المردود الايجابي في انفصال الجنوب (3)
بقلم : عمر عبدالباري*
إعلامي مقيم بالسعودية
شاهدت و قراءت في الايام الماضية ، الكثير من المساجلات السياسية عن مسألة الاستفتاء في جنوب السودان و كذلك استمتعت بممشاهدة الانسان السوداني إن كان جنوبياً او شمالياً وهو يمارس عملياً ارقي مفاهيم احترام الحقوق لكليهما فلم يعترض شمالياً واحداً اية جنوبي في الشمال وهو يمارس حقه في الاقتراع على التصويت للوحدة او الانفصال ولم يثبت لدى المراقبين المحليين او الدوليين ان شخصاً واحداً مسئولاً كان او مواطناً شمالياً كان او جنوبياً قام باجبار احدٍ على تبني خيار الوحدة او الانفصال وهذا في حد ذاته اكبر مردود ايجابي لهذه المباراة الديموقراطية (فهو ليس مجرد تمرين ديموقراطي ) فقط بل هو عمل يولد الثقة التي غابت عن العلاقة السياسية بين الشمال و الجنوب منذ مؤتمر جوبا و حتي اليوم ، شاهدت الاخوة الجنوبيين الذين اصفطوا باكراً في انتظار لحظة يقول كل واحد منهم أنه كان ينتظرها منذ عهدٍ بعيد، ليمارس حقه و يحسم وجهته في الانتماء ،عندها فرحت لفرحهم إذا كان الانفصال يمنح هؤلاء الإخوة كل هذا الفرح، وكل هذه السعادة، فأي حق لنا في أن نصادرعليهم هذه المشاعر الفياضة، وهذا الإحساس بتحقيق الذات؟ على الأقل، كان هناك سودانيون سعداء في هذا اليوم التاريخي ، من الذي يمنحنا حقاً في ان نصادر هذه الرغبة، انه مردود ايجابي يصب في مكتسبات هذا البلد تاريخياً و حضارياً بأنه في يوم من الايام قرر ساسته شماليه و جنوبيه وتواضعوا سلماً على نظام انساني و عقد مدني سلمي يكفل للمواطن ان يختار بحرية و يقرر في مصير هذا الاقليم بكل شفافية ومردود ايجابي ان كل انسان جنوبي مسجل استخدم حقاً ايجابياً لممارسة انسانيته و التمتع بحريته.
النتيجة الراجحة التي نراها الان هي من صنع اخوتنا في الجنوب انفسهم ،والايجابي فيها هو انها كانت و ستظل نتاج اختيارهم، وسوف لن يكن في مقدورهم ان يلوموا عليها احد اذا نشأت دولة جنوبية متعثرة و معتلة ، واسال الله ان تنشاء دولتهم على نجاح باهر وعلى هدى الحرية و الانفتاح على الاخر ، دولة يبقر منها الكثير، تعمل لخير الانسان في الجنوب و تعزز الاستقرار و التنمية له ، و تفسح التعليم و الخدمات و الصحة لهذا الانسان الذي تعب كثيراً من اخطاء الانظمة المتعاقبة على السودان و من ضعف و هوان بعضها، كذلك تعب الجنوبيون من الفساد الذي مارسه بائعي حصص الجنوب التموينية و سارقي رواتب الموظفين عند التحويل و الاستلام مستغلين الخلل الفني و الاداري الذي اوجده بعد المسافة و سوء الادارة لتباعد الشقة الادارية و التقنية بين الاقليم و المركزفعطلت هذه الامور اوصال الحكومة المركزية في فترة الحكم العسكري والديموقراطي عن الرقابة و الادارة اللصيقة للاقليم ، وإن كانت فترات الحكم الديموقراطي مسالة اسمية، واني ازعم انه لم يمر على السودان حكماً ديموقراطياً ابداً، وإلا لسمح للشعب السوداني جنوبيين و شماليين ان يحلوا هذه المسألة المتعلقة بحكم الجنوب اختياراً و لكان حسم السودانيون تبعيته ادارياً و سياسياً في ان ينشاء له كيان خاص به او يكون جزءاً من كل السودان طوعاً و اختياراً، فترة الحكم الحزبي كان اولى بها ان تسمح للجنوبيين بممارسة فضيلة حق الاختيار هذه ولكنها حكمت على الجنوب بالانتماء للمركز قسراً و عينت نواباً بالبرلمان لكثير من الدوائر الجنوبية التي لم تجري فيها انتخابات وقتها لسوء الاحوال الامنية فيها ولخلو بعض الدوائر الجغرافية إلا من وجودٍ عسكريٍ، آو ليس مردوداً ايجابياً الان ان يمارسوا حقاً لم يكونوا بالغيه في السابق حتي في العهد الذي سمي ديموقراطي وكيف يكون عهد الحزبية ديموقراطي و الاحزاب التي شاركت فيه لا تمارس فضيلة التغيير و التداول الديموقراطي في داخلها ، احزاب سيطر عليها كهول و اشياخ، جثموا على صدورها منذ الستينات بعد ما ورثوها عن ابائهم الذين سرقوا نضال الرعيل الاول من صناع التحرر و الاستقلال ؟؟؟
شيئاً ايجابياً اخر، وهو النظرة الخارجية لهذا السودان كله الممتد من جنوب اسوان الي نمولي و الفكرة التي ممكن ان تنشاء وتترسخ عن التغير المدني و الحضري الذي صار يتعامل به انسان هذا الاقليم (سياسياً كان او مواطناً عادياً ) في حلحلة خلافاته ، وترتيب اوضاعه الادارية و السياسية و الاجتماعية ، حتماً سيثني الكثير من المراقبين و المهتمين و مؤسسات المجتمع الدولي على هذه التجربة الانسانية التي لم تمارس في افريقيا و العالم الثالث بشقيه الافريقي والاسيوي في الفترة الاخيرة بهذه السماحة و الحرية، بهذا يكون هناك مردود ايجابي حتي لو انفصل الجنوب، لأن التغيير الجماهيري الذي يأتي من إرادة الناس و بحريتهم اكثر اقناعاً و اطول استدامة ، و اقصر سبيل لإقناع المخالفين لاي فكرة كانت بانها إرادة الجماعة و الغالبية التي يجب ان يزعن اليها و يرضي بها كل ذي بصيرة، وترضخ لها اية مؤسسة مهما علا شانها او قل قدرها ، وبالتالي سنضمن لهذا الاقليم علاقات عالمية و دولية طبيعية و رعاية دولية مقبولة لمصالحه و تقاطعاته مع المجتمع الدولي وكذلك للقطر الوليد شهادة لا تقدح في شرعيته.
اذا انفصل الجنوب وهذا هو الراجح وهو ما اتمناه، ستنشاء في الجنوب حكومة مركزية ملزمة بالقيام بكل اعباء الحكومات المسئولة عن ارضها و شعبها و مسئولة بصفة مباشرة و تامة بتوفير الخدمات التعليمية و العلاجية و الاجتماعية و خدمات الكهرباء و المياه و السكن و المعاش و ما الي ذلك لمواطنيها ، و المواطن في الدولة يعلم من سيسأل عن حقوقه و اين سيطلب خدماته الضرورية و بالتالي سيقصر الظل الاداري و تتحدد المسئوليات وسوف لن يكن متاحاً لاحد ان يتعلل بشماعة مركزية الدولة و سوء التواصل الاداري و الفني بين الجهات المسئولة عن الخدمات و بعد المسافة و بعد المسئول عن واقع الحال في الاقليم، وبالتأكيد هذا اثر ايجابي للانفصال يسهل على الناس حياتهم و يحصر المسئولية و يقرب البعيد ويسهّـل اتخاذ القرار و يقلّـل فترته الزمنية ويقفل باب التهميش و الظلم الذي في غالبه لم يكن عن قصد و انما عن ضيق ذات اليد و بعد المسافة ( آو ليس البعيد من العين بعيد من القلب ؟؟ )
اذا انفصل الجنوب و نشأت له حدود معلومة؟، بالضرورة سيكون للكيان الام حدوده البينة، وبالتالي ستنشاء دولتين مدركتين لحدودهما مع بعضهما ومع كل الجوارالاخر وبالتالي من السهل عليهما ومن واجبهما السيطرة على مداخل و مخارج هذه المنطقة كلها ، خصوصاً في ظل موجة التطرف و الجريمة المنظمة، العابرة للدول و القارات التي تجتاح العالم في هذه الحقبة، قيام دولة جنوبية سيغلق حدود في الجوار الجنوبي كانت مرنة و مطاطة ومفتوحة على ثلاث او اربعة دول، لم يكن معروفاً ولا سهلاً على احد معرفة من يتحرك فيها ويخرج و يدخل بها، فمن بعد التحكم فيها و مراقبتها، ينشاء حق الدولة الجنوبية في ان تقيم عليها نقاط تحكم امني و محطات جمركية تحقق منها دخلاً مشروعاً لها، ولا يخفي على احد الاثر الايجابي لهذه المسالة من ناحية اقتصادية و امنية و حتي من ناحية صحية للدولتين.
ثم تخيل روعة المشهد فيما لو انتج الانفصال دولة جنوبية ناجحة، وهذا ما نتمناه، حتي تمتص كل الاحتقان النفسي الناتج عن الفقر و الحروب و الظروف المعيشية السيئة لانسان الجنوب ولعل الاثر الايجابي للدولة الناجحة اذا ما نشأت سيمتد حتى للشمال بسبب الجوار و التبادل التجاري و الاقتصادي المامول و المتوقع قيامه بين اية جيران ، من يدري لعل الدولة الجديدة تستوعب الايدى و العمالة و اصحاب الخبرة الذين تحتاجهم الدولة الناشئة بطبيعة الحال، وحتماً هذا اثرايجابي متوقع لا يتحسب له الكثير من الناس تشاؤماً من حال الامور على الواقع، إلا ان الامل يظل دوماً هو سبب الحياة و لاجله نذهب صباحاً لاداء اعمال ما حلت مشاكلنا ولا اغنتنا عن الشقاء و الاجتهاد في مهنٍ ما كفتنا غلواء الرهق ومشقة العمل ليل نهار .
* سنكتب في الحلقة القادمة عن تقاسم الديون قبل تقاسم الحقوق و عوائد النفط و عن حقوق المواطنة قبل حق ازدواج الجنسية و حق الجوار الآمن قبل التبادل التجاري
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة