مقارنات لازمة
أوباما وزعماء حركات دارفور..!
بقلم: ضياء الدين بلال
[email protected]
الملاحظة التي سجلها المحلل السياسي في احدى القنوات الفضائية تبدو جديرة بالانتباه..وهي ان انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الامريكية يعتبر أمراً ثورياً. ولكن من السذاجة ان يتوقع البعض ان طريقته في الحكم ستكون ثورية كذلك..!
-2-
ذات الفكرة جاءت على لسان كبير المفاوضين الإيرانيين السابق في الملف النووي علي لاريجاني رداً على تصريحات اوباما في اول أحاديثه الاسبوعية ، حينما قال ان امتلاك ايران للطاقة النووية أمر غير مقبول. فعلق لاريجاني : (يبدو ان التغيير الذي حدث في امريكا تم على مستوى اللون فقط.. لا على مستوى السياسات)..!
وقبل أن تكتمل فرحة الفوز داخل وخارج أمريكا، جاءت الاخبار ببعض المحبطات أولها:
تظاهر العاملين في حملة أوباما بحجة ان الرجل لم يف بالتزاماته المالية تجاههم قبل ان يشرع في الايفاء بوعوده للناخبين.
الثانية احبطت مناصريه من العرب والمسلمين ، حينما اختار رام إيمانويل لشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض،.وهو الذي لم يعرف عنه مناصرة اسرائيل فقط ، بل من الذين كانوا ضمن جيشها في حرب الخليج.
-3-
ذلك وغيره لا يقلل من قيمة الانجاز الحضاري الذي حققه المجتمع الامريكي وهو يتجاوز فواصل اللون وإرث الماضي لينتصر لما هو انساني.
نتيجة الانتخابات الامريكية هى انتصار للمجتمع الامريكي قبل ان يكون الانتصار عائداً لاوباما وحزبه الديمقراطي..!
-4-
ومكونات هذا الانتصارمصدرها : ان الصعود في ذلك المجتمع يتم عبر روافع الكفاءة والتميز لا على مساند التفاضل العرقي والتمايز اللوني.
وأمر آخر مهم اقترن بذلك الانتصار : هو الدرس الذي قدمه الشعب الامريكي لشعوب العالم في كيفية معاقبة الحاكمين حينما يسيئون لشعوبهم بالسياسات الخرقاء والافعال الطائشة دون ان يضعوا حساباً ليوم الفصل الانتخابي.
-5-
صحيح تماماً ان التصويت لاوباما كان في بعضه تصويتاً عقابياً ضد سياسات بوش وحزبه الجمهوري خاصةً سياسته في العراق..وتلك السياسة راح ضحيتها عدد من الزعماء والقيادات . وهي كما قادت صدام حسين نحو مشنقة الصدريين، قادت كذلك عدداً من الزعماء والوزراء نحو مقصلة التاريخ..!
حرب العراق اسقطت رئيس وزراء اسبانيا خوسيه ماريا أزنار وخصمت من سنوات توني بلير وأجبرت بورتر جوس مدير المخابرات الامريكية ورامسفيلد وزير الدفاع وكولن باول وزير الخارجية على الاستقالة المذلة . كل هؤلاء استقالوا لعلهم يكونوا فداء لحزبهم ورئيسهم ,ومرشحهم القادم من الهزيمة المهينة التي لم ينجوا منها..!
ومشهد آخر أكسب أمريكا احترام العالم وهي الطريقة التي تلقى بها الحزب الجمهوري الهزيمة..عندما بادر جون ماكين باعلان انتصاراوباما وقال (ان اوباما كان قبل قليل منافسي ولكن الآن هو قائدي).
-6-
كثيرون ادخلتهم تلك التجربة في مقارنات بين واقعهم والنموذج الامريكي. كان أولهم البروفيسور عبد اللطيف البوني الذي سجل في افاداته ملاحظات بالغة الاهمية في المقاربة بين الحركة الشعبية ونموذج أوباما. ومن أفضل هذه المقارنات تلك التي جاءت بعد ساعات من اعلان الفوز التي اجراها الاعلامي السوداني الرفيع فوزي بشرى بقناة الجزيرة . حيث استطاع في مساحة موجزة لا تتجاوز الخمس دقائق ان يجري مقارنات بالغة الدقة تفضح تضاد المعاني وتباين القيم السائدة في فضاء السياسة العربية والافريقية والراسخة في أرضية النموذج الامريكي.
والمفارقة في طرق التغيير جاءت في اوضح صورها عندما تزامن فوز اوباما مع محاصرة المتمردين الكنغوليين لعاصمتهم سعياً وراء اسقاط حكم جوزيف كابيلا.. وهى ذات الطريقة التي وصل بها كابيلا الأب الى الحكم .. لتدور الدائرة على ابنه بعد ان اغتيل الاب برصاصات قريبة المصدر.
-7-
هذا هو نموذج التغيير السائد في المنطقة الافريقية لا يأتي عبر أصوات المواطنين ولكن عبر الجماجم المسافرة الى الآخرة على رسائل الرصاص.وهو تغيير مؤقت ريثما يقوى عود المهزوم ليرد الكرّة بمثلها..ليظل الجميع في دائرة من العنف المغلق ، بينما يصعد الآخرون على بناء تجاربهم الى النموذج الذي انتج أوباما.
ماذا كان سيحصد الدكتور خليل ابراهيم اذا سيطر على العاصمة يومها في العاشر من مايو؟.. وما الذي كان سينتهي اليه آباء أوباما، اذا كان خيارهم مناهضة الفصل العنصري ، عبر العمل العسكري الزاحف من الاطراف الى مركز الحكم بالبيت الابيض بواشنطن؟!
خليل كان سيفرح بانتصاره وانتقامه من خصومه لايام أو لأشهر او قل سنوات تزيد او تنقص عن ايام (اسرة كابيلا).. الى ان تستعيد المجموعة النيلية- حسب وصفه - قوتها لتقود حركة تمرد زاحفة من الحدود المصرية أو الليبية الى الخرطوم كما قاد خليل قواته من الحدود التشادية الى العاصمة.
-8-
واذا كان خيارجدود وآباء وأشقاء الجدة كاكا التي تحدث عنها باراك في خطاب النصر وقال انها صوتت له بعد أكثر من مائة عام ، كانت فيها تحت اسر العبودية.. واذا كان خيار مارتن لوثر كنغ مناهضة الفصل العنصري عبر العمليات المسلحة.. هل كان سيصل رجل أسود الى البيت الابيض ..؟!!
السؤال مطروح للذين يحاولون بحجج واهية ومواقف عصابية ان يقرنوا نموذج أوباما بالحركات الثورية بدارفور.
ويبررون لحمل السلاح بأن النظام القائم في السودان لا يماثل النظام الامريكي في التعامل مع الخصوم ولا يتيح لهم ما يتاح في ما وراء الاطلنطي..!!
-9-
وكم هي مقارنة رعناء القياس عرجاء البال .. لا لشئ سوى ان النظام الامريكي وصل الى ما وصل اليه من اغتيال مارتن لوثر كنغ (الذي لم يحرق مطار فرجينيا..!) وتطور من منظمة كوكس كلان التي تخصصت في إعدام السود الى عصر المنظمات التي تسعى لتحريرهم مثل منظمة البارونة كوكس. وتطورالقانون الأمريكي بعد ان كان يغرم المرأة السوداء إذا زنا بها رجل أبيض ويفرض عليها علاجه من مرض السلس أصبح يشجع على زواجهما ، والقانون الذي كان يعاقب على تحرش الرجل الأسود بامرأة بيضاء بالإعدام، أصبح يعاقب على نظرات الاحتقار للسود ، ويسمح لحسين أوباما الافريقي المسلم بأن يتزوج من سليلة الاسر الانجلو ساكسونية.
-10-
حدث كل ذلك دون ان يطلق مارتن لوثر رصاصة واحدة ضد الدولة الامريكية . بل حدث العكس فمارتن لوثر كنغ لم يقتله صقيع روسيا لانه التجأ اليها ومن هنالك (أصبح يدير المعارك بالموبايل) كنغ اغتيل لانه أعلن عن حلمه داخل وطنه... وسعى لتحقيقه عبر النضال المدني الصبور!
-11-
نعم ..طمعاً في قليل من الامل من الافضل للجميع الاستفادة من التاريخ لا ان يعتقلوا أنفسهم في مراراته..سر نجاح أوباما انه لم يصعد للسلطة على جماجم أهله ولم يدخل البيت الابيض بأجندة الغبن والانتقام.. انتهى زمان التغيير الثوري الفوري الدموي ، الذي يأتي على حساب الشعوب ليحقق أحلام المغامرين.الرسالة واضحة نقولها مرة أخرى: (المناضل يضحي بنفسه فداءً لأهله.. لا العكس)....!.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة