ويكيليكس السودانية ... والطعن في الفيل الانقاذي ؟
ثروت قاسم
[email protected]
مقدمة !
في اي لعبة كوتشينة , يمسك اللاعب باوراقه علي صدره , بحرص , خوفأ من أن يبصبص غريمه علي اوراقه وينتزع معلومة , تحسم اللعبة ! اي لاعب مستعد ان يدفع دم قلبه للحصول علي معلومة عن اوراق غريمه , تفيده في لعب اوراقه , بما يضمن فوزه !
المعلومة وكيفية التعاطي معها مفتاح الفوز في اي لعبة كوتشينة !
وكذلك , وربما أكثر , في لعبة الامم !
وعليه تصرف الولايات المتحدة الامريكية , كل سنة , أكثر من 60 مليار دولار , للحصول علي المعلومة , وحصريأ للحصول علي المعلومة ! من خلال 16 جهاز استخبارات , توظف , مجتمعة , اكثر من 850 الف عنصر دائم , بخلاف المتعاونين والعملاء ! وفي جميع بقاع العالم ... بما في ذلك محلية قريضة في دار مساليت !
المعلومة الصحيحة وكيفية التعاطي معها ... هذا هو اسم اللعبة !
المعلومة الملغومة !
دعنا نستعرض ادناه اربعة امثلة , يوضح كل مثال منها اهمية المعلومة والاهم ... كيفية التعامل معها , في قلب نظام الحكم القائم في كل حالة من الحالات الاربعة المذكورة ادناه :
اولا:
عبدالناصر يريد , بشتي الطرق , أن يبني أهرامه ( السد العالي ) , الذي سوف يغمر أراضي شاسعة في بلاد السودان ! وعليه موافقة حكومة السودان ضرورية لبناء الاهرام ! ولكن حكومة عبدالله بيه خليل متعنتة في الوصول الي أتفاقية كسبية لمصر بخصوص مياه النيل , تضمن لعبدالناصر بناء اهرامه ! لا مفر أذن من تغيير حكومة البيه الديمقراطية , بحكومة عسكرية , يمكنها اتخاذ قرارات مصيرية وفوقية , تضمن بقائها في السلطة , أكثر من ضمان مصلحة بلاد السودان , واهل بلاد السودان !
وقتها ( 1958 ) كانت هناك نوع من الجفوة بين عبدالناصر والازهري وحزبه الوطني الاتحادي , لتحول الاخير عن شعارات الوحدة مع مصر , التي كسب بها انتخابات عام 1953 ! عليه فقد اتجه عبدالناصر لدعم الختمية , وحزبهم الشعب الديمقراطي , الذي كان حليف حزب الامة في حكومة البيه ( عام 1958 ) , وعلي حساب الازهري وحزبه الوطني الاتحادي !
ولذلك عمل عبدالناصر علي زرع معلومة مسمومة في اذان البيه بان اولاد بمبة بصدد عقد تحالف جديد بين الازهري والميرغني , لتكوين حكومة جديدة , منصاعة لمصر , وضد مصالح السودان , وعلي حساب حكومة البيه ! نقل الواشي الغواصة ان عبدالناصر بصدد توحيد حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي في حزب واحد الاتحادي الديمقراطي , وعلي حساب حزب الامة , وضد مصلحة السودان !
واستطرد الواشي الغواصة ناصحأ البيه بتسليم الحكومة للجيش السوداني الوطني لفترة انتقالية محدودة , لتفويت الفرصة علي اولاد بمبة !
بلع البيه الطعم ... وكان ما كان !
السبب ؟ معلومة مغلوطة من غواصة ... والاهم كيفية تعامل البيه معها ؟
ثانيأ :
في مطلع مايو 1969 , طلب السيد محمد احمد المحجوب , رئيس الوزراء , تقريرأ من الاستخبارات العسكرية , بخصوص أشاعات قوية بقرب حدوث أنقلاب عسكري !
في غياب رئيس الاستخبارات العسكرية في مامورية خارج السودان , أعد الرائد مامون عوض ابوزيد , تقريرأ سريأ للسيد رئيس الوزراء , ينفي فيه هذه الشائعات نفيأ قاطعأ , ويؤكد , بما لايدع مجالا لاي شك , بان الامور تمام التمام في الجيش السوداني !
قرأ المحجوب تقرير الرائد مامون , وبه المعلومة المغلوطة , واستمر في قرض الشعر , والنوم علي العسل !
بلع المحجوب الطعم ... وكان ما كان !
السبب ؟ معلومة مغلوطة من الرائد مامون ... والاهم كيفية تعامل المحجوب معها ؟
ثالثأ :
انتهي الشيخ المتوضئ الترابي من صلاة الفجر يوم الجمعة 30 يونيو 1989 , واطلق معلومة مسمومة ( كذبة بلغاء ) تم اقتياده بموجبها الي السجن حبيسأ , والبشير الي القصر رئيسأ !
صدقت البؤر الاستخباراتية المصرية المزروعة في السودان ( معلومة ) الشيخ الملغومة ! وتعاملت معها ايجابيا ولمصلحة الانقلاب الانقاذي !
تلفن الرئيس مبارك الي مشارق الارض ومغاربها , داعمأ ( لثورة ؟ ) الانقاذ الوليدة ومؤكدأ :
( دول بتوعنا ؟ ) !
ونكاية وشماتة في السيد الصادق المهدي , رئيس الوزراء وقتها , الذي يبغضه الرئيس مبارك , لانه يذكره بالابادات الجماعية التي ارتكبها ( اللواء طيار مبارك ) في جموع الانصار المدنية المسالمة في الجزيرة ابا , بطائرات الاليوشن السوفيتية الحربية !
وكذلك نكاية وشماتة في ديمقراطية وستمنستر العاملة في حدود مصر الجنوبية , والتي يبغضها الرئيس مبارك !
هرع سفير مصر في صنعاء الي السفير السوداني سيد احمد الحردلو , وهو يفرك في اياديه , فرحأ جزلأ :
( دول اولادنا ؟ ) !
تطمينات الرئيس مبارك ودعمه القوي , قتلا في المهد أي محاولات لاجهاض محاولة الانقاذ الانقلابية ! وضمنا لها البقاء في ايامها الاولي العصيبة ! حتي استتب لها الامر فيما بعد ! وسقطت أقنعتها !
حتي الولايات المتحدة اكتفت باصدار بيان ضبلان ادانت فيه قلب السلطة الديمقراطية ! وبس ؟
بفضل تطمينات وتاكيدات الرئيس مبارك , لكل من القي السمع وهو شهيد , لم يبك أحد علي الديمقراطية المؤودة !
بلع الرئيس مبارك ومعه المجتمع الدولي الطعم ... وكان ما كان !
السبب ؟ معلومة مغلوطة من الشيخ الترابي المتوضئ , والاهم كيف تعامل الرئيس مبارك معها ؟
رابعا :
اطلقت ادارة بوش وحكومة بلير ( معلومة ) مغلوطة تؤكد امتلاك عراق صدام لأسلحة الدمار الشامل , وأمكانية استعمال صدام لهذه الاسلحة في ظرف 45 دقيقة , وأن جيش صدام ثالث جيش , من حيث القوة والتسليح , في العالم ! هدف ادارة بوش وحكومة بلير كان قنطرة عراق صدام , وايجاد المبررات ( التي يقبلها المجتمع الدولي ) لتدميره ... حصريأ لمصلحة اسرائيل !
لم ينف صدام هذه المعلومة , بل حاول استثمارها لتخويف خصومه في داخل العراق , وخارجه , وبالاخص لتخويف أيران !
التعامل العشوائي قصير النظر لصدام ( الهر الذي يحاكي صولة الاسد ! ) مع هذه المعلومة قذف بصدام وعراقه الي التوج !
بلع الرئيس صدام الطعم ... وكان ما كان !
السبب ؟ معلومة مغلوطة من الغرب , والاهم كيفية تعامل صدام معها ؟
سر عظمة ويكيليكس !
كل مثال من الامثلة المذكورة اعلاه يؤكد اهمية المعلومة , والاهم كيفية التعامل معها !
وهذا ما اكدته بامتياز ويكيليكس !
رغم أن معظم تسريبات ويكيليكس لم تات باي جديد ... سوي تأكيد انطباعات كانت راسخة ومعروفة للكل !
كشفت ويكيليكس المعلومة !
وهذا سر عظمة ويكيليكس !
كشفت ويكيليكس المستور والمغتغت ! ووضعت الاوراق علي الطاولة , بحيث أصبح اللاعبون يلعبون علي المكشوف , وأن كان كل لاعب يلعب لصالح ورقه !
الان ... أصبح هناك زمن ما قبل ويكيليكس وزمن ما بعد ويكيليكس !
زمن ما بعد ويكيليكس يحتم علي المسئولين التصرف بقدر عال من الشفافية والمصداقية والوضوح , وعدم التحدث بصوتين ... صوت داخل الغرف , وصوت ثاني مدابر ومعاكس خارج الغرف !
ولكن يمكن افتراض حدوث هكذا تصرفات سوية من المسئولين , من رابع المستحيلات في عالم ساس يسوس , الذي يحكمه قانون هوبز الشهير ... ( لا أخلاق في عالم السياسة ) !
زمن ما بعد ويكيليكس سوف يضرب اجهزة المخابرات وعملائها في مقتل ! أذ سوف يسحب منها سبب بقائها وجدوي استمراريتها !
ويكيليكس سوف تنزع السرية من المخططات الشيطانية لدول الاستكبار وتفضحها ! وتعري الازدواجية في التعاملات السياسية بين الدول !
لكن سوف تقلب اجهزة الاستخبارات الف هوبة لتدمير ويكيليكس ومؤسسها !
وقد بدات العجلة في الدوران , في اتجاهين متدابرين , سوف نتناولهما في حلقة قادمة !
دعنا نستعرض ادناه ويكيليكس السودانية وتداعياتها ومالاتها !
ويكيليكس السودانية ؟
ويكيليكس السودانية أنزلت ( يوم الاربعاء 8 ديسمبر 2010 ) في موقع اليوتيوب الالكتروني بالشبكة العنكبوتية تصوير فيديو لعملية تنفيذ حكم بالجلد لشابة سودانية من مدينة الثورة في امدرمان , في ساحة أحدى مراكز الشرطة في الكبجاب في امدرمان ! بعد ادانتها بجريمة الأفعال الفاضحة ( لبس بنطلون ؟ ) ! وتم الجلد في فبراير 2010 , في ساحة المحكمة , بحضور قاض ( بكرافته ؟ ) من قضاة النظام العام كان يهدد المجلودة بالجلوس القرفصاء , وبأدب , لتنال عقابها القانوني والشرعي الاسلاموي ( ليخلصوا ويفضوها سيرة ؟ ) ! وإلا فالسجن عامين في انتظارها ؟
كما صورت ونشرت ويكيليكس السودانية علي بعض مواقع الانترنيت السودانية هذا الفيديو , ومررته لقناة الجزيرة مباشر , التي عرضته بدورها , ليشاهده بعض مواطني الدول العربية !
حفزت ويكيليكس الاصلية وتسريباتها الاخيرة , ويكيليكس السودانية لكي تنشر هذا الفيديو الان في شهر ديسمبر 2010 , بعد مرور عشرة شهور علي وقوع الحادث ( فبراير 2010 ) ! ولكن لان تاتي متاخرا , خير من ان لا تاتي ابدأ ؟
هذا الفيديو الذي اصاب كل من شاهده بالغثيان , يصور حادثة واحدة من بين 43 الف حادثة مماثلة , تحدث كل عام في العاصمة القومية ... عاصمة كل السودانيين مسلمين ومسيحيين ومعتنقي ديانات افريقية ! ومعظم حوادث الجلد المشين هذه تحدث لفتيات جنوبيات مسيحيات قاصرات , كل ذنبهن أنهن ارتكبن ( جريمة ؟ ) لبس تنورة قصيرة ( قصيرة حسب تقدير شرطة النظام العام ... قصير النظر ) , أو لبس بنطلون لبني !
ويكيليكس السودانية فضحت هذه الممارسات الذئبية التي تحدث يوميأ في العاصمة القومية , لمن لا تستطيع , لعوزها وفقرها المادي , أن تدخل يدها في شنطتها , لتفدي نفسها وكرامتها !
ويكيليكس السودانية كشفت أن مليون و150 الف جلدة سوط عنج تقع كل عام علي ظهور ووجوه وارجل وايادي فتيات قصر , اغلبهن من المسيحيات الجنوبيات المعدمات , وبطريقة رسمية وقانونية , في عاصمة السودان القومية , المفروض ان تكون بوتقة لكل الاديان والملل والنحل , وفي نهاية العقد الاول للقرن الحادي والعشرين ! وتقع هذه السياط الذئبية حسب قانون النظام العام لسنة 1991والمادة 152 عقوبات , وقانون الاجراءات الجنائية , الذى يخوّل للقاضى سلطة المحاكمة الايجازية ( فى اى جريمة عدا الاعدام ) !
ببساطة حسب القانون والدستور !
المحاكمة الايجازية القراقوشية الانقاذية تعني ان المحاكم الايجازية ( محاكم النظام العام غالبأ والمحاكم العادية في بعض الحالات ) تصدر احكامها ، وهي احكام نهائية للتنفيذ الفوري , بعد االنطق بالحكم مباشرة , وفي ساحة المحكمة , وبالمكشوف ! حتي يشهد جلد ( المذنبة ؟ ) طائفة من المؤمنين , وهم يضحكون ويهللون ؟ لا تقبل المحاكم الايجازية اي استئناف !
هذه المحاكم العبثية الذئبية تصدر احكامها بدون تدوين بينة , وبدون تحرير تهمة ! وتكتفي فقط ( بسماع ؟ ) الشاكي ( شرطي النظام العام ) والمتهم ( الفتاة القاصر المغلوبة علي امرها , والتي غالبأ ما تبول في بنطلونها , من جراء الصدمة ؟ ) والشهود ( شرطة النظام العام ؟ ) , وبدون تدوين حتي لملخص اقوالهم ؟
محاكم عشوائية ظلامية تعسفية انقاذية ؟ محاكم اشد قسوة وعبثية من محاكم التفتيش في القرون الوسطي ! محاكم مكارثية استبدادية قهرية !
ويكيليكس السودانية كشفت ان الفيل هو قانون الاجراءات الجنائية , الذي تعقد بمقتضاه هذه المحاكم الايجازية , العبثية , الذئبية , الانقاذية ! وكشفت ان ضل الفيل هو شرطة النظام العام وقضاة النظام العام , الذين ينفذون القوانين , لا أكثر , بل أقل !
أذن يجب علينا أن نطعن في الفيل , وليس في ضله ؟
يجب ان نطالب بالصوت العالي بالالغاء الفوري لقانون النظام العام والمادة 152 عقوبات , والمحاكم الايجازية الذئبية .
هذا القانون ومحاكمه الايجازية هو الفيل الذي يجب ان نوجه اليه طعناتنا ! وليس في ضله المتمثل في قضاة وشرطة النظام العام !
يجب ان نوجه طعناتنا لقادة المؤتمر الوطني ( الفيل الاكبر ) من أمثال البروفسير إبراهيم أحمد عمر ( مستشار رئيس الجمهورية ) , الذي نبح ( الخميس 9 ديسمبر 2010 ) بأن وحدة السودان لن تقوم بالتنحي عن الشريعة الإسلامية !
يضحي هذا ( الرجل ) وبقية المؤتمراونطجية بوحدة السودان المقدسة مقابل شريعة صورية , ما أنزل الله بها من سلطان , تعكسها وتجسدها مليون و150 الف جلدة سوط عنج , كل عام , علي وجوه واجساد الفتيات السودانيات المعدمات , في عاصمة السودان القومية ؟ هذا ( الرجل ) وامثاله من الذئاب البشرية , هم أس الداء , وراس الافعي , التي يجب قطعها اليوم , وليس غدأ !
يجب ان نوجه طعناتنا لقادة المؤتمر الوطني ( الفيل الاكبر ) من أمثال الشيخ عمر إدريس حضرة ( رئيس المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف ) , الذي أنذر ( الخميس 9 ديسمبر 2010 ) ً بأن :
( الانفصال سيفرض علينا الحرب ... فيجب أن نكون على أتم استعداد لها ! ) .
لا مجال للحوار مع , بل الطعن في , هذه الافيال التكفيرية الطالبانية الظلامية التي تسئ فهم قطعيات الوحي وصحيح السنة , وتبشر وتدعو وتعمل جاهدة لتفتيت بلاد السودان , وقذفه في أتون الحروب الاهلية !
لا مجال للحوار مع , بل الطعن في , هذه الافيال التكفيرية الطالبانية الظلامية التي تجاهد لقمع وإذلال وقهر المرأة السودانية !
يجب ان نوقف هذه الافيال عند حدها , اليوم وليس غدا , قبل ان تمزق الوطن , وتحطم تركيبته الاحتماعية , وقيمه الاخلاقية السمحة
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة