الوداع بين الشمال والجنوب
أ / عزيز كافي
في مطلع عام 1956م ودع الشعب السوداني الإستعمار الإنجليزي وهذا العام نحتفل بلا رائحة ولا طعم لان بلد المليون ميل مربع يشهد الوداع بين الشمال والجنوب.
ومابين الحزن والفرح نجد ان مشهد الفراق سيكون صعب داخل كل سوداني بسبب عدم إستغلال الفترات المفصليه في حكم السودان والتي كانت كفيلة ببقاء السودان واحد وهي الفترات التي شارك فيها الجنوبيين في الحكم مع الحكومات الاتحاديه سواء مشاركة فاعله او بطريقة اخري، مثل حكومة الزعيم الازهري ثم العقيد / النميري واخيرا ثورة الانقاذ الوطني وياريت لو لم يصل السودان الي المرحلة الثالثه والاخيرة في عمر السياسة التي تربط الشمال بالجنوب لانها تعتبر الاسواء تاريخياً بسبب إنفصال الجنوب.
لقد سعى الأزهرى إلى ضمان أصوات النواب الجنوبيين وموافقتهم على خطوته بإستقلال السودان مقابل قبوله للمطالب الجنوبية، وبعد ان تم إعلان الاستقلال في يناير/ كانون الثاني 1956م وتشكيل اول حكومه سودانيه تناسي الازهري وعده للجنوبيين، خاصة فيما يخص الوظائف، وقد أدى ذلك إلى استياء واسع وسط الجنوبيين و إلى اندلاع العنف وبداية التمرد في الجنوب و تفاقم التمرد في الجنوب وقد كانت هذه هي بدايه مشاكل الظلم وعدم الثقه بين الشمال والجنوب لان الازهرى استخدم اسلوب الخداع وعدم تنفيذ المطالب المتفق عليها.
وعندما جاءت ثورة مايو اصدر النميري في التاسع من يونيو/ حزيران 1969م، إعلانه الشهير الذي اعترف فيه بالاختلافات التاريخية والثقافية بين الشمال والجنوب، وأكد أن الوحدة بين شطري البلاد لا يمكن أن تتحقق إلا بالاعتراف بتلك الاختلافات، وفي ذات الإعلان وعد النميري بمنح الجنوب حكما إقليميا ذاتيا لإعادة الثقة بين الشمال والجنوب، في نهاية عام 1971م تم توقيع إتفاقية أديس أبابا الذي أقر الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي كإقليم واحد مكون من ثلاث ولايات، وبموجب هذا الإتفاق عم الاستقرار كل الوطن لأول مرة لكن النميري كان له راي اخر عندما عرف ان هناك اصوات جنوبيه تري أن هذا الاتفاق لن يدوم طويلا طالما أنه لم يقد إلى تغيير جذري في هيكل السياسة السودانية وفي قضايا رئيسية، منها فصل الدين عن السياسة ومسألة القوميات وإدارة شؤون الأمن والحكم في الجنوب والمشاركة الشعبية، ضاق النميري من تلك الاعتراضات وأصوات الجنوبيين التي تنادي بحقوقهم وقام بتفكيك اتفاقية أديس أبابا وقرر تقسيم الجنوب الي ثلاثة ولايات ، واعلان ما أسماها الشريعة الإسلامية في عام 1983 التي عرفت بقوانين سبتمبر الذي طبق بموجبها الحدود الإسلامية تطبيقا اتسم بالعنف والتعسف أدى لقطع الأيادي ومعظم الذين تعرضوا لذلك المصير كانوا من الجنوب بتهمة السرقة في ظروف اقتصادية سيئة، وكان ذلك مأتم اتفاقية أديس أبابا.
في عهد ثورة الانقاذ الوطني طرأت ثلاثة مستجدات في تاريخ مشكلة الجنوب،لأول مرة تتحول الحرب من كونها حرب إقليمية ذات أبعاد عنصرية إلى حرب دينية و أصبح بموجبها الدين عاملا رئيسيا وسببا معتبرا للحرب واستمرارها، تم تدويل القضية على المستوى الإقليمي، بعد قراءه الموقف بعدم جدوي استمرار وإيقاف الحرب للحفاظ علي ماتبقي من ارواح الابرياء السودانيين، اقتنع قادة الانقاذ الوطني و بضغوط امريكيه بالجلوس والتفاوض مع الحركة الشعبية وبموجبه تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل في عام 2005م، ومنذ توقيع الاتفاقية شهد منذ ولادته، في الأيام الأولى ظهور الخلافات حول أموال البترول ثم التعديلات الوزارية ثم الحدود وحول التعداد وحول الجنائية والقانون الجنائي وقانون الأمن الوطني وقانون الصحافة و الانتخابات وقانون تقرير المصير، خلافاً في كل مكان في الجنوب في الشمال في جبال النوبة وً في ابيي، في القصر الجمهوري، وفي البرلمان، وفي رئاسة مجلس الوزراء، وراحت فترة الـ 6 سنوات من عمر الفترة الانتقالية في شد وجذب و لم نري اي وحدة جاذبه بل ارتفع صوت الانفصاليين لان المؤتمر الوطني كان كل همه هو الجلوس علي كرسي السطلة باي صوره وان شاء الله الجنوب يذهب ويتمزق السودان.
المراحل الثلاثه من تاريخ السودان تؤكد ان سياسات الحكومات التي شاركت فيها القيادات الجنوبيه جنباً الي جنب في السطله قد ادت الي فشل و عدم فهم الأسباب الحقيقية لمشكلة الجنوب، اي نظام كان يواصل نفس سياسات النظام الذي سبقه في التعامل مع الجنوبيين باسلوب الأسلمة والتعريب القسري والتقليل من شان كفاءتهم ومعاملة الجنوب بطريقة الوضع الخاص، ولم يسمع صوتهم المنادي بالوحدة علي اسس جديدة، كل هذه القضايا أدت إلى توتر سياسي واحتقان في الجنوب وجعلت الجنوبيين لا يثقون في حكومات الخرطوم، و اصبح يتحدثون عن أن مركز السطله لا يتعامل بشفافية مع قضايا الجنوب منذ استقلال السودان، ولذلك راي البعض أنه لابد من وضع نهاية لهذه السياسات عن طريق إنفصال الجنوب من قبضة الشماليين وإعلان الدولة الوليده في جنوب السودان، وسيكون يوم التاسع من يناير /2011م يوما مقدساً لشعب جنوب السودان لان كل شخص سوف يذهب الي الصندوق ليعبر عن ما بداخله من مرارات الـ 55 عاماً او اكثر بصدق ونزاهه دون وصيه من احد والتصويت للإنفصال وإعلان دولة جنوب السودان الكبيره في المعني وليس الصغيره في الكلمه كما إعترف بها الرئيس البشير في ودمدني، وكل الشعب السوداني لا يصدق انه قد اتي يوماً يشهدون فيه وداع الشقيق لشقيقه كما ودعنا الانجليز من قبل، وكل ذلك بسبب سياسات مركز السلطة تجاه الجنوب والمؤتمر الوطني الفاشله الطارده
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة