زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
الحركة الشعبية والحرب الاقتصادية!!
بينما تتعالى بعض الأصوات المثيرة للضحك والإشفاق من داخل دواوين الدولة بل وبنك السودان مطالِبة بتوحيد العملة عند الانفصال في تجاهل تام للأجندة الأجنبية الشريرة التي تسعى للفتك بالسودان الشمالي من خلال الحرب الاقتصادية التي نرى شررها بل نيرانها تشتعل هذه الأيام وتُشعل معها السوق والدولار الذي يتصاعد بشكل مطّرد تكشف الأقدار صورة مصغرة للحرب الاقتصادية التي تشنها الحركة الشعبية ومن يقفون وراءها، فقد حملت الأنباء اكتشاف الشرطة عمليات منظمة تُشرف عليها الحركة الشعبية لتزييف العملة بجوبا وترويجها وتوزيعها ونشرها بالخرطوم والسودان الشمالي.
قسيس يعمل نائباً لمدير إحدى الشركات الاستثمارية وفي ذات الوقت هو سلطان لإحدى القبائل الجنوبية سلم العملة المزيفة «عشرين ورقة من فئة المائة دولار» داخل كنيسة بالخرطوم يكشف فيها كذلك أوراقًا ومستندات مروّسة للبنك المركزي بجنوب السودان!! هذا ما قُبض عليه في عملية واحدة فقط وما خفي أعظم، فقد ثبت أن الأمر يتم بدعم من الحركة الشعبية فهل نتوقع من الحركة الشعبية التي لم تكفّ عن حربها على الشمال ـ «حرب عسكرية» قبل نيفاشا وحرب سياسية واقتصادية بعد نيفاشا والبقية تأتي ـ هل نتوقع غير ذلك يا من لا تزالون تحسنون الظنون بأعدائكم رغم كل ما اقترفوه ولا يزالون؟!
عندما ذهب د. صابر محمد الحسن إلى جوبا قبل عدة أشهر لتنسيق وإحكام التعاون في الشأن المصرفي مع جنوب السودان كنت أعلم يقيناً أنها مجرد زيارة علاقات عامة يتبادل فيها الطرفان الابتسامات «الصفراء» ذلك أن صرافات جوبا والجنوب لم تكن خاضعة لضوابط بنك السودان المركزي الذي كان يطارد تجار العملة في الشمال ولكنه لا يملك أن يفعل شيئاً في جنوب السودان الخارج على سلطانه كونه يأتمر بأمر حكومة أخرى لا تُضمر غير الشر للاقتصاد السوداني!!
لا أظن القراء قد نسوا ذلك الخبر بل الإعلان المنشور في صحيفة الخرطوم مونتر الجنوبية والذي أعلنت فيه الشركة اليهودية الإسرائيلية «شالوم انتربرايزس» بالعاصمة اليوغندية كمبالا عن افتتاح فرع لها في جوبا وقلت حينها إذا كان اليهود يعملون بالمفتوح في جنوب السودان ويدخلون الجنوب دون المرور بمطار الخرطوم فما الذي يمنع وصولهم الخرطوم التي لا تطلب تأشيرة من القادمين من جوبا وهذا بالطبع إذا استثنينا آلاف الجنود من القوات الأممية التابعة لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان «اليونامس» وماذا بربكم تتوقعون أن يكون عمل هؤلاء وأولئك غير التجسس وشنّ الحرب الاقتصادية تماماً كما كانوا يفعلون في العراق تحت غطاء المفتشين الدوليين للبحث عن أسلحة الدمار الشامل التي اعترفت أمريكا فيما بعد أنها كانت مجرد كذبة كبرى؟!
والله لو كان الأمر بيدي لبدأت قبل انفصال الجنوب بعامين وربما منذ توقيع نيفاشا في فصل عملة الجنوب عن عملة الشمال ذلك أن أكبر المهددات الاقتصادية المؤثرة على سعر الجنيه السوداني تأتي من تلقاء الجنوب الذي يقوم الآن بتخطيط يتجاوز قدراته المحدودة بشنّ الحرب على الشمال بغرض إضعافه وإنهاكه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وفي جميع الجبهات.
لا أظن أن القراء الكرام قد فات عليهم نبأ المخطَّط اليوغندي للحرب على الشمال، وعليّ الطلاق لو لم يُكشف عن ذلك لما شككت لحظة واحدة أن أعدى أعداء السودان الشمالي المدعو موسيفيني يعمل ربما بالليل والنهار للنيل من السودان الشمالي فهلاّ أدّبنا هذا المتغطرس المغرور من خلال دعم جيش الرب وبالمفتوح؟!
عبدالله دينق نيال في طريق عرمان!!
ضحكت عندما قرأت تصريحًا للأخ عبدالله دينق نيال نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي يقول فيه إن «الحديث عن أن الشمالي شمالي والجنوبي جنوبي لا يشبه الأخلاق السودانية»!!
كلام الأخ عبدالله الذي أحترمه كثيراً لا يعدو كونه مجرد «كلام فارغ» لا يستند إلى حقائق تاريخية ولست أدري والله عن أي أخلاق سودانية يتحدث؟! هل عن أخلاق شعب السودان الشمالي أم أخلاق شعب السودان الجنوبي ولا أظن الرجل يعني بأي حال أن هناك منظومة من القِيم المشتركة بين الشعبين اللذين لا يمكن وصفهما بأنهما شعب واحد يحمل ذات المشاعر ويؤمن بذات القِيم الأخلاقية إلا إذا اعتبرنا القطط والفئران يصدران عن قيم أخلاقية وصفات مشتركة!
لا أعني البتة أن أياً من الشعبين يتحلى بقيم أخلاقية أفضل من الآخر وإنما أعني أنهما شعبان مختلفان في كل شيء ولذلك لا يجوز من الناحية العلمية أو المنطقية أن نقول إن أمراً من الأمور لا يشبه أخلاقهما مجتمعَين وليت الرجل اختار أحدهما للتعبير عن فكرته كأن يقول إن الحديث عن أن الشمالي شمالي والجنوبي جنوبي لا يشبه أخلاق شعب السودان الجنوبي وعليه في هذه الحالة أن يثبت صحة كلامه بدلاً من إلقاء الكلام على عواهنه!!
كلام عبدالله دينق العاطفي الذي ما قاله إلا للاستهلاك السياسي بدون أن يفكر في حيثياته يذكِّرني بكلام مشابه أدلى به نائب رئيس البرلمان «حتى يوم 9/1/1102 فقط» أتيم قرنق فقد قال الرجل لا فُضّ فوه إن الانفصال بين الشعبين سيكون سياسياً وليس اجتماعياً وأذكر أني قلت له في حينه مكذباً حديثه إنه لا توجد روابط اجتماعية بين شعبي الشمال والجنوب بل هناك قطيعة اجتماعية كاملة حيث إنك لن تجد جنوبيين يشاركون أبناء الشمال أفراحهم وأتراحهم والعكس صحيح بل إن المعارك التي احتدمت بين الشعبين فيما يشبه الحروب الأهلية مثل تمرد توريت 5591 وأحداث الإثنين الأسود التي اشتعلت في الخرطوم بعد ذلك بخمسين عاماً وتحديداً في أغسطس 5002 كانت عبارة عن تطهير عرقي طال أبناء الشمال على أساس العِرق والعنصر!!
فضلاً عن ذلك فإن كلام عبدالله دينق يخلو تماماً من منطق السياسة التي أخلت الساحة تماماً لمنطق العواطف التي خيّمت على الممارسة السياسية في السودان طوال العقود الماضية منذ استقلال السودان تلك العاطفة التي جعلت مجرد التفكير في الحلول الجذرية لمشكلة الجنوب أمراً مستحيلاً على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان تعذر خلالها منح حق تقرير المصير الأمر الذي عطّل مسيرة السودان السياسية وأدخله في نفق مظلم مليء بالثعابين السامة.
يقول دينق: «لا يشبه الأخلاق السودانية» بالرغم من أن تقرير المصير يقوم على منطق أن الشمالي شمالي والجنوبي جنوبي وإلا فخبروني بربكم لماذا مُنح الجنوبيون دون غيرهم الحق في تقرير مصيرهم وكيف يجوز أن يقرر أبناء الجنوب بموافقة حزب عبدالله دينق نيال الانفصال بعيداً عن أبناء الشمال ثم يقول عبدالله دينق نيال إن الحديث عن أن الشمالي شمالي والجنوبي جنوبي لا يعبِّر عن أخلاق السودانيين؟!
عبدالله دينق قال هذه العبارة في إطار الحديث عن منح الجنسية المزدوجة لأبناء الجنوب وهو كلام لا يُجيزه القانون ولم يحدث في العالم في أية تجربة انفصال سابقة هذا فضلاً عن أنه لا معنى البتة للانفصال إذا كان هناك ازدواجية جنسية أما الحديث عن قبائل التماس فهذه حجة داحضة يحاول عرمان تسويقها ليؤمِّن بها الجنسية المزدوجة حرصاً على مستقبله السياسي ذلك أن رحلة الشتاء والصيف ستتوقف تماماً بمجرد إعلان الانفصال إذ لا يمكن للمسيرية والرزيقات أن يدخلوا أرض الجنوب وإلا واجهوا القتل والسحل خاصة وأنهم لن يُسمح لهم بحمل أسلحتهم.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة