تأملات في الشأن السوداني
جمال عنقرة
أهل السودان وامتحان المصداقية
الملتقي الذي عقد الاسبوع الماضي في مدينة كنانة السودانية تفعيلاً لمبادرة الرئيس عمر البشير المسماة (مبادرة أهل السودان) كان حصاده عظيماً رغم مقاطعة الحركات المسلحة في دارفور له، ورغم تحفظات قوي سياسية أخري معارضة عليه. ومبادرة الرئيس السوداني كانت دعوة لأهل السودان جميعاً بلا استثناء ليجلسوا مع بعضهم البعض ليحددوا ماذا يريدون، وتعهد الرئيس البشير بأن يلتزم بما يجمع عليه أهل السودان، أو تكون عليه كثرتهم الغالبة في هذا المؤتمر.
وبرغم أن حركات دارفور المسلحة كانت غائبة عن المؤتمر إلا أن صوتها لم يغب. ولم يكن الصوت المعني هو صوت موالين بقدرما هو صوت مؤمنين بأكثر ما تنادي به الحركات. وكثير من هؤلاء المنادين من منسوبي حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو المنسقين معه. ومن الأشياء التي طالب بها بعض المؤتمرين من أهل دارفور عودة الإقليم الواحد والمشاركة في رئاسة الجمهورية بمنصب نائب رئيس والتعويضات الفردية لمتضرري الحرب والتمييز الإيجابي لأبناء دارفور في الوظائف القومية. هذا فضلاً عما هو متفق عليه مثل التنمية وإعادة التعمير وبرنامج عودة النازحين واللاجئين ومثلها مما لا خلاف عليه.
وبرغم أن المدلول الأول لهذه المطالب من داخل المؤتمر هو إشارة إلي أن ما ينادي به المسلحون يناصرهم فيه كثيرون من أهل الداخل، إلا أن المدلول المقابل والأهم أن صوت المناداة لتحقيق ما يريده أهل دارفور ومايريده غيرهم ليس في حاجة إلي حمل السلاح لكي يسمع. أو علي الأقل صار متاحاً الآن أن يسمع دون حمل سلاح. وهذان المدلولان منهما درس واجب الفهم والتطبيق.
ففيما يلي الحكومة يقتضي عليها إعادة النظر في كثير من مطالب الحركات وإدراك أن هذه مطالب شبه عامة يجب النظر إليها بموضوعية. وعليها أن تدرك كذلك أن أية محاولات تطويل بعد ذلك وتسويف للحل يمكن أن توسع من دائرة الحرب اللعينة وهذا أمر لا يطلبه أحد. أما بالنسبة للحركات فلم يعد أمامها خيار سوي ترك السلاح والدخول في حوار مباشر حول ما تنادي به من مطالب بعد أن وجدت من يناصرها ويقول بما تقول داخل الخرطوم ومن بين الحاكمين أنفسهم.
والإستفادة من دروس مؤتمر أهل السودان وتطبيق هذه الدروس المستفادة هو الامتحان العسيرالذي أدخل فيه مؤتمر كنانة لأهل السودان الحكومة والحركات المسلحه معاً. فلو لم تستفد الحكومة من هذا الدرس ولو ظل بعض الحاكمين بعد كل هذا يصرون علي الحلول الجزئية ومحاولة استمالة بعض المقاتلين الدارفوريين لإدخالهم في منظومة سلام الداخل بالقطاعي (بالتجزئية) يصدق إتهام الآخرين لهم بأنهم غير جادين في السلام. ولو تجاهلت الحركات المسلحة كل هذه الدروس والعبر ورفضت وضع السلاح والجلوس فوراُ في مائدة حوار جاد، يصدق عليهم اتهام الحكومة بأنهم تجار حرب فقدوا أهليتهم الوطنية وصاروا مطية لغيرهم يفعلون بهم ما يشاءون.
ولأنني أعلم كثيراً من الحاكمين، وكثيرين كذلك من أبناء دارفور المقاتلين، وأعلم وطنية هؤلاء وأولئك، أستبعد أن يصدق أي ظن سيئ في الفريقين معاً. وأتوقع أن يينجح الجميع في الامتحان ويقبلون سوياً إلي المرحلة القادمة بصدر رحب، وهي مرحلة تفعيل المبادرة العربية التي تقودها دولة قطر وترعاها جامعة الدول العربية، ويقف معها الإتحاد الأفريقي، وتناصرهما الأمم المتحدة ويباركها العالم أجمع.
جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 28/10/2008م
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة