د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
اوباما – خمجان الرئيس
ما حدث في انتخاب باراك اوباما رئيسا يحمل الرقم 44 للولايات المتحدة الامريكية لا يحدث الا في الاحلام و في تلك البلاد ايضا. لقد اكتسح سيناتور الينوي المنطلق من شيكاغو الانتخابات بشكل غير مسبوق ، اذ صوت له اكثر من 90% من الامريكان من اصل افريقي و 60% من الشباب و مثلها من البيض. بذلك احدثت امريكا نقلت تاريخية نوعية تم التخطيط لها بعناية و تغذيتها برافعات قوية استطاعت ان تقاوم اشد التحديات ضراوى في تاريخ حملات الانتخابات الرئاسية في امريكا منذ نشأتها و حتي اليوم. بذلك استحق اوباما ان يكون له تقويم جديد هو ( BB) اي ما قبل اوباما ( Before Barak) . كما ذكرنا في مقالات سابقة فان الولايات المتحدة الامريكية لم تنتهز السانحة التاريخية التي اتيحت لها لتسيد العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و منظومة المعسكر الاشتراكي في شرق و وسط اوربا لاعلاء راية القيم التي ظلت تنادي بها من حرية و ديمقراطية و حقوق الانسان و اشاعة روح العدالة و تكافؤ الفرص. لم تحسن استغلال تلك السانحة و انما اساءة استخدامها خاصة بعد احداث 11 سبتمبر 2001م و اشعلت ما سمي بالحرب علي الارهاب و اجتاحت دولا مستغلة ذات سيادة و سامت شعوبها العذاب. اضافة لذلك لم تتعامل امريكا بايجابية مع المشاكل الكبري التي تشغل العالم مثل قضايا التنمية و مكافحة الفقر و معالجة المشكلات البيئية بل بالعكس سعت لتاسيس نظام اقتصادي و تجاري عالمي مختل و غير عادل . فوق ذلك مارست امريكا التعدي علي شعوب العالم بمختلف مواقعها و انتماءاتها خاصة تحت قيادة الجمهورين في فترتي رئاسة جورج بوش الابن فلم توفر الصين او روسيا و استعدت ايران و كوريا الشمالية و استفذت دول امريكا اللاتينية و لم تفعل شيء للغطرسة الاسرائيلية و جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
في ظل تلك الاحداث اصبح العالم يتجاوز امريكا فبدأت انتفاضة في ما يسمي( بالفناء الخلفي) في امريكا اللاتينية التي اصبحت تتحول الي اليسار بخطي متسارعة. تغيرت الانظمة في فنزويلا و البرازيل و شيلي و البراغوي و في نيكاراغوا و كاد مرشح اشتراكي ان يصل الي الحكم في المكسيك لو لا تدخل الالة الامريكية لمنع ذلك باساليب ملتوية لا زالت المكسيك تعاني منها ، المكسيك تلك البلاد التي يقول اهلها انها ( ابعد البلدان عن الله و اقربها للولايات المتحدة الامريكية ). لم يتوقف التغيير عند ذلك الحد فقد اطاحت الازمات المالية المتكررة بالنمور الاسيوية و حل مكانها كل من الصين و الهند كدول صاعدة . تحت ضغط الازمات الاقتصادية و تصاعد تكلفة الحرب التي وصلت في بعض التقديرات الي 6 بليون دولار يوميا استطاعت روسيا المعادل الوحيد للقوة النووية الامريكية في العالم ، استطاعت اعادة بناء اقتصادها و ترميم نظامها السياسي و الاجتماعي و الاعلامي و اعادة تأهيل قوتها العسكرية و الامنية و تكوين احتياطات ضخمة من الذهب و العملات الاجنبية. في ظل فورة اسعار النفط و الغاز التي غذتها حروب امريكا علي الارهاب و انخفاض قيمة الدولار و تدني الاحتياطات الامريكية استطاع الدب الروسي ان يزحف من وكره نحو اوربا و ان يمدها بانابيب النفط و الغاز التي اصبحت شريان الحياة الرئيسي الذي يضخ الدم في قلب الاقتصاد الاوربي و لن تجد اوربا فكاكا من قبضة الطاقة الروسية علي المدي المنظور. في نفس الوقت تمدد النفوذ الصيني في اسيا و افريقيا و عندما حاولت امريكا ان ترفع زراعها الطويلة لتضرب بها كل من روسيا و الصين عاجلتها الازمة المالية العاصفة بضربة قاضية لا زالت تتلوي منها و تحاول التداوي.
في هذا الوقت تم البحث عن مخرج بتغيير دراماتيكي يحدث ثورة امريكية في العالم و ربما اتي باراك اوباما تحت هذا السيناريو. و الا كيف يأتي رجل من القاع عاش في اطراف امريكا لاب مسلم آت من كينيا و ام تكافح من اجل العيش ليكون رئيس لاقوي دولة في العالم تستحوذ علي اكثر من 20% من الناتج العالمي؟ كيف يحدث ذلك في بلد يستمد فيه النفوذ و السلطة من المال و القوة لدرجة تصل الي حد القتل مع قول لين مثل ( انها ليست مسألة شخصية و انما هي الاعمال ) و يلي ذلك طلقة في الدماغ. صحيح ان اوباما ذكي و موهوب و يتمتع بصفات شخصية تؤهله لان يصبح رئيسا لاقوي دولة في العالم. و لكن صحيح ايضا كما قال هو ان الانتخاب لا يحدث لشخص معين و انما لمباديء و قيم تؤمن بها امريكا. لقد قررت القوة الفاعلة في امريكا احداث تغيير كبير سيحدث ثورة عالمية في انتزاع الحقوق و التغيير و سيحدث حراكا كبيرا في المجتمع الامريكي و يفعل طاقات خامدة و مهملة و يعطي قوة دفع جديدة لمرحلة جديدة من تطور الرأسمالية الغربية التي تقف علي راسها الولايات المتحدة الامريكية. و لكن كل ذلك لن يكون سهلا مثل تناول كوب من الماء . لقد اشار اوباما الي كبر المشاكل و التحديات التي ستواجهه عندما يجلس علي كرسي الرئاسة في 20 يناير 2009م. لقد اشار الي حربين و ازمة مالية طاحنة و كوكب في خطر محددا بذلك المشاكل السياسية و العسكرية و الاقتصادية و البيئية التي تشكل تحديات قاتلة لنجاح مهامه. ستكون التحديات كبيرة رغم وصول اوباما الي البيت الابيض معززا بفوزا مريحا و لكن ليس حاسما في الكونغرس بمجلسيه و سيجعل ذلك من فترة رئاسته اكثر سلاسة منها في حال غياب ذلك العامل.
تتلخص اهم التحديات التي تواجه الرئيس المقبل اوباما في :
1- المشكلات مع المجمع الصناعي العسكري المرتبط بالبنتاغون
2- مشكلة الازمة المالية و استقطاب الاموال و الاستثمارات اللازمة للخروج منها و تجنب الركود الاقتصادي الشامل
3- مشاكل التجارة الخارجية و الحزم المرتبطة بمنظمة التجارة العالمية ( WTO )
4- المشاكل المرتبطة بجماعات الضغط و منها اللوبي الصهيوني و اللوبي المالي المرتبط ب ( Wall Street) و المتربص بالرئيس الجديد
5- مشاكل التوازن الاستراتيجي العالمي خاصة مع روسيا و الصين و المشكلة الايرانية و بقع التوتر العالمي . يضاف لها التركة الثقيلة لادارة بوش بملفات الحرب علي الارهاب و التدخل العسكري الامريكي في افغانستان و العراق.
6- المشاكل المرتبطة بالامم المتحدة و الشرعية الدولية و احترام القوانين و المعاهدات الدولية
7- حسم مشاركة الولايات المتحدة حول مشاركتها في القضايا الدولية الكبري مثل مكافحة الفقر و مرض الايدز و المساهمة بفاعلية في التصدي للمشكلات البيئية
8- تحسين صورة امريكا التي شوهتها الادارة الحالية لبوش و التصالح مع العالم.
يبقي علينا و امثالنا من دول العالم الثالث ان نقدم اوراقنا للتعامل مع الادارة الامريكية الجديدة و لكن بشروط مجزية تضمن التبادل اللائق للمصالح المشتركة و احترام حق شعوبنا في الحياة الكريمة و المحافظة علي سيادتنا الوطنية و احترام ما نؤمن به من قيم و حقنا في ان نختار النظام السياسي و الاجتماعي الذي نريد و عندها يجب ان نكون منفتحين تماما لاي تعاون اقتصادي و استراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية.
اخيرا انتهز هذه الفرصة لكي اهني الاخوة العرب بوصول اول رئيس ( اسود ) الي البيت الابيض و نتمني ان يقدموا شروطهم للتعاون مع الادارة الامريكية الجديدة بدلا من المنافع من طرف واحد ، و نقول لهم اعوا شعار حملة باراك اوباما جيدا ذلك الشعار المرتبط بتحدي الصعاب و تحقيق اهداف التغيير و الذي يقول نعم نستطيع " Yes WE Can ".
ان كل ما حدث في يوم 4 نوفمبر 2008م يعبر عن حيوية المجتمع الامريكي و مقدرته علي تجديد ذاته رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه و اهمها الازمة المالية الحالية و التي تعتبر المقدرة في التعامل معها و محاصرة اثارها هي مفتاح النجاح و فك رموز شفرة التطورات المستقبلية و بدون ذلك لن ينجح اي رئيس كان في المضي قدما بالولايات المتحدة في اتجاه الريادة و قيادة العالم.
|