الخروج من مطب (أوكامبو)...!! (1-2)
تحقيق: حنان بدوي - ماهر ابوجوخ
المؤتمر الصحفي الذي عقده المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو الاثنين الماضى بمقر المحكمة بلاهاي الذي اعلن فيه رسمياً رفع قضية ضد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن احمد البشير وإصدار امر بحقه واتهامه بإرتكاب الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بدارفوروضع السودان في مواجهة مطب أوكامبو الذي استهدف بقراره رئيس الجمهورية وهو ما فتح باب التساؤلات حول كيفية خروج السودان من هذا (المطب) بما يمازج بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتحقيق العدالة وفي ذات الوقت عدم الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.
لكن قبل البحث عن كيفية الخروج من (مطب) اوكامبو فلنعد لنرى المشاهد منذ لقطاته الاولي وتحديداً في مقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي فأوكامبو اعلن في مؤتمره الصحفي أمام الصحفيين أنه بعد ثلاث سنوات على طلب مجلس الامن من المحكمة بالتحقيق حول احداث دارفور واستناداً على الادلة المجمعة يرى أن البشير يتحمل المسؤولية الجنائية فيما يخص ارتكاب جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وطبقاً لادعاءات اوكامبو فإن تلك الادلة تبين أن البشير (دبر ونفذ) خطة لتدمير مجموعات سكانية لاسباب إثنية عبر دوافع سياسية بحجة مكافحة التمرد لكن نيتها (الابادة الجماعية) وعرقلة المعونة الدولية واتهامه باستخدام وسائل للابادة الجماعية وعدم حاجته لاستخدام الرصاص أو غيرها من الاسلحة حينما استخدم وسائل لديها ذات الفعالية والتي وصفها بـ(الاسلحة الصامتة)، كما اتهم البشير بتعبئة جهاز الدولة بأكمله بما فيه القوات النظامية والدوائر الدبلوماسية والإعلامية والجهاز القضائي لاجبار النازحين الذين يعيشون في المخيمات على العيش في ظروف مدروسة لتدميرهم جسدياً.
دعم السلام والتحوُّل الديمقراطي ودارفور
ونوه رئيس حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي خلال حوار اجرته معه صحيفة (السوداني) ونشرته في عددها الصادر يوم أمس لأحقية مجلس الأمن الدولي في تعطيل مساءلة رئيس الجمهورية المشير البشير وفق المادة (16) باعتباره المعني بحفظ الأمن والسلم الدوليين والتفكير في التداعيات المترتبة على المضى في مساءلة البشير وتأثيره على الأمن الدولي وأمن المنطقة، مشدداً على ضرورة عدم السماح للتناقض بين الاستقرار والعدالة بإضاعة الدولة لكنه طالب المؤتمر الوطني بتحويل الازمة لفرصة للحل، معتبراً أهم العناصر المساعدة في مجابهة الازمة هي الوحدة الوطنية والشرعية بالانتخاب وحل مشكلة دارفور وبات المهدي واثقاً بإمكانية وجود فرصة وقال:" النظام لديه فرصة جيدة لعمل ما كان عليه عمله في السابق ... وأنا متأكد أننا يمكن أن نبيع لمجلس الأمن (هذه الفرصة) لدعم السلام الشامل والتحول الديمقراطي وحل مشكلة دارفور التي تحتاج إلى إرادة سياسية، وإذا توفرت الإرادة السياسية، وإذا ما تخلى المؤتمر الوطني عن التشبث بامتيازاته واحتكاراته".
وكان حزب المهدي قد اصدر بياناً من قبل اوضح فيه أن الاتهام إذا طال رأس الدولة فإن ذلك من شأنه إحداث انهيار دستوري في السودان يتفق الجميع على عواقبه البالغة في الامن والنظام العام وأرواح المواطنين لكنه اقر بوجود جرائم وقعت في دارفور ولابد من المساءلة وعدم الافلات من العقوبة، وأكد سعيه عن طريق الاتصال مع كل الأطراف المعنية لايجاد معادلة توافق بين العدالة والاستقرار الوطني والاسراع في الخطوات اللازمة لتوحيد الرؤية الوطنية والوحدة لمجابهة المخاطر التي تواجه الوطن ولتحقيق التداول السلمي للسلطة والسلام الشامل بما يؤمن مكتسبات الجنوب ويحقق تطلعات أهل دارفور.
وناشد الامة في بيانه الاحزاب الحاكمة بالتحلي بضبط النفس والاسرة الدولية بأخذ الموقف الدستوري والسياسي في الحسبان، ودعا حزب الامة الحركات المسلحة بدارفور بالحرص على حل مشكلة دارفور وايجاد مخرج عادل لأهله الذين عانوا من ويلات الضيق والجوع لوجود فرصة متاحة للاسراع بعلاج كافة القضايا الوطنية من منطلق قومي وطالب الجميع بمراعاة المصلحة الوطنية السودانية والعمل بكل الوسائل لحمايتها.
حل ازمة دارفور
واوضح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وعضو الكتلة البرلمانية للحزب والتجمع سليمان حامد الحاج لـ(السوداني) أن الخروج من هذه المعضلة تتمثل في حل قضية دارفور والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة والمتمثلة في (الاقليم الواحد، عودة النازحين، التعويضات الفردية، المحاكمات العادلة لمرتكبي الجرائم وتنمية الاقليم لانهاء التهميش السياسي والاقتصادي) منوهاً لعدم امكانية تحقيق الوحدة الوطنية في ظل عدم تحقيق التحول الديمقراطي، مبيناً أن العالم ينظر للسودان ويدينه حالياً لانتهاكات حقوق الإنسان واستمرار ازمة دارفور حيث تحل الاولي بالتحول الديمقراطي وإرسال رسالة للعالم بوجود خطى جادة لوجود تجربة ديمقراطية نسبية والامر الثاني بالعمل على حل أزمة دارفور لتأكيد الجدية في حل ازمتها وقال: "وهذان الطريقان هما المخرج لقطع الخط على التدخلات الخارجية ... أما أي محاولة للشجب والإدانة فلن تعالج هذه المشكلة واصدار (20) بيان شجب سيعجز عن حل الازمة في ظل تدهور الاوضاع بدارفور".
وجدد حامد رفضهم لمسلك المؤتمر الوطني في وضعهم بين قطبي الرحي (فإما مع أو ضد) مثلما حدث في قضايا (اتفاق ابوجا، القوات الدولية وقانون الاحزاب) واتهم الوطني بـ(الصهينة) عن الاتفاق الاخير الذي اقترحه خلال مناقشة قانون الانتخابات بتكوين لجنتين الاولي لتعديل القوانين المقيدة للحريات والثانية لمعالجة أزمة دارفور.
مفارقة المنهج السابق
ووصف رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني العميد (م) عبد العزيز خالد الازمة الحالية بأكبر الازمات التي واجهت البلاد منذ الاستقلال وحذر من التداعيات الخطيرة التي قد تترتب على تبسيط أو الاستهانة بهذه القضية معتبراً أن ذلك المنهج سيؤدي لحدوث تصادم مع المجتمع الدولي.
واوضح خالد لـ(السوداني) أن الوقت حان للتحلى بالشجاعة والحكمة والتعامل بمنهج جديد للتعاطي مع هذه المشكلة العميقة وتجاوز منهج التظاهرات والشعارات عبر شقين خارجي بتكوين فريق قانوني يمثل السودان من الخبرات السودانية والاجنبية، واقترح في الشق الداخلي جلوس الشريكين وتعديلهما للقوانين المقيدة للحريات لتحقيق المصالحة مع الشعب السوداني وتشكيل حكومة قومية ذات مهام محددة اولها التعامل مع الازمة وثانيها اجراء الانتخابات الحرة والنزيهة وثالثها حل الاشكالات الموجودة بالبلاد وعلى رأسها ازمة دارفور بالاضافة لمنح التنظميات والاحزاب التي لديها علاقات إقليمية ودولية كالحركة الشعبية والتحالف السوداني وغيرها من الاحزاب فرصة التحرك بحرية للمساهمة في علاج هذه المشكلة.
وقال خالد :" نحن نرى خطورة الوضع بعمق شديد واتحدث عنه الآن بعيداً عن مسألة المعارضة لان تصعيد الوضع والاصطدام مع المجتمع سيدمر الشعب" وطلب من رئيس الجمهورية ونائبه الاول باعتبارهما الممسكين بالسلطة بالشمال والجنوب ابعاد الشعب السوداني من هذه المواجهة والذهاب في اتجاه وطني جديد والتي تبدأ بالاعتراف بأن الحكومة الحالية ليست حكومة وحدة وطنية وإنما (شراكة) ودعا لتجديد العقول والاطقم خاصة الموجودة التي استمر بعضها طوال (19) عاماً بذات الاشكال والسلوك والمنهج وابعادهم لأن المرحلة الحالية (لا تحتاج لصقور).
مبادرة الميرغني هي الحل
وخلال الجولة الميدانية لدور الأحزاب السياسية التي قامت بها (السوداني) لاحظنا ان دار الحزب الاتحادي الديمقراطي المرجعيات فى حالة استنفار قصوى واجتماعات متواصلة وتم عقد اجتماع مهم للجنة المفوضة من المكتب السياسي لدراسة تداعيات اوكامبو وتناول الاجتماع مبادرة الميرغني باعتبارها الطريق الأخضر لمعالجة الازمة السودانية واعتماد دعوة رئيس الجمهورية لتكوين لجنة وطنية تعبر عن وحدة الجبهة الداخلية ودعا الناطق الرسمي باسم الحزب عثمان عمر الشريف في تصريحات لـ(السوداني) الى الاستفادة من الايجابيات الموجودة باتفاق التراضي الوطني والأخذ برؤية موحدة للوفاق الوطني.
تشكيل حكومة انتقالية
ومن جانبه دعا حزب الامة الإصلاح والتجديد في بيان اصدره الى جمع الصف الوطني ومعالجة الازمة السياسية في البلاد عبر مؤتمر للمصالحة الوطنية المنصوص عليه في الدستور واتفاقية السلام لتحقيق الاتفاق على القضايا المهمة والتي من بينها التوصل لاتفاق قومي لحل ازمة دارفور وتنفيذ اتفاق السلام الشامل وتكملة اجراءات التحول الديمقراطي بتعديل القوانين المقيدة للحريات والمتعارضة مع الدستور وتكوين مفوضية الانتخابات بالتوافق على عضويتها والقيام بالاجراءات المطلوبة لتأمين نزاهة الانتخابات وتأمين استقلال القضاء والخدمة المدنية ووضع أساس لعلاقات السودان مع المجتمع الدولي وتشكيل حكومة قومية انتقالية وفق برنامج وطني ومشاركة حقيقية في الحكم تشرف على اجراء الانتخابات.
طريق الحل
ومن جانبها ذكرت الحركة الشعبية في البيان الذي اصدره نائب الامين لقطاع الشمال بالحركة ياسر عرمان أنها تفاجأت بالتطور المتسارع للاحداث في قضية المحكمة الجنائية الدولية والتي انتهت بتوجيه الاتهام لرئيس الجمهورية وآخرين واعتبرته (يخلق وضعاً بالغ الخطورة في داخل السودان ويهدد السلام).
واعتبر البيان أن الخروج من الازمة الحالية يكمن في الوصول لتفاهم مع المجتمع الدولي وايجاد طريق للتعاون القانوني مع المحكمة الجنائيات الدولية والجوانب القانونية التي طرحها المدعي العام للمحكمة والوصول لحلول مرضية تعزز السلام والاستقرار في السودان معلنة استعدادها لتوظيف كل امكانيتها وعلاقاتها الخارجية، كما اشترط للخروج من الازمة الحالية الحفاظ على اتفاق السلام الشامل وبقية الاتفاقيات ومواصلة تنفيذها والمضي في التحول الديمقراطي والعمل المشترك بين اطراف حكومة الوحدة الوطنية وبقية القوى السياسية.
ونادت الحركة الشعبية في ذات الوقت بحل مشكلة دارفور عبر حل شامل متفاوض عليه بين أطراف النزاع ودعت حكومة الوحدة الوطنية للتوصل لخارطة طريق في ظرف اسبوع يتم التشاور حولها مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تعبر عن الاجماع الوطني وتسهم في ايجاد حل عاجل وعادل لقضية دارفور، واعلنت مضاعفة قيادة الحركة وعلى رأسها النائب الأول لمجهوداتها للوصول لحل عادل وشامل لقضية دارفور باعتبارها المدخل الصحيح للتعامل مع التبعات الاخرى التي تولدت نتيجة الاوضاع في اقليم دارفور.
* نقلاً عن صحيفة (السوداني) العدد رقم (961) الصادر يوم الخميس 17/7/2008م
|