أحمد الميرغني فقيد السودان جميعاً
جمال عنقرة
كل مكونات الراحل المقيم السيد أحمد الميرغني تقود لأن يكون له انتماء خاص دون الإنتماء العام. فلو أن أهل السودان كانوا ينقسمون إلي أنصار وختمية، فإن السيد أحمد هو نجل السيد علي الميرغنى أحد سيدي هذا البلد في زمان السيدين وحفيد السيد محمد عثمان الميرغني الختم الكبير. ولو أنا صنفناهم علي ما كانوا عليه أيام الحزبية القديمة إلي حزب أمة وإتحادي، فإن السيد أحمد كان نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي. ولكن سيرة الرجل وكل مواقفه وأقواله، وحركاته وسكناته تؤكد أنه كان دائماً يعلي من شأن العام علي الخاص.
فخلال الفترة الديمقراطية الثالثة قدمه حزبه ليكون رئيساً لمجلس رأس الدولة في الحكومة الإئتلافية مع حزب الأمة. ولقد شهد كل الناس كيف كان السيد أحمد علي قدر المنصب قومياً لا حزبياً. ولعل الناس يذكرون عندما اختلف حزبه مع حزب الأمة وانفض الإئتلاف الحاكم وانسحب وزراؤهم من الحكومة، وطلب منه أن يفعل مثلما فعل الآخرون قال لهم صحيح إنه جاء إلي هذا الموقع في نصيب حزبه، لكنه خلع العباءة الحزبية يوم أن دخل القصر لطبيعة المنصب القومي السيادي. فاقتنع أهل حزبه بمنطقه وتركوه في موقعه فزاد موقفه من احترامه لدي أهل حزب الأمة المنافس المنافس لحزبه.
وعندما جاءت الانقاذ وقضت علي حكومتهم وخرج إلي الإسكندرية وخرج أهل حزبه الاتحادي الديمقراطى وخرج أهل حزب الأمة مع أصحاب الإنتماءات الحزبية الأخري وكونوا التجمع المعارض الذي صار شقيقه الأكبر السيد محمد عثمان رئيساً له رفض السيد أحمد دخول التجمع حتي يحافظ علي سيرته القومية وحتي لا يضطر إلي اتخاذ مواقف حادة تباعد بينه وبين الحاكمين الذين هم من أهل السودان مهما كان الخلاف بينهم. ولقد اختار السيد أحمد أن يكون موصولاً بالجميع.
وأقول وأنا علي ذلك من الشاهدين أن السيد أحمد كان أسبق من الجميع في الدعوة إلي التراضي، وكان قد اتخذ قراراً في وقت باكر بالعودة للسودان لمد جذور التواصل مع الحاكمين بحثاً عن موقف سواء يلتقي عنده أهل السودان ليحلوا مشكلاتهم وخلافاتهم بالتي هي أحسن، إلا أن محاولة بعض الاعلام الإنقاذي استغلال الموقف ضد شقيقه السيد محمد عثمان جعل الرجل يتراجع عن قرار العودة الباكر. فلئن كان السيد أحمد قد رفض أن يكون منحازاً لشقيقه وحزبه وحلفائه ضد الآخرين الحاكمين الذين يتحفظ عليهم فكيف يمكن له أن ينحاز إلي الذين هم أبعد ضد أقرب الأقربين من الأهل والحزب والطائفة.
وعندما نضج حوارنا مع السيد الشريف زين العابدين الهندي وحاورته حول فكرة الحوار من الداخل كان سابقاً لنا في الفكر والموقف ولم يحل دون عودته إلا الحسابات الخارجة عن الإرادة نتيجة لاستغلال آخرين أوراق للعب غير مقبولة. ومع ذلك لم يسكت السيد أحمد عن الدعوة للحوار، ولم ينحاز إلي أي موقف ضد الوطن مهما كان أثره سالباً وضاراً بمخالفيه وخادماً لأجندة الذين يواليهم. لكنه هذا هو السيد أحمد المبرغني الذي إذا وعد صدق. والسيد أحمد وعد شعبه وعاهد نفسه وأشهد ربه ألا يعلي شيئاً علي الوطن. وها هو قد أوفي ما وعد حتي لقي ربه راضياً مرضياً. فاللهم إنا في السودان جميعاً راضون عن السيد أحمد الذي بين يديك الآن فارض عنه. وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله. اللهم إن السيد أحمد كان فينا عزيزاً فأعزه كما أعز أهله، وأحسن منزله، وأسكنه فسيح جناتك مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة