قصة قصيرة " الجــمـــــــــل " بقلم: بقادي الحاج أحمد
الجـــمـــــــــل
( 1 )
الباص يسير منطلقا على طريق الإسفلت الذي يرقد بين التلال والهاد مثل ثعبان ضخم طويل خطه رسام بارع. على جانبي الطريق، على مد البصر، تمتد الصحراء. من وقت لأخر تنحسر العباءة الصفراء لتظهر الجبال العالية بالقرب من الطريق أو بعيده عنه. يواصل الباص سيره على الطريق الاسفلتى وعلى امتداد الصحراء تطل بعض النباتات والجمال متناثرة هنا وهناك. النياق الحمر والسود والبيض، كأن كل منطقه وناحية تقدم وتعرض للمارين ما يخصها من السلالات. الباص يواصل سيره على الطريق الصحراوي والشمس تتوهج في الخارج. مع الهواء المكيف ينطلق غير عابئ بما تفعله أشعة الشمس في الصحراء في الخارج .
( 2 )
كان الجمل في ما مضى من الزمان هو السفينة التي تجوب هذه الصحراء طولا وعرضا. الآن الباص اخذ عنه حمل الركاب والشاحنات أخذت البقية الباقية. وان لم تعد الإبل تعطى الركوب والحمل، كما كانت في السابق، فهي مازالت عطائه في لحمها وضرعها وجلدها وخفها ووبرها وحتى بولها ويعرها، لهم من الفوائد الكثير .
(3)
قال تعالى: ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. ) .
صدق الله العظيم سورة الغاشية آية (17).
(4)
الجمل حيوان ضخم الجثة، قوى الجسم، له قدرة عجيبة على تحمل المعيشة في الصحراء، حيث ارتفاع درجة الحرارة وقلة الماء والغذاء. له انف مفلطحة كبيرة من الداخل، يقوم بعمل المكثف، فيكثف بخار الماء الخارج مع هواء الزفير، فيخرج ثاني أكسيد الكربون ويتكثف بخار الماء، وبذلك يحول دون خروجه، فهو الحيوان الوحيد الذي يستعيد الماء الموجود في الهواء الذي يتنفسه .
لا يعرق الجمل إلا إذا ارتفعت درجة حرارة الجو المحيط به عن اثنين وأربعين درجة، أما الحرارة الزائدة فتفقد أثناء الليل. للجمل القدرة على شرب ماء البحر، حيث أن الكلى عنده تتخلص من الأملاح الزائدة. وهو يشرب بغزارة حوالي ثمانية عشر لتر ماء إذا عطش دون إن تتأثر كرات الدم، لأنها خلقت بيضاوية، ولم تخلق كروية كسائر الكائنات، فعندما تمتلئ كرات الدم بالماء تنتفخ وتصبح كروية دون أن تنفجر. يحتفظ الجمل بالبول في المثانة، طالما في حاجة إلى الماء حيث يمتص الدم الماء والبول مره أخرى. يتحمل فقدان الماء بنسبة ثلاثين بالمئه، في حين باقي الكائنات الحية تهلك إذا فقدت الماء بنسبة عشرين بالمئه. خـف الجمـل مخزن للماء، ووسادة تساعده في السير في الصحراء.
للجمل إذن صغيرة غزيرة الشعر حتى لا يتعرض لضرر رمال الصحراء، وله عين كبيرة مذوده بصفين من الرموش الطويلة للوقاية من الحصى والرمال المتطايرة. يختزن الدهون في السنام ليقوم بحرقها خلال عملية التنفس، حيث تتحول الدهون إلى طاقه تمده باحتياجاته في فترة الحرمان من الطعام. الدهون تحتوى على طاقه أعلى بكثير من الطاقة المخزونة في الكربوهيدرات.
( 5 )
الباص يواصل رحلته الطويلة عبر الصحراء، والركاب بعضهم مسترخي وبعضهم الآخر راح في ثبات عميق. يلاحظ جاره في الكنبة المجاورة ما يدونه في الأوراق بقلم الرصاص من ملاحظات. يستبد به الفضول.
- يسأله : ماذا يكتب ؟
- يجيب بأنه يكتب عن حيوان هذه الصحراء.
- ثم أردف احد الآيات في هذا الكون.
- ويواصل انه يكتب عن الجمل.
- قال جاره: هذا الجمل عجيب، لا يمكن التنبؤ بما يفعل. يمكنك أن تشاهد هذا الفيديو لتدرك سلوك الجمل الغريب .
- قالها وهو يضحك ثم أردف انتظر. واخذ يعبث بمفاتيح هاتفه الجوال يبحث عن شريط الفيديو المسجل، فتحه وأعطاه الجوال.
فلم الفيديو كان يصور مشهد عراك شرس بين جملين كبيرين. وجمع من الناس تجمهر حول الجملين المتعاركين. كانت هنالك ثلاثة مجموعات من المتجمهرين:
· المجموعة الأولى: مجموعة الملوحين.
· المجموعة الثانية : مجموعة المصورين.
· المجموعة الثالثة : مجموعة المتفرجين.
مجموعة الملوحين تلوح من بعيد بالايدى وبما تحمل من قطر وشومخات وعقالات لوقف العراك بإخافة الجملين بالتلويح والصياح.
مجموعة المصورين أخذت تصور المعركة بكمرات الجوالات.
المجموعة الأخيرة فاكتفت بالفرجة والضحك.
وحده الراعي دخل بين الجملين بعنترية محاولا فض الاشتباك. استمر الحال لبعض الوقت. ناس تلوح وتصيح من بعيد، وآخرون يصورون الحدث، والبقية يمارسون الفرجة على الجملين المتعاركين والراعي الذي يحاول الدخول وسطهما ليفرقهما عن بعضهما البعض، بالضرب والجملان يواصلان العراك .
فجأة توقف الجملان عن عراكهما وانقلبا معا على الراعي، في عراك ضار وبشراسة أكثر من الأول، ضربا بالأرجل.وبركا بالركب والصدور على جسد الراعي الملقى على الأرض، وسط الجمع الغفير.
لم تنجح المجموعة الأولى - مجموعة الملوحين - في انتزاع الجسد المسجى على الأرض، كقطعة قماش قديمة باليه وسط الغبار المثار بالأرجل، أو إبعاد الجملين عنه.
المجموعة الثانية – مجموعة حملة الجوالات ذات الكمرات- لم تفيد الشهيد في شيء . رغم تصويرها للمأساة في فلم فيديو على الجوال قابل للتداول.
وحدها المجموعة الثالثة – مجموعة المتفرجين - نجحت في أن لا تفعل شيء أكثر من ممارسة دورها بالكامل: الفرجة والقهقهة. الفرجة والقهقهة على مأساة الآخر ..
بقادى الحاج احمد
الخبــــر
يوليو 2007
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة