مصر مسرح كبير..!
ضياء الدين بلال
[email protected]
مرات قليلة وعابرة قادتني لمصر،المعرفة بها كانت تتم عبر مشاهدة الدراما والاطلاع على صحفها والكتابات المتفرقة،أقضي هذه الايام مستشفياً - في شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، بشقة صديقي الرائع دوماً - في الحل والترحال- الاستاذ عادل الباز،قد يأتي يوم للحديث عن هذا الرجل.
لا أدري لماذا لا نجيد الحديث عن الاحياء،يبدو ان اشتباهات ما، هى التى تقودنا الى كتم الشهادات. وقد يكون التوهم هو ما يمضي بنا الى اخفاء رأينا في البعض (ليك يوم يا أبو أمل)..!
المهم.. ماذا اذا قطعت جازماً، بأنك عزيزي القارئ، لن تجد شعباً بحيوية الشعب المصري في التعامل بيعاً أو شراء أومؤانسة او مشاجرة.سائق التاكسي محلل سياسي واجتماعي (باختصاص) يغنيك عن شاشات الفضائيات وعناوين الصحف.الجرسون كوميديان متحرك يوفر لك من المتعة ما لا توفره مسارحنا (الخشبية) وتلفزيوناتنا (اليابسة).الطبيب يجيد الاستقبال والوداع حتى تفترض ان بينكما صداقة عامرة. لا تعرف متى بدأت والى أين ستنتهي؟ يشرح لك ما تعاني فتستغرق في المتابعة كأنه يتحدث عن شخص آخر تعرفه تماماً.
كنت أظن نفسي من الذين يجيدون تلقي النكات وردها..أيام القاهرة فضحت لي ذلك الادعاء..التعليقات الساخرة والسريعة وعقد المفارقات والرد بمثلها أو أحسن منها مهارة اجتماعية لا يجيدها الكثيرون في السودان..وجدتني في القاهرة عاجزاً عن مسايرة ذلك الايقاع السريع..تصدر النكتة وتعقد المفارقة في ثوان خاطفة ،ولا تجد ما يلزمها من رد سوى تمديد الضحك وتوسيع الابتسامة، لملء فراغ المشهد..وربما خيار آخر تجدك مضطراً اليه وهو التزام الصمت والصعود الى مقام (الجدية) مستعصماً (بالحزم) .
الحياة رغم صعوبتها وضيق أوعية الرزق والتنافس الملتهب، أكثر من ثمانين مليوناً على مساحة محدودة تحاصرهم الصحراء وجوار الازمات، رغم ذلك يستطيعون صناعة الفرح واستهلاكه،أكبر مشروع استثماري بمصر هو حيوية ومهارة المواطن المصري التي تجعل للسياحة متعتها المختلفة..كثير من المشاريع والفرص الكبرى لدى الدول تهزمها طبائع الشعوب.
مفارقات عديدة تظهر لك جدية وكفاح المواطن المصري لتجاوز ظروفه الصعبة، بكل ما أوتي من مقدرة وحيلة لا تخطر على بال الزائرين..!
تحليلات سائق التاكسي ليست ثرثرة مجانية ، اذ تضاف قيمتها اختياراً- الى قيمة الترحيل..ابتسامات الجرسون تلزمك- بذوق- على دفع (البقشيش)..حتى المتسولين يصعب ان تتجاهل دعواتهم لك ولابنائك بالخير والصحة دون ان تدخل يدك في جيبك..حاسة ما ترشدهم الى ما يقلقك..!
ضحكت كثيراً ذلك الصباح عندما اطلعت على خبرين في الصحف الماتعة بالحرية، أولهما : ان شركة عقارية قامت بتأجير (رداحات) للرد على متعاملين معها ضاق صدرهم من عدم التزامها بوعود التسليم وكثرة زياراتهم الاحتجاجية..فكان خيار الشركة استئجار (الرداحات) لرد الاساءات بمثلها أو اسوأ منها...!
اما الخبر الثاني: ان حزباً معارضاً قام باستئجار متظاهرين - الفرد بعشرين جنيهاً - للتظاهر باسمه.
ومن قبل كانت الظاهرة المثيرة ايجار (البلطجية) في الانتخابات للقيام ببعض المهام التي تستنكف عضوية الاحزاب عن القيام بها..ولا تزال في الذاكرة القريبة ما قامت به المذيعة اللامعة هالة سرحان في برنامجها المشهور (هالة شو) عندما استأجرت بعض النساء للقيام بدور (عاهرات) لدراسة الظاهرة..المدهش ان فضائية منافسة قامت باستغلال ذات النساء ليعترفن باتفاقهن مع هالة ويقبضن على ذلك(ما فيهو النصيب) مقابل (الادعاء) و (الاعتراف) كذلك..!
نعم كما وصفها ود الباز : (مصر مسرح كبير).
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة