ملحمة الكجور
في
الغرابيب
إنسان يرحل بين التاريخ ولن ينهي الزمن الترحال
يسوء بي الحال في شغفي والمدى يقطع الأوصال
أيها الزمن كم نسخت من صلب الأصل أجيال؟
في وطني جنوبي وغربي شرقي وجوفي وشمال
لكم مدت سيوف الغدر صدية تقطع الأحبال
وراحلتي تسير متعبة في حمل همي وأثقال
تميل حيرة بالود والحب ذات اليمين والشمال
وآمالي التي باتت في الرحم موجعة تزيد الأمي
أحلامي والزمن تجاعيد وجهي وعظم أوهامي
شعلة تحملها سواعد حلما يزكي في الثرى إلهامي
تأملات في حلم صفيت لها روحي تناجي سلامي
توقد فؤادي بالثريا حبا وسلب من عيني رقادي
ما اصفاك جوهراً وما أعلاك رفعة في حياتي
وطني من أجلك اشعر ولساني تقيل الأعجامي
مهلاً يا غاصب الكرم لا تسلب العزة من أبنائي
كفاكم كلح وكفاكم ظلم صونا لزهر نامي
يعبق شذى عطره وديان غرابيبنا في سلام
سفوح جبالنا حياتنا نحميها بدمنا الحامي
وتبقى موسيقى الحب وتحناني ملء أشجاني
نسائم وخرير الجداول وشدو العصافير الحاني
وطني لقد عرفني به التاريخ صدقا لونه السوداني
إن رقص الغراب وغنت له البلابل صدق أنغامي
أيحسدونني على نقاء فطرتي وبساطة أحلامي؟
الذي يدعي العلوا عني قد أكرمته وجحد إكرامي
أما يدري غدر الزمان ويبدل التأريخ مكانه مكاني
أين عينه فهل تدمع من الأسى ويندم ما جناه الجاني
هذا الذي يحدثني عربياً ولسانه غليظ الأعجامي
لسانه ينطلق القاف غينا فأن لسانه من القاف لساني
عائدون وتبدأ دائرة التاريخ غضبة تطحن أعدائي
أرض كوش العظمى أرض اجدادي عيد ميلادي
رويداً رويداً يا سماء قلبي التاريخ في زخر أمجادي
رهطاً قد غزا ويحسبونني خائفاً وهم أول الجاني
هم إنسان عدو الإنسان كيف يلقى نفسه مكاني
يملأ الدنيا بظلمه سواداً يعزز الكرب وأحزاني
تعمد الردى ونصب الجور في كل اركاني
نعتني في جوفه سراً بذاءات ينكر بها وجداني
يزور التاريخ خلسة باسمه يمحق بالباطل أشيائي
يقطع من الأرض أشجارها وأزهارها وعنواني
يعتصر التلبدي شرباً والمريسة مشروب أعرابي
ولو كان الكجور معربا لكان معجزات الأعالي
أين فيافينا الخضرة وأين ميراث أجدادي وأجيالي
كيف هرعت النياق من اشبيلية ترسو في جبالي؟
أنت يا جبالي في وسط وطني ستبقى رمز غالي
غربال نساء تلد الطفل بطلا ورجال تلهو كالعيال
الخوف لا يغني من القدر شيئاً في أي حال
والمرء يبكي من خلده غيرة ويفيض استفحال
ومازلت أصرخ في وأدي غير ذي أمن ومال
شيم أهله ميراث الكرم والجود وأطيب الخصال
أن غدر بهم الزمان وأحل غاصب لنفسه القتال
وجهد يسعى في خرابها جند إبليس مسلط هوال
يدفع الأجنة في بطون أمهاتهم لثورة وسؤال
ماذا جنى أبي المقتول وأمي وأخي الرحال؟
ماذا فعلن أمهاتنا حتى صرن طعم المحتال؟
كيف تجرأ غاصبا على أمه يقطع الأوصال؟
غرابيبنا ستبقى لأهلها خالصة في كل حال
والوديان من حولها بزهرها طيب الأنفال
زخراً بالمودة والتألف والمحبة وطيب الوصال
لن يثنينا عنها كيد غاصب مقيم أو جوال
لن نوليهم الأدبار وإنا أبناء من قهر الاحتلال
من يمت في جحر ليس كمن يمت فوق التلال
جائر مسحور بوهمه يظن به قوة تهد الجبال
عطفنا بهم هوناً وظنوا بنا الضعف والخزال
أردنا في الدنيا خير وسلام من فجرً وأصال
وقمنا خفافيش الليل يريدونها خراب واشتعال
نهون على أنفسنا طمعاً فيهم الحسن محال
خاب رجاء الساعي المفتري وضل مجال
للجهاد أوجه وأصال وجهدكم مردود وخال
أن فيهم ريبة غصة وبدعة نسق أوهام دجال
شوب الجاني العدل وهناً ونسج زور الأقوال
تبقى غرابيبنا صمدة أرساها الله قوة الاحتمال
هي الوطن هي عمدة التاريخ وطيب الأمثال
أم إفريقية في بطن الأديم الخصب الوحال
جاءت بخيرها في كل حين تطعم الأجيال
طمع الغاصبين بها ملكاً في غير اعتدال
أنكروا على بنيه الحياة فيها وفرضوا النزال
إن أرادو بقيت الدنيا بنا وإلا جميعنا زوال
يردنا صدى يقطعه دوي خطوات الأبطال
في أحراش الجنوب والشرق إلى وسط الجبال
وحميماً يصهر الحديد وصموداً يكسر النبال
فوهات البنادق ورائحة البارود ندوة الاستبسال
أصوات الحكامات في أناشيد الحماسة والنضال
وأنشودة الحزن في ليل عزاء لفقد أحب الأبطال
ودموع تعسرت على خدود جدة عصف بها الحال
ويسألوننا غرابيبنا وهل يخيف الموت أبناء الجبال؟
رجل وأمراءة حدث التاريخ عنهم في غير مجال
اخلادهم صلبة وعقول لا تخشى الموت والقتال
وصيفات مندي مشهد النضال لنساء الجبال
وصيفات مندي حمائم السلام أمهات الأبطال
لن يهنأ غاصب تأمر ما قصر به الزمن اوطال
تردد عنا أنا كنا كالرمال نفصل الماء والصلصال
لنا في الصيد ضراوة والشجاعة صدق وأفعال
الجبن لا يغني من الموت شيئا إذا صدق الحال
والمرء لا يحيا بالشجاعة كيفها دون استبسال
والموت لا يفني بطلاً مزقته سيوف جبن ومحتال
ويوسف الذي فدى بروحه عزة وكرامة الأجيال
وثق كوه صحيفة النضال هدفا للحرية والإعدال
الموت يأخذ اعزة ولا يفني ذكر عظيم الابطال
ما دامت الشمس تشرق والأرض تثبتها الجبال
شلالات الماء التي صبغتها الدماء من ينابيع الجبال
تزكي الأرض وينبت جيلا يحمل راية الأبطال
نحن زراع الأرض وملاكها وكيف من غيرنا تنال؟
اسمك يا جبالنا نحن وفيك توالت منا جموع الأجيال
تغنن حكامات القرى بما فعل السفهاء في المعال
حكين عن غدر الصديق والأخ الجحود الخزال
قتل الأبرياء والكهول والنساء الحبلى وخطف الأطفال
ذاك المعرب الذي زارنا أكرمناه وهديناه الأفضال
ولكن شيمته الغدر أينما يكن إلا حبيث ماكر هوال
يتخذ زوجة وعند أهله ينعتها عبدة وهي حرة دون جدال
قيل والتاريخ يحكي أن العرب قد باع منا نفر وارتال
يتفاخرون في قراطيسهم بأن لهم العزة ولشعبنا الإزلال
شيدوا لأنفسهم قصور العزة كبراً وتناسوا أن لله الإجلال
دعوا الأعراق أن تنسب لهم ومنذ الذي يخلق كل حال؟
ليس بأبيض خالق نفسه ولا بأسود يبدل خلقه من حال
أما صفيت لهم الدنيا وأنعم الله عليهم في كل مجال؟
وما بالهم احتالوا علي دينهم وكبلوا الصدق بالأغلال؟
صموا وعموا وظنوا أنهم أصحاب حق واصدق أفعال
جاءوا بهتك أعراض المسالمين في جور وظلم وإخلال
وعرضوا العباءة بيضاء يبطنها دنس وسواد الليال
قالوا وهم النفاق عينه وقيل فيهم اشد كفر وضلال
سحرنا لسانهم وسرقوا منا الأرض والنفوذ والمال
غرابيبنا أعز مكان موطن الكرم مولد المك رحال
أرض الملوك والسلاطين والفروسية والسجال
ميدان الكرنق والكمبلا والمصارعة ودواس الرجال
مشهد السلطان عجبنا رمز الوطنية مدا من الجبال
ذاع صيته من حجره وعرفه التاريخ من الأبطال
نحن والتاريخ صحبة وحسادنا أبناء العم والأخوال
أ ما يروا سواد بشرتي رمز الصبر وقوة الاحتمال؟
الضوء يعكس من الأصول ظلالها والظل في زوال
أفخر أني سودانيً لا جدال إلا من غاصب محتال
ويذكر التاريخ أمجادي الفكي علي قاهر الاحتلال
ضرب الميراوي مثلا بحنكته كيف تزود الأبطال
أبو جقرة والقردينا والبارود سلاح أرهب به المحتال
ثار الكجور وذابت طلقات المدافع على سفوح الجبال
وتثور أحفادنا ضد الظلم في عفة وقوة الرجال
ارتوت الأرض دماً زكياً ويتتابع الزود ومايزال
علي عبد اللطيف شمس الحرية ورمز الاستقلال
بطلا تجاهلته أقلام الرواة وبقي الحق ساطع عال
يا ليما مولده أرض الخير مولد العزة والرجال
كما الكجور وأدواته الكوكاب والكأس والماء والمثقال
الكجور ليس مقدساً ولا شيخ طريقة زائر قباب محتال
الكجور يدعو الله ليس له قوة إلا به رب الكون المتعال
هذا خلقك مرض فأشفيه ودونك لا يصلح للبشر حال
إن كان قد عصاك وأنت أعلم فأعفو يا مالك الآجال
رمحي وكأسي به الماء والمثقال بارك لي المقال
أويني عندك وأصدقني النية الخيروأفسح لي المجال
وأي طائر يغرد على غصنه فرحا يحكي عن حال
أي وادي تنبت فيه الأزهار ندية يعني تواصل الأجيال
أي بركان خامد في جوفها سيفجره غضب الأجيال
تلك هي غرابيبنا مهد العزة ومجد التاريخ والنضال
وطقوسي وأسباري هي سلامة فطرتي وصدق الحال
نقيق الضفادع ثورة السحب رائحة المطر راحة البال
موسم الدرد مطلع الخريف ربيع الشباب همة الرجال
مرح الرئم وروعة الزهر الندي وصفاء الدنيا جمال
ماذا يقولون عنا في نواميسهم ولم نأخذ منهم مثقال
اليوم يخاطبنا التاريخ بمولد سودان جديد وإعدال
سيخرج الكجور مثقاله ويرجم جند أبليس والدجال
أيفتنون الناس من جهل دعواهم مصاب بالضلال
سيخرج من الأمة ومنا دعاة خيرأكثرالناس إعتدال
كلنالأدم وتراب أكرم الناس أعدلهم فدع عنك التعال
نعش في الأرض إنسان نعمرها طيب القول وافعال
لكل إنسان وطن يحبه ويزود عنه بالروح والمال
وأناس يتوقد الفؤاد لعشقهم في حب يثاقل الجبال
دخل كل إنسان ترى إنسان قد يحميه من شر أفعال
وظاهر الإنسان شيطانا تهده نوامس القداسة إشعال
انتهى
وللحديث بقية
م/ محمود جودات علي
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة