|
|
Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55 |
جدلية الإقليم الواحد في دارفور بين طموحات الأبناء وأوهام المركز ؟؟ -1-
بقلم / شريف آل ذهب
لقد مضى على أهل السودان ما يزيد عن الخمسين عاماً وهم يتيهون في مجاهل السياسة بحثاً عن نظام مناسب للحكم يوطدون بها أواصر دولتهم المترهلة التي خلّفها لهم المستعمر الإنجليزي وهي على شكلٍ أشبه ما تكون بالعجينة المختمرة أو فوهة البركان الثائر الذي يقذف بالحمم في كل جانب دونما مُوجِه أو مُنظم يتحكم في تحديد مساراتها وإتجاهانها . وبذات الصورة انطلقوا بها يتجاذبونها ذات اليمين والشمال والوسط بين حظائر ما تسمى بالأحزاب حيناً ، ونحت أقدام العسكر وعقولهم المقفلة " ذات الاتجاه الواحد " أحايين أخرى ، ليُضيّعوها وسط هذه التجاذبات ومعها الشعب ، حنى عادوا بنا إلي مرحلةٍ تبدو فيها فترة حكم المستعمر أفضل حالاً مما هو كائن الآن ، ذلك أنه في تلك المرحلة على أقل تقدير كان الجميع فيها متساوون في المظالم والاضطهاد ، لذلك كانت الهبّة والنهضة جماعية للمقاومة رجاء التغيير نحو الأفضل وليس نحو الأسواء الذي يستبدل مستعمر خارجي بآخر داخلي ؟! مما أجاز للكثيرين من أبناء الهامش أن يصفوها بحقبة فشل النخب السياسية في البلاد ، وتحمل بهم مجدداً للبحث عن بدائل التغيير بذات الوسائل الثورية التي اجتثوا بها المستعمر الأول . وبكل أسف لا يزال هذا الباعث الهام جداً غائباً أو متغيباً عن مداراك تلك النخب المدمنة للفشل وإن اتسعت الدائرة لاحقاً لتتجاوز العقول الشابة وتمتد نحو الكادر القديم من رجالات الصف الأول كما نشاهدها هذه الأيام في صفوف بعض الأحزاب التقليدية ، وهو أمر جدّ هام يستدعي الوقفة والتأمل عنده ملياً ونناوله بشكل أوسع في دوائر الهامش باعتبارها ثورة رديفة لفورة شباب الهامش وما يستلزمه الأمر من رفدها وصقلها بخبرات الكهول ذوات العقول بما يعيد لها توازنها وتوطيد أقدامها للسير نحو الأفضل ، شريطة الاقتناع الكامل بالمشروع الثوري والعمل وفق قناعاته وقواعده المبنية على مفهوم الإنعتاق الكلي ، وهو نقيض التصور الآخر القائم على مرحلية الثورة لأجل خدمة برامج الأحزاب ومن ثم الانفضاض التلقائي عنها وترك زمام الأمر مجدداً للأحزاب كي تقود دفة الحكم في البلاد نحو إعادة إنتاج الأزمات( لنبدأها تاني من أولها ).
تثار هذه الأيام جدلاً واسعاً حول مصير إقليم دارفور أيبقى إقليماً موحداً كعهده منذ نشوء الدولة السودانية الحديثة ، أم يتم إقرار ما أحدثها نظام الإنقاذ من تقسيمات ولائية فيه ، بل وتضاف إليها أخرى وفق إعلان الرئيس البشير بموافقته على إقرارها كتوصيات منتقاة من بين ما تفوق المائة توصية من مخرجات ما تم تسميته بمؤتمر أهل السودان ؟؟ ويمثل هذا الجدل متاهة كبيرة على صعيد تخمير العقول حيث يريد النظام إشغالنا بها بغرض الإرباك حتى تضيع معالم القضية برمتها لتحل محلها مخططاتها القاضية بإقرار التقسيم في نهاية المطاف ، وهذا المخطط بكل أسف لا يستند إلي فهم استراتجيي فيه الصلاح للإقليم وأبنائه بقدر ما ينبع عن مكر سياسي مقيت يسنده تصور مائل يعتمد على تحليلات خاطئة بعضها يعود إلي تداعيات مخرجات نيفاشا التي أقرّت حق تقرير المصير لإقليم الجنوب برمته وما أعقبها من استدراكات وخلافات بينية - حتى - ، وبعضها تعتمد على تخوفات غير مبررة لبعض تكوينات الإقليم من ذوي النفوذ في هذا النظام ، من سيادة مجموعات أخرى على حسابها في إدارة الإقليم ؟؟ وبكل أسف مثل هذه الترهات يمكن أن تستقيم أو نستوي وتغطي على عقول بعض الناس تحت أجواء التلغيم والتسميم الملبدة بالضباب الكثيف التي أحدثها هذا النظام ، ولكن حالما يتم سحبهم عن دائرة تأثيرها فستعود العقول إلي طبيعتها لتستوي عليها الفهم السليم ، فنحن في إقليم دارفور ظللنا منذ الأزل نسيجاً اجتماعياً مترابطاً متماسكاً تحكمنا قيمنا السمحة وأعرافنا الراسخة الجذور في قدم التاريخ ، لذلك فليس من المستصعب البتة أن نوجد صيغة توافقية نتمكن أن ندير بها شأن إقليمنا الموحد ، وهذه الجزئية تحديداً تنقلني مباشرةً للتحدث عن الصيغة العامة في كل البلاد التي يجب إقرارها لتكون أساساً للحكم فيه ؟ فإن كانت الصيغة فدرالية .. وهي التي نميل إليها جميعنا تقريباً ، فلا شك أن النظام الفيدراري إذا ما جرى تطبيقه وفق نهجه الصحيح فإنه يصلح أن يكون أساساً سليماً للحكم في بلادنا بحيث يستوعب كافة أجزائها بتناقضاتها المختلفة . وهذا يستدعي بنا بشكل حتمي الإنعكاف على دراسة كافة النماذج الفدرالية الأخرى التي جرى تطبيقها في دول العالم من قبلنا وانتقاء منها ما يماثل وضعية بلادنا السودان ، ولكن كي ما نحسم ذلك الأمر فلابد لنا أولاً من حسم الجدل الفكري الدائر حول أساس تكوين الدولة السودانية ، والإجابة على السؤال المصاحب له وهو : هل برزت الدولة السودانية ككيان ، نتاج توليفة لمجموعة من الدوليات المستقلة جرى ضمها وتوحيدها عن طريق المستعمر ، أم أنها كانت كياناَ متحداً كحالها اليوم ؟؟ . اعتقد بأن الإجابة على هذا السؤال الهام هو الذي سينقلنا مباشرة إلي المربع التالي الذي من خلاله نتخير ما يوافق طبيعة بلادنا من نماذج الحكم الفيدرالية المطبقة في البلاد الأخرى ، وأمامنا أمثلة عديدة ، كتجربة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وسويسرا ، الناشئة عن اتحاد أقاليم كانت مستقلة عن بعضها تماماً ، بينما في الجانب الآخر توجد كل من نيجيريا والهند وغيرها من الفدراليات الناشئة عن تنظيم إداري لعدة أعراق وقوميات اثنيه ودينية مختلفة تضمها كيان واحد . وفي كلا الحالتين يتطلب الأمر مزيداً من الفهم الدقيق لمصطلح الفدرالية والقناعة التامة بها حتى يتم إنزالها على أرض الواقع بذات المستوى تلافياً لبروز إشكالات مستقبلية قد تقود للانتكاسة مجدداً ولا سيما في الجانب المتعلق بالصلاحيات .
وإذا ما تحرك الجميع في السودان وفق كل ما ذكرنا وبمستوى موحد من الفهم والإدراك نحو تثبيت قواعد الحكم السليم في البلاد دونما مكائد أو أحقاد لبعضهم البعض وترفعوا بذواتهم عن المنافع الشخصية والحزبية الضيقة ، فيقيني التام أننا سوف لم نواجه أيما أشكال في مجال التقسيمات الولائية بالبلاد وسوف لم يتحرّج أو يرتاب أحداً ما عندئذٍ من بقاء دارفور إقليماً موحداً كما كان في السابق ، لا سيما إذا أخذنا في الحسبان بأن النظام الفدرالي في ظل الدولة الديمقراطية يتيح لأهل كل إقليم حق انتخاب واليهم ومجالسهم النيابية فضلاً عن تمتعهم بدستورهم الخاص بهم في إدارة شئونهم وأنظمتهم القضائية ومحاكمهم الخاصة وكذلك أجهزنهم الإدارية ومجالسهم التشريعية ، مما يعني بأن الوصول إلي الحكم سيكون عبر الوسائل الديمقراطية التي لا تقصي أحداً كائن من يكن إلا منْ خانته ظروف حزبه وهذا أيضاً يمكن تلافيه باعتماد نظام انتخابي جديد يقوم على أساس القوائم الحزبية حتى تتاح الفرصة لأكبر قدر ممكن من التنظيمات كي تشارك في إدارة شئون الدولة أو الإقليم ، وفي تقديري أن هذا هو أفضل مثال يمكن أن يلائم وضعية إقليم دارفور تحديداً في المرحلة المقبلة حتى يتخطى الناس ما شاب نسيجهم الاجتماعي من عوالق ، لا سيما وأن هذا المثال هو أقرب ما يكون للنظام الإداري القديم في الإقليم وبخاصةً في جوانب التقسيمات الإدارية المحلية والتي كانت تمثلها الإدارات الأهلية ، حيث كل دارة وإن حملت اسماً للفئة السكانية الغالبة أو الحاكمة فيها إلا أنها كانت تمثل بذاتها وحدة إدارية ضمن المنظومة الفيدرالية للإقليم الذي حمل اسم دارفور وفقاً لذات الفهم عطفاً على القبيلة التي ينحدر منها السلالات الحاكمة في السلطنة الأم (( دولة دارفور الكبرى )) . وبإمكاننا إسقاط ذلك على النظم الإدارية الحديثة بقلب كل دارة إلي محلية أو محافظة عوضاً عن تسميتها بالولايات بينما يبقى الإقليم بكامله ولاية واحدة ، ولعل هذا الفهم الخاص الذي يستصحب الماضي ويسقطه على الحاضر هو الذي حملنا في السابق "وما نزال " بالدعوة إلي استقلال دارفور حتى تعود الكيانات ( الأقاليم ) إلي أصلها وتعيد ترتيب أوضاعها وفق نهجها الخاص الذي يعتمد على خصوصياتها لا سيما في مجالات نظمها الإدارية إضافة إلي تحركها نحو استغلال مواردها الخاصة بها ومن ثم بالإمكان مجدداً البحث عن صيغ الاتحاد الملائمة مع بقية كيانات السودان الجديد ، وهذا الفهم ينسحب أيضاً على الجنوب فضلاً عن بقية الأقاليم المشابهة . نواصل ...
|
© Copyright by SudaneseOnline.com
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة
الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة
عن رأي الموقع