د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
نعم البترول
بالرغم من الانتقادات الكبيرة التي توجه للبترول و بوصفه كنقمة علي الاقتصاد السوداني الا ان نعمه لا تعد. لقد رفع البترول عبئا ثقيلا عن كاهل المواطن السوداني و كانت له العديد من الاثار الايجابية المباشرة و غير المباشرة عليه. يمكن القول في ان حكومة الانقاذ لم تنجح في شيء مثلما نجحت في استخراجها للبترول و ضخه في اوعية الاقتصاد السوداني. في هذه الحالة يجب ان توجه الانتقادات الي السياسات التوزيعية بما فيها آليات توزيع الموارد و الدخول و توظيفها و تمركزها و ان يتم النظر في قنوات الانفاق و اولوياتها و الآليات الخاصة بتخصيص الموارد و استخداماتها و مدي كفاءة ذلك الاستخدام و مردوده.
من اول مزايا البترول هي تخفيف العبء الضريبي ، اذ و في حالة غياب الايرادات البترولية للجأت الحكومة الي فرض المزيد من الضرائب و الرسوم و بالنظر الي كثرة الضرائب و ارتفاع عبئها و تعدد الجبايات السائد اليوم حتي مع وجود البترول لاصبح من الممكن تصور فداحة الامر في غيابه و هو المورد الذي يشكل حوالي 50% من الايرادات العامة بموازنة الدولة. اذن و لو لا دخول البترول في الموازنة لارتفعت تكاليف الانتاج بشكل اكبر بكثير عن ما هي عليه اليوم و لقلت الدخول و ارتفعت تكاليف التعليم و العلاج بشكل من المستحيل التكهن بابعاده الاقتصادية. اما سياسيا فان البترول كان له فعل السحر في تلين المواقف الحكومية حفاظا منها علي الثروة السوقية التي اصبحت تجري بين يديها و ذهبت في اتجاه الحوار و قبول التحول الديمقراطي و فك القبضة الشمولية المستحكمة. و من السذاجة بالطبع الادعاء بان ذلك هو العامل الوحيد و لكنه من العوامل القوية ، إذ الأغبياء فقط هم الذين يفرطون في مكاسبهم و يذهبون الي المغامرة بدلا عن الكسب المضمون. من ناحية ثانية كان البترول اهم قوة دفع للحركة الشعبية في قبول التفاوض و المضي به الي حد الاتفاق خاصة و ان الزعيم الراحل جون قرنق كان يتمتع برؤية ثاقبة و قراءة إستراتيجية للأحداث و لديه مقدرات فذة علي الاستقراء و التنبؤ بالمآلات المستقبلية. فوق ذلك شجع البترول الدول الاجنبية المستثمرة في السودان و الطامحة في الاستثمار فيه و المتأملة لموارده شجعها للحفاظ علي استثماراتها او تعظيم فرصها في الدخول الي السودان عبر بوابة الشمال او الجنوب.
يكتمل كل ذلك بالاثار الاجتماعية الموجبة و التي انعكست في بعض مشاريع التنمية و البنيات التحتية و تقديم الخدمات رغم ان هذا الجانب لا زال هو الأضعف في السياسة العامة في السودان. اذن و مع تأرجح اسعار البترول يجب التفكير في استغلاله في التنمية و تكثيف الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقي خاصة الزراعة و الصناعة كما يجب الضغط نحو تسوية الملفات السياسية العالقة و علي رأسها مشكلة دارفور كشرط لانجاز التحول الديمقراطي و تغيير قنوات الانفاق العام لتصب في مصلحة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و لتسهم الموازنة العامة بشكل فعال في الحد من الفقر و ترقية الخدمات العامة و احداث التنمية الشاملة بما فيها التنمية الريفية. اذن و حتي في الموازنة الراهنة للعام 2009م فان تسعير البترول ب 50 دولار للبرميل يعتبر مورد لا يستهان به و من هنا يجب البحث عن عيوب السياسات الاقتصادية العامة بعيدا عن البترول.
عن الوسط الاقتصادي
Dr.Hassan.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة