إيقاعات ســـــــــــــريعة
إبراهيم معروف..لوعة الممات..وساكن الحياة
*الرياض:-أحمد علاء الدين محمد موسى
[email protected]
في حياة الأمم والشعوب, وكما هي سنة الحياة فمع إشراقة كل يوم جديد يموت الآلاف ويولد الآلاف, ولكن أشخاصا بعينهم يتذكرهم الناس والتاريخ ويعيشون في وجداننا على مدى سنوات طويلة, ومنهم فقيدنا العزيز الأخ إبراهيم معروف, الذي أجد نفسي في وضع لا أحسد عليه عند الحديث أو الكتابة عن مآثره ومحاسنه, لأنني لن أتحدث أو أكتب عن علاقة يوم أو عام بل عن سنوات لها إيقاع, ولهذا السبب فلا غرابة أن أجد نفسي عاجزا أمام الكلمات ومفرداتها وأقف صامتا مشدودا كوقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
فالأخ إبراهيم معروف الذي انتقل إلي رحمة الله تعالى أمسية الخميس الماضي,وفاضت روحه الطاهرة إلي بارئها, ووري جثمانه الطاهر الثرى عقب صلاة الجمعة من الأسبوع الماضي, ابن من أبناء جزيرة المعلمين صاي- محافظة حلفا-التي أنجبت الخليل, وهو في الحقيقة قيادي نوبي من الطراز الأول هميم بأهلنا ومنطقتنا,عرفناه وشهدنا له ومنذ قدومه للسعودية قبل 30عاما مضت, وكان قامة من قامات النوبة وعلما بارزا من أعلامها في العمل النوبي العام, ولم يتخلف يوما عن ركب السفينة التي تجمع النوبيين, واضعا بصماته الواضحة في كل الأعمال الخيرية والاجتماعية, وهو من الشخصيات التي رحلت جسدا ولكنه سيظل يعيش في حياة النوبيين ومن عرفوه عن قرب بأعماله ومواقفه التي لا تنسى, فقد كان -يرحمه الله-شعلة من النشاط والعطاء في كل الأنشطة والفعاليات النوبية والسودانية من خلال اللجان التي عمل بها, وكم كان وفيا في تعامله, حميدا في صفاته, وكريما في أخلاقه حيث لم تصدر منه كلمة جارحة خلال تعاملنا معه في العمل النوبي العام, وكنا نتفق معه حينا, ونختلف معه أحيانا في وجهات النظر دون فجور في خصومة تفسد الود وتبقى مساحات التلاقي مفتوحة بيننا من أجل النوبة وإنسانها العريق. وفوق ذلك كله فقد كان فقيدنا إبراهيم إنسانا نبيلا, بل وراقيا في تعامله صادقا كريما في سخائه وسجاياه, حيث عاش حياته جنديا وسط إخوانه النوبيين, ولم يكن يدافع عن نفسه بل عن أمة بأكملها, وشعب بأكمله دون أن ينتظر مديحا من أحد ..لم يكن فظا غليظ القلب لينفض الناس من حوله, بل عاش محبوبا بين أهله النوبيين فأحبهم وأحبوه, فأحبه كل أهل السودان فكان رجلا جديرا بالاحترام والتقدير.
إبراهيم معروف.. شهدناه يسارع لعمل الخير مادا أياديه البيضاء في كافة اللجان الخيرية بدءا بلجنة دعم وعلاج الفنان الدكتور محمد وردي, واللجنة القومية لعلاج الشاعر سيد أحمد الحردلو, ومرورا باللجنة القومية لتأبين الدكتور محي الدين صابر, وانتهاء بتأبين البروفسير محمد إبراهيم ابوسليم وغيرها من اللجان التي تكشف مدى الإنسانية التي كان يتمتع بها.
إبراهيم معروف.. الذي بكى عليه النوبيين وكافة السودانيين الذين يعرفونه كفارس شهم كان دائما صاحب مواقف ثابتة وحكمة وعطاء بلا حدود وإخلاص في كل المهام المكلف بها, فلم يفكر مرة في المداهنة أو التخاذل عن العطاء.
إن رسالتنا في هذه اللحظة التي نجتر فيها مآثر فقيدنا الغالي, تدعو لمواصلة المشوار في الهم النوبي الذي كان راحلنا المقيم في طليعة من يحمل همه, وقناعتنا التامة بأنه قد آن للنوبيين أوانهم وفرصتهم الذهبية بأن يجمعوا شتاتهم لمواجهة التحدي والمصير انطلاقا من وعيهم وإدراكهم باتخاذ الآراء والرؤى الحكيمة حول الكيفية التي يمكن بها وضع الحصان أمام العربة وعندئذ فقط يمكننا القول بأننا قد حققنا اليسير واليسير جدا من طموحات شقيقنا الراحل إبراهيم معروف (طيب الله ثراه) لينام هانئا قرير العين.
هكذا عاش أخي إبراهيم معروف, تاريخا حافلا لا ينتهي برحيله بل سيظل بين كل محبيه متوهجا, لأن عمل الخير نهر متواصل لا ينضب, وسيظل راحلنا المقيم(إبراهيم) رمزا وعلما نوبيا خفاقا في سماوات الأرض النوبية الطاهرة, وسنقيم ذكراه العطرة في خواطرنا آناء الليل وأطراف النهار, ومن الأعماق ندعو له بالسدر المخضود والطلح المنضود والظل الممدود والماء المسكوب, ونسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
مَنْ للمَحافلِ وَالجحافِلِ وَالسُرَى
فَقَدتْ بِفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُـــعُ
أحمد علاء
|