دارفور .. توصيات ملتقي أهل السـُودان والحـَل الناقـِص
حامد حجر
بالطبع يستطيع الرئيس البشير أن يدعو أي عددٍ من الضيوف في باحة قصره ، أو قاعة الصداقة والصَرف عليهم من حُرِ مال الشعب السوداني دافع الضرائب والدمغات المختلفة ، وتستطيع وسائل اعلامه أيضاً الإستنفار من أجل إخراج مثل هكذا حدث وتسويقه بطريقتها المعروفة ديموغوجياً ، محاولة لإضفاء هالة شعبوية إن جاز التعبير ، من شاكلة ( فلان بن فلان سلطان عموم دارفور ) في الوقت الذي لا توجد في هيكلية الإدارة الأهلية في دارفور مثل هكذا سلطان لا في الماضي التليد ولا في وقتنا الحاضر المأزوم ، حتي يتلفح برداء حزب المؤتمر الحاكم بينما يرزح شعب دارفور في معاناته علي أصقاع الدنيا الأربعة.
كما يستطيع فخامته إبتدار المسرح في كنانة وقاعة الصداقة والخروج بمقررات كثيرة كـ( مخرجات ) بعددٍ لا حصر لها من التوصيات الغير ملزمة بقوة أي عرف للجنرال الذي عهدناه يقول كل شيء في خطبه في الوقت ذاته الذي لا يفعل فيه شيئاً ، ويعِدَ الناس بالآمال الكبيرة بينما تعلم ذات الناس عدم مصداقيته التي إندلقت من بين يدي الرجل حينما حنث اليمين الغليظ والطلاق الذي لا رجعة فيه ، ليصبح كل ذلك مجرد كلام في السياسة يفتقر إلي النبل والإلتزام .
في عودة إلي إلي قضية دارفور العادلة لا تحتاج إلي تأليف كتاب للتوصيات ، كما فعلت لجان ملتقي أهل السودان ، وإنما تحتاج قضية دارفور إلي قرارات رئاسية شجاعة لا تتعدي عدد أصابع اليد الواحدة من قبل فخامة الرئيس ، لكن ، يختلف الأمر في حال انه غير راغب في ذلك ، وإنما يراوغ لشراء الوقت ولإنتظار جثة الثورة في دارفور لعل تيار الأيام ستأتي بها علي حافة النيل ، ويكفيه شر التفاوض وتقديم تنازلات سبق وأن تجرع سُمها في نيفاشا .
إن الإنطباع الأولي لمخرجات الملتقي هناك ما يزيد عن المائة من التوصيات الغير ملزمة بقوة أي قانون للرئيس غير النوايا الحسنة من قبل بعض المغفلين النافعين ، بين هلالين ، حسب أدبيات الحزب الشيوعي السوداني ، وآخرين هم في الأصل جزء من كمبارس مسرح كنانة وهم الأحزاب المتراضية والمتوالية والنطيحة والعرجاء ، كلهم مجرد إنتهازيين سياسيين وهي الطبقة السياسية نفسها التي أدمنت الفشل طوال النصف قرن الماضي من العهد الوطني . وهذا في حدِ ذاته إنما يدل علي عدم الجدية ومحاولة لتعويم المطالب الأساسية للثوار في بحرٍ من الكلام الإنشائي ، لأن مطالب الثوار وأهل الهامش في دارفور واضحة ولا حاجة لها لتأليف كتاب من الحجم الكبير ، كتلك الذي رفعه المشير سوار الذهب بكلتا يديه! من علي منبر قاعة الصداقة عند ختام الملتقي .
رغم الجهد الإعلامي الكبير الذي أحاط به حزب المؤتمر الحاكم ما سُمي بملتقي أهل السودان ، من رعاية وبروبوغاندا ، إلا أن بعد نهاية أعمال الملتقي ، والنظر إلي مخرجاته فإننا نستطيع أن نقول بلا إفتئات ( تمخض الفيل فولد فأراً ) ، بمعني أن تلك التوصيات لا ترقي إلي مستوي أن يقبل بها أغلبية أهل دارفور بشكل عام ، وثوار الهامش بشكل خاص لأنها ببساطة دون مستوي الطموح ، وأقل بكثير من ثمن تضحيات الدارفوريين جراء سياسات المركز ، إنها مجرد كلام في السياسة تزروه الرياح وتلوكها الفضائيات ليومٍ أو يومين وينتهي الأمر ، بتنظيف قاعة الصداقة من نوي التمر وقشور الفول مُدمسَ ، وتبدأ عزاء الرئيس في محنته وليس محنة أحد ما غيره في السودان ، وأقصد هنا محكمة لأهاي .
لأن قضية دارفور هي واحدة فقط من جملة قضايا تجعل من السودان واقفاً في أزمته الشاملة ، دون أن تستطيع الملتقي أن تتجرأ لتقديم قائمة جديدة للجنرال البشير ، ينصحه فيها بالتنحي عن سدة الحكم أو أن يقيم ولو مجرد سمناراً يناقش فيه قضايا السودان من شاكلة التحول الديمقراطي الحقيقي ، قضايا الحريات العامة ، الهوية السودانية ومؤسسة تدميرها ، قانون عادل للإنتخابات ، الفدرالية والحكم الذاتي ، الطائفية السياسية ، ودستور تستند علي المواطنة وليس علي الدين ، كما هو الحال في قيم النظام ، وقضايا أخري هي أُس مشاكل السودان وما قضية دارفور إلا الطافح من جبل الجليد .
هنالك أكثر من نقطة في توصيات النظام كانت تركز علي رشوة اللأجئين في مخيمات الكرامة ، ولأن النظام قد بذل الغالي والنفيس في السابق لإفراغها من قاطنيها وفشل فيها ولجأت مؤخراً إلي مجازر معسكري كالما وزمزم غربي الجنينة ، فإن توصيات الملتقي تجيئ للإلتفاف علي وضع اللاجئين ، كما إن تسارع توصيات النظام لجهة تناول مخيمات اللاجئين ليست لأسباب إنسانية كما تبدو للوهلة الأولي عندما يزرف القاتل دموع التماسيح علي ضحاياه ، وعندما يتكلم الملتقي ضمن توصياته عن السلاح في دارفور لا يقصدون بالطبع سلاح مليشيات الجنجويد التي تحولت إلي قوات حدود وشرطة تتبع للداخلية وإنما المقصود سلاح الثوار والتمهيد لقوات الحكومة لدخول أماكن قد عصت عليها دخولها بالحرب والعمليات ، فتريد حكومة الجنرال البشير اليوم إستحلال الأراضي المحررة ومعسكرات اللاجئين بالحيلة والخديعة .
من لا يتذكر الحجة الواهية التي تمترس حزب المؤتمر الوطني بها حينما أقدمت علي مجزرة كالما ، لقد قالوا بان هنالك سلاحاً داخل المعسكر ، الأمر الذي كذبته الأحداث فيما بعد الأحداث المؤلمة ، وتقارير القوات الأممية ومنظمات الغوث الإنسانية ، إذن تحاول حكومة الجنرال البشير وبأسم ملتقي أهل السودان هذه المرة لإجتياح المعسكرات مجدداً في دارفور الأمر الذي يتطلب من الثوار الجهوزية الكاملة وعدم الركون إلي ما سمي بوقف إطلاق النار من الطرف الحكومي لإحداث مفاجأة سوف لن تحمد عقباه ، لذا علي الثوار الزود عن أهلهم وأطفالهم في تلك المخيمات من إبادة وتطهير عرقي جديدين وما شراء حكومة السودان لطائرات مقاتلة من طراز ميغ تسعة وعشرين من روسيا بوتين إلا دليلاً علي أن منهج الحرب والقتل لدي الحزب الحاكم تأخذ أولوية في أجندتها ، بدلاً عن شراء الطعام والبيوت الجاهزة للمواطنين في دارفور.
في إطار مقررات ملتقي البشير تم رصد مبلغ زهيد جداً للتعويضات وهي بحق تسيئ إلي مقام الدارفوريين ، بتعبير آخر ( حُقرة ساكت ) إذا ما قورن بمبلغ شراء الماحقات من روسيا ، وهل تسوي تلك المبلغ المخصص للتعويض تضحيات أهل الهامش من أجل ثورتهم؟ الإجابة كلا بالطبع ، وبالتالي لا يوجد أخطلٌ في دارفور سيقبل بهذه الإهانة من مجرمٍ مطلوبٌ للوقوف أمام منصة العدالة ليرد علي السؤال بأي زنب قتل مائتا ألف ٍ من المدنيين العزلَ في دارفور دون أن يعترف أو يعتزر لذلك ، تماماً الأختشو ماتو.
حامد حجر [email protected]
15نوفمبر 2008-11-15
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة