حركات دارفور
تشتت الرؤية...ومأزق التوحيد
تقرير:خالد البلوله إزيرق
كلما يمضي يوماً على الأزمة، يشهد مسرحها مولد حركة جديده، ليتوالى تفريخ الحركات المسلحة بدارفور حتى غدت أكثر من "40" حركة وفيصل مسلح يشارك في مسرح الأحداث، في مشهد عجزت معه كل محاولات توحيدها التى بذلت ووقف الوسطاء حائرون فيما يفعلون حيالها، وهم يشهدون بشكل شبه يومي تفريخاً جديداً لحركات تتكاثر من أصلاب أخري ناشطه.
فقد حملت الأخبار الصحافيه أمس أن الحركة الشعبية نجحت في توحيد "13" فصيلاً مسلحاً بدارفور في قيادة موحدة تحت مسمي " جبهة التضامن الشعبي في دارفور" وهو جهد إن نجحت في تطبيقه وإستمراريته يعد إختراقاً حقيقاً لهذه الأزمة التي سكب فيها الكثير لتوحيد هذه الحركات، ولم تكن الشعبية بعيدة عن هذه الجهود التي إبتدرتها الأمم المتحدة بالتعاون مع الإتحاد الإفريقي بتنظيمهم لورشة عمل توحيد جهود هذه الحركات في "أروشا" التنزانيا التى إستضافتها في مطلع أغسطس الماضي برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون ومبعوث الإتحاد الإفريقي سالم أحمد سالم، وذلك قبيل مفاوضات السلام التى أجريت بطرابلس أواخر إكتوبر الماضي بهدف تقريب وجهات نظر الفصائل وتوحيد موقفها التفاوضي للوصول لتسوية سلمية لأزمة الإقليم مع الخرطوم، ولم يكن مصير تلك الورشه التى شاركت فيها عشره مسلحه بأفضل من الجهود التى سبقتها وأعقبتها، حيث أنها لم تفلح في جمع الحركات في مائدة واحده بل وأنها فشلت حتى في الخروج برؤية تفاوضية موحده لهذه الحركات تدخل بها المفاوضات مع الحكومة، وكانت فصائل حركة عبد الواحد محمد نور وحركة العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم قد قاطعتا تلك المفاوضات التى لم تحقق شيئاً مما كان يرجي منها. ويشير مهتمون الى أن أفضل تنظيم كان يمكن أن تنجح وتتوحد من خلاله الحركات هو عباءة "جبهة الخلاص الوطني" التى تكونت من الفصائل الكبري "العدل والمساواة الجبهة الفيدرالية ومجموعة الـ19 وعدد من الفصائل الأخري" عقب توقيع إتفاقية أبوجا مايو 2006م، والتى سرعان ما تلاشت وإنفض سامرها بعد أشهر من تكوينها نتيجة خلافات أعضاءها.
وقبل خبر توحيد "13" فصيلاً بجهود من الحركة الشعبية الذي ورد أمس، كانت صحف الخرطوم قد نقلت قبل يومين خبر إجتماعات توحيد "6" فصائل من حركة تحرير السودان في الحركة "الأم" التي يقودها عبد الواحد محمد نور، والتي يجري وضع اللمسات الأخيرة لإعلان ذلك التوحد بعد وضع الترتيبات اللازمة له بين الفصائل. وقد أشار الأستاذ عصام الحاج القيادي بحركة تحرير السودان جناح الوحده لـ"الصحافة" بأن هاجسهم الآن ليس توحيد الحركات بقدر ما هو إيقاف الهجمات الحكومية، وان الهدف الرئيسي هو توحيد الحركات في خندق واحد لأن الهجمات الحكومية لا تفرق بين فصيل وآخر، وقال إن غايتنا أن تتوحد كل الفصائل في حركاتها الرئيسيه تسهيلاً لإتخاذ المواقف السياسيه بحيث تكون معبره عن موقف سياسي موحد، وحول دعوة د.خليل ابراهيم لتوحيد الحركات قال "خليل عاني من أكثر من خمسة انشقاقات ولديه ما يبرر هذه الدعوة ولكنه لا يملك الحق في أن يؤشر على من يكون أين، فهو فصيل ككل الفصائل، وإن شاء يقاوض الحكومة منفرداً فليذهب لأنه لن يؤثر على قضية دارفور".
وقد شكلت عملية توحيد الحركات المسلحه في دارفور عقبة كؤود في طريق جهود الحل السلمي التى يطلع بها الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وبعض دول الجوار، الذين عجزوا بوسائلهم المختلفه في تحقيق ذلك. حتى بلغ عدد الحركات المسلحة في دارفور أكثر من "40" فصيلاً بدلاً عن حركتين كانتا تقودان الصراع المسلح في الإقليم منذ العام 2003م، ويرجع مراقبون الفشل المتكرر لتوحيد الحركات وتزايد إنقساماتها في ذات الوقت الى الأطماع الشخصية لقادتها وطابع القبليه التى جعلت كثيراً منها تبدو كأنها حركات قبليه، من كونها حركات سياسيه تحمل رؤي وأفكار، ما يصعب معه إيجاد رؤية موحدة لها، وساعد كذلك من عمليات الإختلاف السياسي الذي أدي للإنشقاق الذي تعيشه هذه الحركات، كما ساهمت الحكومة التي كانت تسعي لكسب معظم قادة الفصائل لصفوفها في تشرزم الحركات، ومن جهة أخري فإن هذه الإنقسامات أضرت كذلك بالعملية السلمية في الإقليم، وإفتقدت على ضوءها هذه الحركات الرؤية التفاوضية الموحده لتحقيق السلام ما أدي لفشل كثير من جولات التفاوض، عقدت كذلك من عملية المراقبه التى تطلع بها البعثة الأفريقية والأمميه للأوضاع الأمنية بالإقليم لكثرة هذه الحركات وصعوبة رصدها. وفي حوار له سابق مع جريدة الصحافة أرجع الدكتور شريف حرير ذلك الى أن دارفور تمر الآن بمرحلة الثورة الثالثه حيث أشار الى ان المرحلة الأولى هي حمل السلاح نتيجة الغبن السياسي دون وجود لبرنامج أو فكر، والمرحلة الثانية إقتتال هؤلاء القادة فيما بينهم، لتأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة البناء الفكري لثورة وبروز الزعيم الذي سيقودها" وكان كثير من المراقبين قد عللوا إنشقاق الحركات الى عدم وجود الرابط الفكري والإيدولوجي لهذه الحركات وإفتقارها للقائد الكاريزمي الذي يقود تلك الحركات.
وكانت الحركة الشعبية قد بذلت جهود ليست بالقليله لتوحيد هذه الحركات في إكتوبر الماضي بغرض الخروج برؤية تفاوضية موحده، ولكن جهودها لم تكن بأفضل من سابقيها، رغم أنها نجحت في جمع معظم الفصائل على طاولة مباحثات في جوبا، بإشراف نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، وإنفض سامرها دون أن تحقق مراميها من ذلك، لتنجح بعد ذلك في تقريب وجهات خمس من الفصائل التي شاركت في إجتماعات جوبا وتوحيدها، لتنقض تلك الفصائل كذلك غزلها قبل أن يبلغ أجله، لتتبعثر جهود الحركة في توحيد تلك الفصائل، وأصبح حلم توحيدها بعيد المنال للساعين في تحقيق تلك الأمنية التى أصبحت أصعب ما في المشكل الدارفوري. من جهته فقد وصف د.زكريا محمد على عبد الرحمن عضو هيئة قيادة العدل والمساواة في حديثه لـ"الصحافة" جهود الحركة الشعبية بالمقدرة والمطلوبه، لأن توحيد الحركات يساعد في حل الأزمة حسب رايه، لكن أرجع فشلها في ذلك الى انها إهتمت بالحركات المنشقة ولم تبذل جهداً مع الحركات الأصل، مشيراً لجهود تبذلها حركته لإرجاع المنشقين عنها ستثمر قريباً، معزياً الإنشقاقات التي حدثت الى تكالب الحكومة والإتحاد الإفريقي لتقوية إتفاقية أبوجا بخلق حركات موازيه وإستقطاب بعض قادة الحركات".
وكان الدكتور خليل إبراهيم، قد إقترح وصفة حل أزمة توحيد الحركة المسلحة بدارفور في لقاءه مؤخراً بباسولي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي لعملية السلام في دارفور الذي إلتقاه الإسبوع الماضي في المناطق التي تسيطر عليها حركته، وهي أن يتم دمج الحركات في حركتين أو ثلاث بأن ترجع كل حركة إنشقت الى فصيلها "الأم" الذي إنشقت منه حتى يسهل التفاوض وتنسيق الموقف التفاوضي مع الحكومة.
إذاً تلك جهود تبذل ومحاولات تجري داخلياً وخارجياً والكل ينتظر ساعة الصفر لتوحيد الحركات المسلحة بدارفور، الذي يعني مؤشراً قوياً لتوحيد الرؤية التفاوضية بالتالي سهولة عملية إختراق الأزمة عبر الحوار الذي لا سبيل له لحل الأزمة التي يعيشها الإقليم منذ قرابة الخمس سنوات، فهل تفلح جهود توحيد الحركات ورؤاها في الوصول لمبتغاها أم ستنتهي لما إنتهت عليه سابقتها ليحتفظ الإقليم بذات المشاهد تكاثر حركات وإزدياد التفلتات!!.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة