هذا المقال نشر في جريدة الأخبار السودانية بتاريخ 23/11/2008
الخطاب السياسى الجنوبى .. باجان أموم نمودجا
د. أمانى الطويل
[email protected]
زياره السيد باجان أموم للقاهره كانت مناسبه للأحتكاك المباشر بنوع من الخطاب الجنوبى يبدو سائدا بدرجات متفاوته فى المعترك الراهن للمشهدالسياسى السودانى . أهم مفردات هدا الخطاب تركز على أن مظالم الجنوبين متعلقه بظلم الشماليين أكثر منها بمشكله الأندماج الوطنى فى عموم أفريقيا و المترتبه على الأجراءات الأستعماريه فى السودان وغيرها من البلدان الأفريقيه بما شكل عائقا أمام تلاقح أبناء الوطن الواحد . وتؤسس هذه المظالم الشماليه طبقا لأموم أنطلاقا من تجاوز الشماليين لمطلب الفيدراليه مع أستقلال السودان الى حد انضاج مطلب الانفصال الراهن الذى يبشر أموم أنه الطريق الوحيد أما م أثبات الذات الجنوبيه والتخلص من المظالم فى أستفتاء 2011.
المنطلق الثانى لأموم فى تأكيد رجحان خيار أنفصال الجنوب هو مسأله عدم أنجاز عمليه التحول الديمقراطى فى الشمال و التردد فى |أنفاذ أتفاقيه نيفاشا . منطلقات هذا النوع من الخطابات الجنوبيه قد تبدو جاذبه بالتأكيد لعموم الجنوبيين ولكنها قد لاتبدو حاسمه أو كافيه فى تقديرنا للتصويت للأنفصال كما يرى باجان أموم و لعل أهم أسباب العجز عن الحسم لخيارات الجنوب المستقبليه هو نوع التحديات المتوقعه لخيار الانفصال وهو مايصمت عنه فى الغالب الخطاب السياسى الجنوبى راهنا حيث تجاوز القائد باجان فى القاهره عن مخاطبه المستقبل طرائق ووسائل التعامل مع تحديات الأنفصال التى أعترف بوجودها و لكنه لم يوضح الموقف أزاءها أو يتناول سبل التعامل معها اذا كان خيار المواطن الجنوبى هو الأنفصال وهو أمر لايفصلنا عنه سوى القليل من الوقت والكثير من الجهد اذا كان هو الهدف والمبتغى فى ضوء ما يراه أموم من سوء للأوضاع وتراجع لفرص الوحده الجاذبه .
فعلى سبيل المثال لاتبدو قضايا التنميه الأقتصاديه للجنوب وتحسن مستوى جوده الحياه مطلبا أقل أهميه للمواطن الجنوبى من مطلب الأعتراف بهويته المغايره أثنيا وثقافيا ودينيا فى ضوء ثلاثه أمورالأول سقوط المشروع الجهادى فى الجنوب من حيث التعريب والأسلمه القصريه والثانى التقدم الذى جرى فى السودان والاقليم من أعتراف بهذه المغايره والتعامل معها, والثالث هو أنعكاسات العولمه المعرفيه والأتصاليه على قضايا حقوق الانسان وفى القلب منها مسأله المواطنه المتساويه وهو الأمر الذى لم يعد معه من الممكن التغافل عن أهدار هذا النوع من الحقوق للمواطن العادى أو النخب السياسيه .
وبطبيعه الحال التحديات الماثله أما التنميه الأقتصاديه راهنا يؤثر فيها عدم تنفيذ الوعود بتمويل هذه التنميه من جانب المجتمع الدولى كما أقر أجتماع أوسلو للمانحين فى دورتيه الأولى والثانيه , ويزيد الأمر صعوبه الأنهيار المالى العالمى فالدول المانحه وضعت على سلم اولوياتها أنقاذ أقتصاداتها الذاتيه قبل السعى لانقاذ أهالينا فى جنوب السودان من معاناتهم .
الرقعه الجغرافيه الجنوبيه المغلقه تحدى مؤثر ازاء نجاح فرص التنميه الأقتصاديه فحركه الأستيراد والتصدير الحاكمه فى تحقيق النمو محاطه ببيئه أقتصاديه وسياسيه هشه مفتوحه على سيناريوهات القلاقل أكثر من وجود أمكانات الاستقرار وشروطه .
عوائد البترول كما أشعلت المعارك بين الشمال والجنوب فى الماضى القريب ربما سوف تعجز مع تدنى الأسعار والكساد العالمى الذى طرق الأبواب عن تلبيه الأحتياجات التنمويه فى السودان كله . أجمالا يبدو الظرف الأقتصادى الجنوبى يحتاج الى خطاب تفصيلى من القاده الجنوبين موجه الى مواطنيهم حتى يستطيعوا أن يقلصوا من حجم الهجره المعاكسه من الجنوب الى الشمال , بالأضافه الى القدره على جذب كتله تصويتيه ضخمه قدرها المبعوث الأمريكى السابق فى السودان نستيوس بأكثر من 2 مليون مواطن هؤلاء الذين فضلوا الاستمرار فى شمال السودان بعد عقد أتفاقيه نيفاشا ووقف أطلاق النار .
ويقع فى سياق أسباب العجز عن حسم مسأله أنفصال الجنوب ببساطه أن التحديات المتعلقه بالتحول الديمقراطى فى الجنوب ربما تكون أكثر تعقيدا وتشابكا من أحراز هذا المطلب على الصعيد الشمالى . التركيب القبلى الجنوبى , وحاله البنيه التحتيه أو أنعدامها ,وغياب مشروع سياسى مبلور فى السياق الجنوبى أضافه لأنتشار حاله الحسم السياسى بأستعمال السلاح كلها أدورا مهمه ومضافه الى المعوقات الحقيقيه أمام التقدم على الصعيد الديمقراطى , فضلا عن أن المخيله السياسيه الأفريقيه لديها فى المحيط الجغرافى المباشر لجنوب السودان الدرسين الكينى والكونغولى وكليهما يؤشران لحجم التحدى الكبير والمفصلى أمام التحول الديمقراطى , ودعونا نأمل أنه ربما يكون مؤتمر الحوار الجنوبى الجنوبى المنعقد حاليا أحد السبل للتعامل معه .
وفى يقينى أنه لم يعد من الممكن الركون الى مسأله نقض العهود الشماليه أو السيطره القصريه للهويه العربيه أو حتى التباطؤ فى تنفيذ أتفاقيه السلام كأسباب للوصول الى محطه أنفصال الجنوب فالمواطن الجنوبى الذى سوف يقدم على هذا الخيار لابد وأن يكون لديه خطاب مغاير من قادته يشرحون فيه أجنده المستقبل بأعتبارهم فاعلين فى الحاضر , وهو خطاب سوف يكون فى الميزان أزاء هذا الخطاب المنافس الذى يدعو للوحده على أسس المواطنه والمساواه , وهو الخطاب الذى أصبحت له تيارات مسانده من النخب السودانيه فى كافه القطاعات . خصوصا وان هناك من يشكو فى الشمال من التهميش وأتيان المظالم فى حقه وهو ماأطلع عليه باجان أموم فى نقابه الصحفيين المصريين أمام جمهور جنوبى واسع ومعتبر .
واذا كانت الحركه الشعبيه قد أحتفلت بفوز الرئيس الأمريكى باراك اوباما بما يفتحه ذلك من دلالات رمزيه ووجود أمكانيه لتداول المقعد الرئاسىبين الهويات والسحن فى كل أنحاء العالم فلابد من أدارك - خصوصا فى أوساط الحركه الشعبيه - أن هذا الفوز لم يتم الا بتجاوز أوباوما عن المسأله العرقيه التى وصفها الصديق والكاتب المرموق خليل العنانى الذى عاصر الحمله الأنتخابيه الأمريكيه بمابعد العرقيه ومابعد الأيدلوجيا ففوز أوباما تعبير عن حساسيه جيليه جديده فى أمريكا طرحت أجنده للمستقبل جرأت على الحلم وأستطاعت تحقيقه فى مجتمع مفتوح بأليات جديده أهمها أن اوباما لم يعلن أبدا أن ترشحه تعبيرا عن تمثيل للسود المهمشين فى أمريكا أو أن أنتصاره هو من أجلهم . خطاب فوز أوباما درس مهم للجميع عن الطرق الصحيحه للتغيير التى لم يثبت أنه من بينها عوده الحقوق للمهمشين ولكن دائما ماكان الخطاب الأوبامى هو تغيير الوطن نحو الأفضل للجميع
الجرأه على أعلان حلم سودانى جنوبى يتطلب نخبه تفارق هواجس الماضى وأمراضه وتضع مشكلات السودان فى سياقها الموضوعى والتاريخى وتخاطب المستقبل بأجنده قاعدتها الحوار ومصالح البسطاء فى جنوب السودان كخيار بديل عن صراعات النخب ومكائدها .
أن الأعلان المبكر من جانب الرئيس سلفا كير عن أولويه تنميه الجنوب عن ماعداه من أهداف وأغراض يبدو اللبنه الأولى فى أعلان الحلم السودانى ولن يكون هذا الأعلان ماثلا فى ذهنيه المواطن الجنوبى الا بخطاب تفصيلى ووعود يتم المحاسبه السياسيه عليها و يملكها الناخب صبيحه الاستفتاء.
انتهى ،،،،
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة