بسم الله الرحمن الرحيم
السيد قرايشون .. لست وحدك مُحبطاً
المتوكل محمد موسي
Almotwakel_[email protected]
فى الحقيقة ليس قرايشون وحده هو من يشعر بخيبة الأمل إزاء عدم حل أزمة دارفور وهى تدخل عامها الثامن وليس السابع كما ذكر ، بل آخرون مثله يشعرون بخيبة الأمل إزاء تطاول أزمة دارفور وإستعصائها على الحل وإن كان قد بدا من حديث المبعوث الأمريكى أنه يلوم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لفشلهم فى حل الأزمة.. لكن الواقع يقول أن السبب فى عدم الوصول إلى الحل ليس سببه الولايات المتحدة ومن معها وحدهم ... وإنما جميع أطراف الأزمة متورطون فى هذا التعطيل المتعمد لمسار الحل...بل يمكن أن نصف الأمر بأكثرمن مجرد تعطيل متعمد ، فأن عدم الوصول إلى حلٍ لأزمة دارفور حتى الآن يرقى إلى مستوى الجريمة... لأن الجميع قادرٌ على الحل ويدرك سُبله وإن تفاوتت حظوظهم فى ذلك ، إلا أنهم جميعاً تجاهلوا حل الأزمة وانغمسوا فى مايحقق مصالحهم وأصبحت دارفور مجرد ملهاة ومصدر عيش لبعض ومصدر ثراء فاحش للبعض الآخر خاصة الأطراف السودانية فى الأزمة والمتمثلة فى حكومة المؤتمر الوطنى والحركات الدارفورية المسلحه بل حتى بعض شرائح مجتمع دارفور المدنى ضالعة فى هذا التأخير المفتعل والمتعمد فى الوصول إلى حلٍ للأزمة...
قبل أن نواصل حديثنا فى موضوع الخيبة والإحباط فى دارفور ، نرغب فى أن نشيد بالدور الذى لعبه الإعلام السودانى عامة وعلى وجه الخصوص المقروء منه فى التحذيروالتنبيه والإسهام مع جميع الأطراف من أجل الوصول إلى حلٍ للأزمة قبل أن تستفحل وتتعقد على النحو الذى نعيشه ولو جُمعت المواد الأعلامية التى كُتبت فى سبيل تقريب المواقف بين فرقاء الأزمة وصنع المقاربات من أجل الوصول إلى حلٍ للأزمة لصارت أسفاراً ينوء بحملها العصبة من الرجال ذوى البأس حتى بدا الأمر وكأنه ليس هناك ما يُقال فى شأن الأزمة ولم يقله الإعلام على طريقة هل غادر الشعراءُ من متردمِ !، للأسف الشديد أسمع الإعلام السودانى إن كان يُنادى حيا ًولكن لاحياة لمن يُنادى..
أمر آخر نرغب فى توضيحه .. وهو علة التشخيص الخاطئ لأزمات السودان والإستغراق فى الحل الجزئ دون أخذ القضايا جملةً وتفصيلا ، فهذا الوطن كالبنيان يشد بعضه بعضا إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فتدعيات أى أزمة جزء من شعب السودان ستنسحب على كل شعبه ، ولذا فإن التبعيض والتجزئ للأزمات يبتسرها فى إطار ضيق فى الوقت الذى تتخطى فيه آثار الأزمة الإطار الأقليمى الضيق لتتأثر كل البلاد.. وبمعنى آخر أن حل اى أزمة من أزماتنا الحاليه بمنعزل عن الأزمات الآخرى لن يؤسس إلى حل مستدام.. وذلك مثلما يحدث الآن من إستغراق فى حل أزمة جنوب السودان ونسيان قضية دارفور.
نعود إلى موضوعنا ، لقد اتصف موقف المجتمع الدولى بالتناقض وعدم اليقين تجاه القضية وانشغل كثيراً فى الإهتمام بالوضع الإنسانى وأغفل الظروف التى أدت إلى هذا الوضع المتردى لسكان دارفور الأبرياء الذين يمثل وضعهم عرَض وإسقاط لمشكلة جذرية أزلية فى دارفور ولذا فإن عزل القضية الإنسانية من سياقات قضية التهميش وغياب التنمية وكل الأسباب الجذورية للصراع قد أدى لهذا الوضع المزرى الذى يعيشه النازحون واللاجئون والذى أدخل المجتمع الدولى فى ورطة الإنفاق اليومى لأكثر من ثلاث مليون مواطن يسكنون المعسكرات داخل وخارج السودان فى وضع غاية فى الإذلال ، فلا المجتمع الدولى استطاع أن يحل مشكلتهم ولا سكان المعسكرات هنئوا بعيشٍ رغيد بسبب صرف المجتمع الدولى عليهم ، ولو تم إنفاق نصف ما ينفقه المجتمع الدولى فى المساعدات الإنسانية على التنمية لكانت أزمة دارفور قد وجدت طريقها إلى الحل ، وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية هى من تمسك بمعظم خيوط الأزمات فى هذا العالم وتملك من الآليات لحلها ما تملك وتعجز عن الحل وتعلن خيبة املها ، فأن ذلك أدعى ليُعلن الآخرون أيضاً خيباتهم طالما رهنوا إرادة حل الأزمة لجهة واحدة خاصة أطراف الأزمة من السودانيين، خيبة أمل الولايات المتحدة جاءت على لسان مبعوثها الخاص للسودان إسكوت قرايشون الذى عبر عن خيبة أمله إزاء الوضع فى إقليم دارفور وهو يتحدث قبل أيام قلائل من الآن الى الجالية السودانية في ولاية فرجينيا الأميركية ، قائلاً "أشعر بالخجل لنفسي وللمجتمع الدولي كذلك لأننا لم ننجز الكثير من القضايا. وحرب دارفور أكملت سبع سنوات ولم نتوصل الى حل لها... هذا كثير". مضيفاً أن الكونغرس يعكف الآن على وضع قانون جديد للسلام فى السودان . ليؤكد غرايشن عدم جدوى العقوبات في مواجهة الخرطوم. وضرب مثالاً: "حظرت بطاقات الائتمان على قادة المؤتمر الوطني، فحملوا أموالهم في حقائب". وأردف: "لا أقول إنه يجب ألا تكون هناك عقوبات، لكن يجب أن نعمل على وضع عقوبات تؤثر على الافراد المعنيين بها دون التأثير على بقية الشعب، والعقوبات الحالية تؤثر حتي الجنوب ودارفور اللذين تم إستثناءهم منها، وليس لديهما منافذ على البحر سوى ميناء بورتسودان الذي يقع تحت العقوبات". ولكن ما جدوى القوانين التى يُصدرها الكونغرس مادام هذه القوانين التى تُصدر لا تُنفذ وتصبح مجرد حبر على ورق ؟.
لن نتطرق إلى موقف الحكومة ، فهى لها فلسفتها و إستراتيجيتها التى يعلمها القاصى والدانى وموقفها هو الموقف الأكثر وضوحاً وجرأةً بين مواقف أطراف الأزمة الدارفورية ، ولم تدخر جهداً لإطلاع الأطراف الآخري عليها فماذا تفعل إذا لم يفهم الأغبياء ؟ .
أما الحركات المسلحة فرغم أنها ثارت ونشأت على خلفية التهميش وإنعدام التنمية إضافة إلى إهمال الحكومة للجانب الإدارى فى دارفور ، إلا إنها إرتكست إرتكاساً شديداً وخرجت عن خط التغيير الذى تبنته ثورياً فى الإقليم ، فتبعثرت وتفرقت أيدى سبأ ، وأصبحت شعاراتها التى رفعتها محل شكٍ كبير لدى الجميع وأصبح إقصاء الآخرين من أهل دارفور أو رفض وجودهم فى صفوف هذه الحركات يتسم بالبعد القبلى ، صحيح أن هناك قيادات واعية تُدرك أهمية إلتفاف أهل دارفور حول برنامج التغيير هذا إلا أن هناك من يرفضون هذا الوجود ، ولما شعر الكثيرون منهم بأن الأمر يتخذ بعداً قبلياً لايخفيه البعض سارعوا إلى اللواذ والإستقواء بالإطار القبلى الضيق لأهلهم وهو ما يُفسِّر تكاثر الحركات الدارفورية حتى وصل الأمر إلى تخوم خشم البيت داخل القبيلة الواحدة ، وهذه خيبة أمل كبيرة بلا شك ستطيل الأزمة وتجعل الحل مستحيلاً خاصة إذا علمنا أن هناك حركات قادمة فى الطريق بعد أن شعر هؤلاء أن مثل هذا الشعور الإقصائ يتغلغل بصورة كبيرة داخل الحركات الرائدة فى المجال ولا يترك لهم مجالاً للإسهام فى قضايا ومشاكل هم أيضاً من ضحاياها ، بعد هذا الإستعراض السريع لمواقف الجميع كيف لا يتسلل الإحباط وخيبة الأمل إلى قلوب وأفئدة من يتوقون إلى إستدامة السلام والتنمية فى دارفور وإقالة عثرة أهله الذين أُستضعفوا وسيموا الظلم والهوان ؟.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة