د. أسامه عثمان، نيويورك
[email protected]
لعلك عزيزي القارئ قد تبسمت لهذا العنوان ودفعك الفضول لترى ما أمر هذه السنة الدولية للبطاطس. فأعلم أنك لم تكن أول من يتبسم فقد تبسم الكثيرون منذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 أن عام 2008 سيكون هو السنة الدولية للبطاطس. ولقد كتب رئيس تحرير إحدى الصحف الكندية أنه لا يستبعد أن تعلن الأمم المتحدة عن الإعلان العالمي لحقوق البطاطا! وسنرى خطل سخرية تلك الصحيفة عندما نعدد مزايا هذه "الدرنة المتواضعة". وقبل ذلك أقر بأنني ترددت في وضع هذا العنوان لأن الكثير من القراء ربما ينصرفوا عند مشاهدة العنوان إلى عناوين أخرى يحسبونها أكثر جدية. وترددت أكثر عندما بلغني أن صحفيا كبيرا قد كتب مقالا عن طبيخ البامية فحجبه الرقيب ربما لأنه اشتم فيه رائحة غير رائحة البامية!. أما أنا فأطمئن جميع أصحاب الأنوف الحساسة بأن البطاطس المعني هنا هو البطاطس المعروف عندنا وعند أهل مصر بهذا الاسم. ويسمى البطاطا في بقية بلاد العرب ولقد جاءتنا التسمية من اللغة الأسبانية (patatas )، لأن الأسبان هم أول من نقل نبتة البطاطا من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا في منتصف القرن السادس عشر ومن بعد انتشرت في بقية أرجاء العالم مع الفتوح الاستعمارية الأوروبية. والفرنسيون والفرس يسمونها "تفاح الأرض" (pomme de terre)، وبالفارسية "سيب زمين".
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008 سنة دولية للبطاطس لأن البطاطا تدخل في النظام الغذائي للكثير من شعوب العالم ولتركيز الأضواء على الدور الذي يمكن أن تلعبه البطاطا في الأمن الغذائي والقضاء على الفقر. ولقد طلب من منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية مراقبة تطبيق التنفيذ لتوعية الجمهور بالصلة بين الفقر والأمن الغذائي وسوء التغذية والدور الذي يمكن أن تلعبه البطاطا في القضاء على الجوع. وعليه، فإن السنة الدولية للبطاطس تهدف إلى إعلاء شأن البطاطا كمحصول نقدي وسلعة غذائية مهمة عالمياً، وذلك بالتشديد على ميزاتها البيولوجية وقيمتها الغذائية، ومن ثم التشجيع على إنتاجها ومعالجتها واستهلاكها وتسويقها والاتجار بها.
وهاهي سنة البطاطا تكاد تنتهي بعد أن شهدت أنشطة وفعاليات كثيرة أشبه بتلك التي أقيمت في عام 2004 احتفاء بالسنة الدولية للرز. حيث أقيمت المعارض ووضعت البرامج التعليمية ونظمت حملات لتوعية الجمهور بأهمية مصادرنا الغذائية هذه وتقوم السنة الدولية للبطاطا حالياً بزيادة التوعية على الدور الكبير الذي تنهض به في مجالات الزراعة والاقتصاد والأمن الغذائي العالمي. غير أن للسنة كذلك غاية عملية هي: تشجيع إدخال البطاطا في الدورة الزراعية المستدامة لتحسين معيشة المزارعين والمستهلكين، والمساعدة في تجسيد كافة الإمكانيات الكامنة في البطاطا على أرض الواقع بوصفها "غذاء المستقبل". حيث يتوقع خلال العقدين القادمين أن ينمو عدد سكان العالم بمتوسط يزيد على ١٠٠ مليون شخص في العام. وسيقع نحو 95% بالمئة من هذه الزيادة في البلدان النامية، حيث تتعرض موارد الأراضي والمياه بالفعل لضغط كبير. ولذلك فان أحد التحديات الرئيسة التي تواجه المجتمع الدولي هو كفالة الأمن الغذائي للأجيال الحالية وفي المستقبل، جنباً إلى جنب مع حماية قاعدة الموارد الطبيعية التي نعتمد كلنا عليها. وستكون البطاطس جزء هاماً من المجهودات التي تبذل لمواجهة تلك التحديات.
وتعتبر البطاطس السلعة الغذائية الرابعة في العالم من حيث عدد المستهلكين بعد الرز والقمح والذرة. وتشهد أسعار جميع هذه السلع ارتفاعاً كبيراً أدى إلى الكثير من القلاقل في بلدان مختلفة من بلدان العالم النامي ولقد أدى هذا الارتفاع المستمر في أسعار السلع الرئيسية إلى أن ينتبه الناس إلى محصول موغل في القدم من شأنه أن يساعد في التخفيف من الضغط على السلع الأخرى فكان ذلك المحصول هو البطاطس.
وتشكل البطاطس جزءاً رئيسياً في النظام الغذائي العالمي. وقد سجل الإنتاج العالمي منها عام ٢٠٠٧ رقماً قياسياً بلغ 320 مليون طن. يذكر أن استهلاك البطاطا يتوسع بصورة قوية في العالم النامي الذي ينتج حاليا نحو نصف الحصاد العالمي، كما أن سهولة زراعتها ومحتواها العالي من الطاقة قد جعلاها محصولا نقديا ثميناً لملايين المزارعين. فإنتاج البطاطا قليل التكلفة مع مردودية عالية مما يتيح للمزارعين مصدر دخل ثابت إذا ما تم ربطهم بالأسواق وهذا من الأشياء التي تهدف السنة الدولية للبطاطس إلى توعية الحكومات والأفراد بها.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن البطاطا، بخلاف الحبوب الرئيسية، ليست سلعة عالمية. حيث لا يدخل منظومة التجارة الخارجية سوى جزء صغير من إجمالي إنتاج البطاطا، فمن النادر أن تجد بلدا يستورد البطاطا من بلد آخر باستثناء بعض بلدان أوروبا التي تعتبر سوقا واحدة على كل حال. كما أن أسعارها تتحدد في العادة على ضوء تكاليف الإنتاج المحلي لا على أساس تقلّبات الأسواق الدولية. ولذلك كثيراً ما يوصي الخبراء بإنتاج البطاطا واستخدامها كمحصول أمنٍ غذائي في مقدوره أن يساعد المزارعين ذوي الدخل المنخفض والمستهلكين الفقراء في مواجهة الاضطراب الكبير الذي يسود في سوق العرض والطلب على الأغذية في العالم.
وبناء على ذلك عملت حكومة بيرو مثلاً من أجل تخفيض واردات القمح المكلفة من خلال تشجيع السكان على تناول خبز يحتوي على دقيق البطاطا. كما اقترح خبراء الزراعة في الصين التي تعد أكبر منتج للبطاطا في العالم أن تصبح البطاطا المحصول الغذائي الرئيسي للأراضي الصالحة للزراعة في البلاد. كما وضعت الهند خططاً لمضاعفة إنتاجها من هذا المحصول، ونأمل أن يكون في السودان أبحاث لاستخدام البطاطس بشكل أكبر في النظام الغذائي. من المعروف أن البطاطا يمكن أن تعد وتطبخ بأشكال مختلفة ولكنها في السودان تنحصر في بضعة أطبق فقط وتكاد تكون طعام أهل المدن حيث لا تستخدم كثيرا في الريف.
وتختلف البطاطا عن بقية السلع الغذائية الرئيسية بأنها تنمو في جميع أنحاء العالم فقد عرفتها أمريكا الجنوبية قبل ثمانية آلاف سنة في جبال الإنديز كما أنها تزرع في كل مكان من نجود مقاطعة يونان في الصين والأراضي المنخفضة شبه الاستوائية في الهند إلى مرتفعات جاوة الاستوائية وسهوب أوكرانيا الباردة. وفي السودان تزرع البطاطس في جميع أنحاء البلاد.
ولا تقف ميزات البطاطا عند هذا الحد فحسب حيث يتعين أن تكون مكوناً رئيساً في الاستراتيجيات الرامية لتقديم طعام مغذٍ للفقراء والجوعى. فهي ملائمة تماماً للمناطق ذات الرقعة الزراعية المحدود واليد العاملة الوفيرة، وهي ظروف تتميز بها مناطق كثيرة في العالم النامي. كما أنها تنتج غذاءً أكثر وفي وقت قصير (ستين يوما) وتحتاج لمساحات أقل وفي مناخات أشد قسوة، من أي محصول رئيس آخر ، حيث أن زهاء ٨٥ بالمئة من هذا النبات غذاء مستساغ لبني البشر، مقارنةً بنحو ٥٠ بالمئة في الحبوب. كما أن البطاطا غنية بالكربوهيدرات، ما يجعلها مصدراً جيداً للطاقة. كما أنها تحتوي على أعلى كمية من البروتين وهي غنية جداً بفيتامين (ج) ، حيث تحتوي حبة البطاطس من الحجم المتوسط على نصف ما نحتاجه للاستهلاك اليومي من هذا الفيتامين.
لكل ذلك، فقد ازداد الطلب على البطاطا في جميع أنحاء العالم تقريبا. وارتفع الإنتاج العالمي من البطاطس بمتوسط بلغ 5 في المائة خلال السنوات العشر الماضية، متفوقاً في ذلك على النمو في إنتاج كثير من السلع الغذائية الرئيسة الأخرى في البلدان النامية، خصوصاً في آسيا. حيث فاقت الصين الجميع في الإنتاج في طريقها لمنافسة الأوروبيين في الاستهلاك. يعتبر الروس أكثر شعوب الأرض استهلاكا للبطاطس حيث يبلغ متوسط استهلاك الفرد من البطاطا 93 كيلوغراما في العام في مقابل 60 كيلوغراما للصيني و23 كيلوغراما في الدول النامية.
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في الإنتاج العالمي من الغذاء خلال نصف القرن الماضي، فإن أفراداً ومجتمعات محلية كثيرة - خصوصاً في مناطق الريف - لا يملكون الوسائل المادية أو المالية للوصول إلى الغذاء طول العام. وتواجه بلدان نامية كثيرة "عبئاً مزدوجاً" لسوء التغذية: فتجد فيها من يعانون من الهزال لنقص الغذاء إلى جانب من يعانون من السمنة المفرطة لسوء التغذية وعدم توازنها واتصال كل ذلك بسكنى المدن. ويمكن للبطاطس والبطاطس الحلوة (التي تسمى البامبي في السودان) الغنية بالعناصر المغذية أن تسهم في تحسين الوجبات، وبذلك تخفيض معدلات الوفاة الناجمة عن سوء التغذية خصوصا لدى النساء والأطفال.
ومن خصائص البطاطا أيضا أنها نبتة قد تمكن العلماء من أنتاج أنواع شتى منها لتلائم كل طقس وتربة ومن ناحية عامة فهي نبتة مناسبة للنظم الزراعية التي تتغلب على التحديات المركبة لآفات وأمراض النباتات وانخفاض الغلال وتدهور الموارد الطبيعية والجفاف وتغير المناخ وتهدف السنة الدولية للبطاطس أيضا إلى لفت انتباه العالم إلى أهمية هذا التنوع البيولوجي ومحاربة احتكاره لدى الشركات المنتجة للعينات المحسنة.
ولم تنل البطاطس بعد شرف أن تذكر في الأغاني السودانية التي تستخدم الكثير من الخضر والفواكه في توصيف الجمال ولا تجد سودانيا يترنم بيا عيني على البطاطا على الرغم من كل ما ذكرنا من خصائص ومميزات للبطاطا.
يبقى أن نذكر أن البطاطا لم تنفرد بعام 2008 وحدها وإنما أعلن هذا العام أيضا سنة دولية للغات، وسنة دولية للصرف الصحي، وسنة دولية للضفدعة، نعم هو عام الضفدعة الدولي، والضفدعة أخذت مثالا لجميع أنواع البرمائيات المهددة بالانقراض وخصص هذا العام للتوعية بالنتائج البيئية والاقتصادية الكبيرة المترتبة على انقراض أكثر من ثلاثة آلاف نوعا من البرمائيات.
د. أسامه عثمان، نيويورك،
تشر بجريدة الصحافة يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2008
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة