زفرات حرى
الطيب مصطفى
مَن هو باراك أوباما !!
أصدقكم القول إنني فرحت لفوز باراك أوباما بمنصب الرئيس الأمريكي المنتخب ليس لأن الرجل سيكف أذاه عن السودان وإنما لأنه أقصى المحافظين الجدد عن حكم أمريكا بعد أن أذاقونا نحن المسلمين في عهد الشيطان بوش ما لم يحدث من أي رئيس أمريكي آخر منذ أن تسيَّدت أمريكا العالم بعد الحرب العالمية الثانية ثم لأنه عارض الحرب على العراق وكذلك انفعالاً ببعض التوجهات الأخرى التي أعتبرها أفضل من سياسات الحزب الجمهوري فضلاً عن أن أصوله الاسلامية كون والده مسلماً وكونه درس في أندونيسيا المسلمة حتى سن العاشرة عندما كانت والدته متزوجة من مسلم اندونيسي بنى بها بعد انفصالها عن والد أوباما الكيني كان مما منحني بعض الأمل في أنه ربما يكون أكثر تفهُّماً لمشاعر المسلمين.
لم أعلِّق آمالاً عراضاً على الرجل بأنه سيحدث انقلاباً في علاقات أمريكا بالعالم الإسلامي على حساب إسرائيل أو بالسودان لكني كنت آخذ بفقه ان بعض الشر أهون من بعض.
صحيح أن أوباما فجعني باستعجاله تطمين اسرائيل في تجاهل تام للمسلمين الذين اتضح أن »٠٩٪« منهم قد منحوه أصواتهم في أمريكا أقول فجعني استعجاله في تعيين اليهودي رام عمانويل لرئاسة هيئة موظفي البيت الأبيض وهو منصب رفيع ربما يقارب منصب رئيس الوزراء في بلادنا، فقد خدم رام هذا متطوعاً في الجيش الاسرائيلي إبان حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١م رغم أنه كان حينها قد تخلى عن جنسيته الاسرائيلية بل إن والد رام الاسرائيلي المقيم حتى الآن في اسرائيل أو بالأحرى في الأرض الفلسطينية المحتلة قال عند تعيين ابنه لصحيفة معاريف الاسرائيلية »رام سيؤثر على الرئيس أوباما ليكون مؤيداً لاسرائيل... ولماذا لا يفعل ذلك؟ ماهي هويته.. هل هو عربي؟ إنه لن يذهب إلى البيت الأبيض لينظِّف الأرضية«.
ذكرت في مقال سابق أن أوباما زار اسرائيل خلال احتدام المعركة الانتخابية واعتمر طاقية اليهود وصرَّح بأنه لن يهادن في الدفاع عنها.
مما دُهشت له بحق أن البعض هلَّلوا وكبَّروا وكاد الفرح »يفقعهم« عندما قرأوا خبرًا يقول إن أوباما ينحدر من أصول سودانية وإن قبيلة والده هاجرت إلى كينيا من جنوب السودان خلال القرنين الماضيين بل إن عرمان بنزقه وخفته المعروفة أعلن أنهم سيحتفلون بفوز أوباما رسمياً... هذا ذكَّرني بأحد شيوخ الغفلة ممن بلغ بهم الفرح بعودة قرنق بعد توقيع نيفاشا درجة أن يقول إنه يتوقع أن يعلن قرنق اسلامه ولم يكن ذلك المسكين يدري أن قرنق لم يوقع نيفاشا إلا للقضاء على الاسلام. أعود لأوباما وأقول إن إحدى الصحف أوردت مانشيتاً يتحدث عن أصول أوباما السودانية!!
هؤلاء ينسون أن القبائل الافريقية في منطقة البحيرات والجنوب الافريقي بشكل عام كانت في حركة دائبة شأنها شأن الرحَّل في كل مكان والثابت تاريخياً أن القبائل الجنوبية الحالية نزح معظمها من منطقة البحيرات في قلب إفريقيا وهذا ما لا أريد أن أستفيض فيه الآن فضلاً عن أنه لم تكن هناك حدود جغرافية بين الدول الإفريقية بدليل التداخل القبلي الحاصل حتى اليوم في الحدود السودانية مع الدول المجاورة مثل الكنغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وأثيوبيا ولعل مشكلة جيش الرب إحدى افرازات هذا التداخل القبلي وهو أمر حادث حتى مع تشاد وإفريقيا الوسطى بل وفي شرق السودان مع اريتريا. على أن الطريف بحق هو أن كتابات كثيرة صدرت حول أصول أوباما وتساءل بعضها هل باراك أوباما أسود؟!
مما كُتب حول هذا الأمر أوردت صحيفة »سيتزن« الجنوبية بتاريخ ٠٢/١١/٨٠٠٢م مقالاً كتبه كمبرلي داكوستا من جامعة هارفارد بأمريكا أهم ما ورد فيه أن ديبرا ديكرسون الكاتبة الأمريكية السوداء الشهيرة قالت إن أوباما ليس من الذين تعارف الناس على تسميتهم بالسود لأنه لم ينحدر من العبيد وتعني هذه المرأة أن أوباما لم يكن أسلافه من الأفارقة الذين اختِطفوا من غرب إفريقيا واسترقوا وإنما ينحدر من أم بيضاء من الانجلوساكسون وأب لم يولد حتى في أمريكا ناهيك عن جده وكذلك فإن أوباما تربى في بيئة بيضاء بعد أن انفصل والده عن والدته ولما يبلغ عمره السنتين أو بالأحرى لم يمكث مع والدته سنتين لذلك فإن أوباما لم يعانِ أو يذق مرارة العيش في أتون الرق وظلماته وظلامه ولم يتقمَّص شخصية أجداده الذين عانوا من القهر الذي عكسه فيلم أو مسلسل »الجذور« لاليكس هيلي«.
وقال داكوستا »معظم الناس الذين يعترضون على الإشارة إلى أوباما بأنه أسود يعتبرونه أسود جزئياً من خلال والده لكنهم يؤكدون أنه ليس دقيقاً أن نسميه أسود وذلك لأنه ينحدر كذلك من أم بيضاء.. إنه في الحقيقة عرق مختلط«.
أقول لجماعة الحركة الشعبية المحتفين بأوباما إن منطلقاتهم العنصرية لا مبرر لها البتة فإن كان أوباما أسود من ناحية أبيه فإنه أبيض من ناحية أمه بل إنه أكثر بياضاً من كل شعب السودان الشمالي وإذا كانت الحركة تدعو إلى سيادة العنصر الزنجي وإقصاء الجلابة أو أبناء الشمال فإن الشماليين مثل أوباما تماماً ينحدرون من جنس مختلط زنجي وعربي بالرغم من أن العروبة في فقهنا لا تقوم على العنصرية وإنما على الثقافة »إنما العربية اللسان« بالرغم من ذلك فإنني مهيأ تماماً لأن ينحاز أوباما إلى الحركة الشعبية لسبب واحد هو أن أمريكا »المؤسسة« منحازة إلى مشروع السودان الجديد بل إن المشروع في الأساس مفهوم وإستراتيجية أمريكية لا يؤثر فيها أن يكون الحزب الحاكم في أمريكا ديمقراطياً أو جمهورياً وعلينا ألا ننسى أن كلنتون كان ديمقراطياً وقد عانى الشمال منه ما عانى من عقوبات وحرب شعواء وما قصف مصنع الشفاء عنا ببعيد كما أن فريق كلينتون المعادي للسودان الشمالي والمتعاطف مع الحركة يتحلق من جديد حول أوباما ومنهم سوزان رايس وبلندر قاست وغيرهما.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة