لقرار – ربما ينتهي إلي إنفصال لم يستحثه منهم أحد، ولم يطلبوه أصلا؛ ولكنهم أعيّاهم التفكير وأعيّانا في مغبة نتائجه، وعلي فوهة عُقدها الدفينة ذلك الفقد الكبير لمألوف التعايش والتآخي والترابط حيثما حلوا في ديار سودانيتهم القديمة، وبأي بقعةٍ ساروا في أكبر أقطار القارة مساحة وثقافة وسماحة.
موضوعنا اليوم هذا الإحساس الدافق، الذي يغوص عميقا في نفوس السودانيين، يستجلي عن سودانيتهم الكبري ما لم يجليه نظامٌ سياسي بعدُ، منذ أيام الممالك الوسطي بصراعاتها المحدودة وتجارتها الذائبة بطول مسافاتها البعيدة، إلي أيام المهدية العَجلي بحروباتها الدائبة، فعصر الحداثة القاصرة علي مريحات المستثمر وإدارته الدائخة بربحيةٍ رائجة، ما وقر منها في عقل سلطة المركز مراسا ولا بأسا غير قهر الفقير وحكر المقتدرين.
حارب السودانيون بكل الأسلحة النارية والسياسية والفكرية مع القائد الوحدوي العظيم جون قرنق تحت رايات السودان الواحد وقدموا الشهداء بالملايين. فليسأل الإنفصاليون ضمائرهم الحية: أين حقوق شهداء الوحدة؟ وكيف تمنح لهم وضٍلعهم المجروح في جنوب البلد ينتزع إنتزاعا من جسد سودانيته الكبري، إن تحقق الإنفصال؟ وهل ذا يعفي السودان منتزعي اللحم من جسده لأن صيادا عابثا من الخرطوم أثخنه جُورا وعدوانا وظلما؟!
تتساءل عجبا، أعينا راصدة وقرائح متفكرة: بأي حجة في تراب السودان الأحمر تتقطع الأضلاع؟ ولم لا نري في العملة وجهيها فننأي بآرائنا عن نقص التحيز وأضراره؟ كيف نسترجع ذكريات الحرب الضروس منذ خمسينيات القرن الماضي دون أن نحزن فيها علي أجساد كل السودانيين التي باعد بينها هويً طغيان المركز الباغي وضمها في التراب موت غادي؟ وكيف بالله لا نري آثار الدمار في انعدام البني التحتية وانتشار الألغام الحربية المدفونة في الجنوب في كفٍ واحدٍ مع فقدان الإنسجام مع البني الفوقية المفروضة عنوة وانتشار الألغام السياسية المشهرة في الشمال؟
قضية تخلف السياسات وترنح الإدارة والتنمية وتعثر العلاقات السياسية بين الحكام والمعارضة "وحدة قهرية" لا فكاك لضلعي الوطن الجريحين من مواجهتها ومعالجتها مغ كل قوي الإجماع الوطني الرشيد بالحكم الصالح بالحسني، كما لا مهرب لهما من إنهاء أزمة دارفور النازفة، ومنع تخصيص الجزيرة المروية، ومعالجة القائمة الطويلة من مصالح الوطن العادلة العاجلة المؤجلة. والمطلوب أن يفهم الجميع أمور الأمة؛ لا تتعلق بإسترضاءات مسئوليها ما لم ترض عنها جماهيرالشعب "لا مئات المتظاهرين" بإرادتها المستقلة.
لن أضيع حبرا في إعلام النظام الذي لا يري في الدنيا إلا نفسه. يصورها حكيما إن قتل بغير حق في حرب القرنين، ويصورها حكيما بالمثل إن نطق محض كلمة بحب السلام ووعد بالوئام! التدله بحلاقيم السلطة: ما في الساحة غيرنا. ويا له من عتهٍ مفتون! ولن يرحم الحاضر ولا القابل إعلام العرب والغرب وتركيزهما أيام الإستفتاء علي الإنفصال. غاب عن خاطرهم أن معاهدة السلام التي يستمد منها الإستفتاء شرعيته قامت علي حث طرفيها بالعمل علي جعل الوحدة الطوعية الخيار الأفضل. أمسي الشريكان وأصبحا وكل ما نسمع منهما "الإنفصال". ثم، يا مرحبا. سنكون إخوة به وأصدقاء. واوحدتاه! ما لهؤلاء القوم "كيف يحكمون".
وغدا ًيومٌ جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة