المتصوّفون الضّاحكون*
تحريرُ وترجمة:- إبراهيم جعفر
إلى الإنسان الرّاحل:- عصام الخوّاضْ
كان هنالكَ ثلاثةُ متصوِّفِينَ صينيِّينْ. لم يكن أحد يعرف أسماءهم. كانوا فقط يُعرفونَ باسم "الحكماء الثلاثة الضاحكين". وذلك لأنّهم لم يفعلوا شيئاً في حياتهم سوى ذلك:- هم كانوا، ببساطة يضحكون.... كانوا يرتحلونَ من بلدةٍ إلى بلدةٍ أخرى، وهم يضحكون.... كانوا يقفون في وسط السوق ويضحكونَ ملءَ بطونهم.... كان السّوقُ كُلُّهُ، آنذاكَ، يُحيطُ بهم. كلُّ الناس يجيئونَ إليهم. الدكاكين كانت تُغلق حينما يحضرون والزبائنُ كانوا ينسونَ ما الذي هم جاؤوا لكي يشترونه. كان أولئك الثلاثة من النّاس جميلينَ حقّاً- يضحكون فتهتزُّ وتتموّج بطونهم.
حينذاكَ كان الضّحكُ يصيرُ عافيةَ مُعدِيَةً فيبدأ النّاسُ الآخرون الضّحك. عندها كان يضحكُ كُلُّ أهلِ ساحةِ السّوقْ. إنّهم كانوا يُغيّرونَ نوعيّة ذلك المكان الذي كان يُسمّى "سُوقَاً". ولئن قال لهم أحد الناس، حينذاك:- "قولوا لنا شيئاً" فهم يردُّونَ عليهِ قائلين:- "ليس لنا شيئاً نقوله. نحن فقط نضحك ونُبدّل نوعيّة المكان". هم فعلاً كانوا يُبدّلونَ أيَّ محلٍّ يحلّونه نوعيّاً. فقبل أن يحلّوا في صقيعةِ السّوقِ كان ذلك المكانُ يبدو قبيحاً حيث لا يُفكّر النّاسُ في شيءٍ سوى المالِ- يستشرهون إلى المالِ ويغدو الطّمع ربّهم والمال هو كلّ ما هم منسوجونَ منه. ثمّ، فجأةً، يجيء أولئكَ المجانين- أولئك الدّراويش- الثلاثة إلى المكان ويضحكونَ فيُغيّرونَ، توَّاً، نوعيّةَ كلِّ جُوَاءِ ساحةِ السّوق.
حينذاكَ لا يعد أحدٌ من النّاسِ "زبوناً". فهم ينسونَ، يَومَذَاكَ، أنّهم قد جاؤوا إلى ذلك المكانِ لكي يشتروا ويبيعوا. لا يعبأ امرئٌ، أو امرأةٌ، يومذاكَ، بشأنِ الطّمعِ فهم آنئذٍ يكونونَ، جميعاً، ضاحكينَ وراقصينَ حول أولئكَ المجانين- أولئكَ الدّراويش- الثلاثة ومن ثمََّ يبدأُ عالَمٌ جديدٌ في التَّفتُّح.
كان الثَّلاثةُ إيّاهم يسوحونَ في كلِّ أنحاءِ الصّينْ، من بلدةٍ إلى بلدةٍ، ومن قريةٍ إلى قريةٍ، يُضحِكُونَ النّاسَ ويُبهِجُونَهُمْ ويُفتِّحونهُمْ. الحزينون من النّاس، الغاضبون والجّشعونَ والغيورون منهم:- كُلُّهُم كانوا يعمهونَ في الضّحكِ معهم. وكثيرونَ كانوا، آنذاكَ، يتحسُّونَ مفتاحاً بديعاً من مفاتيحِ الدّنيا إذ يتحقّقونَ من كونِ أنّه يمكن للإنسانِ أن يتحوَّل.
ثمّ، في إحدى القرى، حدث أنّ أحد الثلاثة قد مات. تجمّع أهلُ القريةِ وقالوا:- "الآنَ ستبدأ المتاعب. الآنَ سنرى كيف هما سيضحكان. إنّ صاحبهما قد مات؛ يجب عليهما أن يبكيا". لكنّهما حينما أتيا كان الإثنان يرقصان، يضحكان ويحتفيان بالرّاحل. "هذا شيءٌ شاذٌّ جدّاً. إنّه سلوكٌ غيرُ لائق. فحين يموتُ الإنسان يكون شيئاً دنيويّاً وغيرَ رصينٍ أن يضحك الإنسان ويرقص"، قال أهلُ القرية.
"لكنّكُم لا تدرونَ ماذا حدثْ! نحنُ الثلاثة كنّا دوماً نفكّرُ في من هو الذي سيموتُ فينا أوّلاً. وهذا الرّجلُ قد كسبَ الرّهانَ ونحنُ قد هزمنا. ثمّ نحن قد ضحكنا معه مدى الحياة فكيفَ لنا أن نهبه وداعاً أخيراً على أيِّ هيئةٍ أخرى غيرِ هذه؟ - كان علينا أن نضحك؛ كان علينا أن نبتهج؛ كان علينا أن نحتفل. ذاك هو الوداع الممكن الوحيد لرجلٍ ضحك آناءَ حياته كلّها. ولئن نحن لم نضحك سيضحك هو علينا- من وراءِ حجابِ غيابِهِ- وسيُفكّر:- "أيّها الأغبياء! إذاً أنتم قد وقعتم، ثانيةً، في الشِّرَاكْ؟" نحنُ لا نراه على أنّه ميّتْ. أنّى للضّحكةِ أن تموت؟ أنّى للحياةِ أن تموتْ؟"
لم يفهم أهلُ القريةِ ذلكَ عن أولئكَ الحكماء ولم يشاؤونَ المشاركة في الضّحكِ في ذلكَ اليوم.... ثُمَّ آنَ للجّسَدِ أن يُحرقْ فقال أهلُ القرية:- "سنُهيِّئُ جُثْمَانَهُ بغسلٍ كمات قضت بذلكَ الشّعائر والطّقوس". لكنَّ الصّديقينَ قالا لهم:- "لا تفعلوا ذلكَ فصديقُنَا قد قال:- "لا تُمارسُوا أيَّ شعيرةٍ أو طقسٍ ولا تُبدّلُوا ملابسي ولا تُهيِّئُونِي بغُسلٍ حين أرحل عنكم. فقط ضعوني كما أنا على نارِ المِحرقَةْ". عليهِ ينبغي علينا أن نتصرّف وِفقَ إرشاداتِهِ".
ثُمَّ، فجأةً، كان هنالكَ حدثٌ عظيم. فحينَ وُضِعَ الجّسَد على النّار لعب ذلك الرّجل العجوز خُدعتَهُ الأخيرة. كان الرّجلُ إيّاهُ قد خبّأَ مفرقعاتِ ألعابٍ ناريّةٍ عديدةٍ تحتَ ثيابهِ فإذا بالنّاسِ يغدونَ، فجأةً، في كرنفال أنوارٍ متوهّجَةً في الفضاء!
إستغرقت القريةُ جميعها في الضّحكْ. كان أولئكَ الصديقين المجنونين يرقصان فبدأت القريةُ جميعها، كذلكَ، في الرّقص. لم يَكُنْ ذلكَ موتاً، بل كانَ حياةً جديدةْ.
* الحكايةُ مأخوذةٌ عن:- حياةٌ، حبٌّ وضَحِكٌ، بقلم:- بهاقوان شِرِي راجنيش، زي ريبيل للطباعة والنّشر، كولِن، ألمانيا الغربيّة، سبتمبر 1987 (الطّبعة الأولى): -
Love, Life, Laughter, Bhagwan Shree Rajneesh, The Rebel Publishing House GmbH, Cologne, West Germany, First Edition: September 1987.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة