د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
القانون التجاري و الضبط الاقتصادي
جاء في الاخبار ان المجلس الوطني يسعي لسن تشريعات تهدف لردع الجرائم الاقتصادية و قد تم بالفعل ايداع بعض القوانين مثل قوانين المشتروات الحكومية و بيع الاموال المرهونة للمصارف و الاجراءات المالية لمناقشتها في الدورة البرلمانية القادمة و التي ستبدأ في شهر اكتوبر من هذا العام "الوسط الاقتصادي، العدد 276 بتاريخ 7 يوليو- 2008م". تم ذلك الامر بمبادرة من اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني و يعتبر ذلك الحراك امر جيد و لكنه لن يسد الثغرة القانونية الخاصة بالقوانين الاقتصادية و القانون التجاري في السودان و التي يجب ان ترتقي لتواكب المعايير الاقليمية و الدولية المعمول بها في البلدان ذات المستوي الاداري و التنظيمي الجيد او المقبول علي الاقل و من امثلتها اقليميا علي سبيل المثال مصر و تونس و المغرب و دولة الامارات العربية المتحدة.
علي كثرة القوانين ذات الطبيعة الاقتصادية في السودان الا انها من الناحية الاقتصادية تعتبر غير مستوفية لشروط المعاملات التجارية و لتغطية مختلف اوجه النشاط الاقتصادي خاصة لجهة تفرقتها بين الجوانب المدنية من جهة و الجوانب الاقتصادية و التجارية من الناحية الاخري. و بما ان الجريمة الاقتصادية علي درجة من التنوع و الاختلاف فهي تحتاج للتفصيل القانوني الدقيق للتمييز بينها و يحتاج ذلك الي التفصيل القانوني الدقيق شديد الاحتراف.
من فهرسة القوانين السودانية الموضوعة علي الموقع الالكتروني للسلطة القضائية في السودان نجد عدد من القوانين ذات الارتباط بالانشطة الاقتصادية و المالية و التجارية و لكننا نحتاج الي تفسير قانوني لطبيعة كل من تلك القوانين و هل هي تفي بالمتطلبات الاقتصادية و التجارية ؟ ام انها تقع تحت اختصاص القانون المدني و القوانين الجنائية؟ اضافة لمدي مواكبة بيانات الموقع للاصلح القانوني الجاري الان بالسودان و توفيق القوانين مع الدستور الانتقالي و اتفاقات نيفاشا؟ و من الأمثلة لما ذكرنا نجد النماذج التالية:
· قوانين الاراضي و الشئون الاقتصادية و الاجتماعية: و تشتمل تلك القوانين علي قانون التخطيط العمراني؛ قانون التكافل الاجتماعي ؛ قانون الصندوق القومي للمعاشات ؛ قانون الهيئة القومية للكهرباء و للمياه ؛ قانون الوصايا و ادارة التركات و الكثير من القوانين الاخري.
· قوانين المصارف و الشركات التجارية و يشتمل هذا الفهرس علي: قانون الشركات ؛ قانون الرخص التجارية؛ قانون المعاملات المدنية ؛ قانون الشركات العامة ( منح الامتيازات ) ؛ قانون النماذج الصناعية ؛ قانون تنظيم العمل المصرفي ؛ قانون تنظيم الشركات و الكثير من القوانين.
· القوانين الماليه و هي التالية في فهرسة القوانين علي الموقع المذكور و تحتوي علي قانون ضريبة الدخل و قانون الجمارك ؛ قانون صكوك التمويل و قانون قسمة الموارد المالية و قانون الزكاة و غيرها من القوانين المذكورة في هذا التصنيف.
تأتي بعد ذلك في فهرسة القوانين مجموعة قوانين مسماة بقوانين الزراعة و الحيوانات و تليها قوانين العمل و العمال المشتملة علي قوانين الاجور و قانون التعويض عن اصابات العمل و قانون التأمين الاجتماعي و المعاشات و غيرها هذا خلاف القوانين الولائية و المحلية ذات الطبيعة الاقتصادية. هنالك ضرورة كبيرة لوجود قانون تجاري مستقل عن القانون المدني في السودان و ذلك من اجل التفرقة بين المعاملات الخاصة بالافراد و الشخصيات الاعتبارية كمستهلكين و كمنتجين و كمستثمرين و التفرقة بين الكميات و الاحجام التي يتم التعامل بها من سلع و خدمات و كذلك بين مختلف انواع النزاعات حول الانشطة و العقود و المعاملات التجارية و الاقتصادية و بين المخالفات و الجرائم الناتجة عن تلك الانشطة و لوضع المعايير القانونية التي تؤسس للتعامل المحترف مع الارباح و الخسائر و الحقوق و رؤوس الاموال و غيرها من الجوانب ذات الابعاد التجارية المهنية المتخصصة.
هنالك العديد من التعقيدات في تلك المعاملات و الانشطة مثل التعقيدات الناجمة عن الاسعار ، التكاليف ، المنافسة ، الإنتاج و الاستهلاك و الجودة و الصلاحية و الاعلان و الترويج و التوزيع و خلافها و كلها تحتاج لقانون تجاري مفصل بمجموعة من القواعد القانونية التي تنظم النشاط التجاري و تتلاءم مع البيئة الاقتصادية في السودان و لوضع الحدود الفاصلة بين القانون التجاري و القانون المدني.
لقد اصبح القانون التجاري في معظم دول العالم بما فيها دول نتبادل معها تجاريا او تقع علي حدودنا او ندخل معها او نسعي للدخول معها في تكتلات اقتصادية و تعاون اقتصادي و استثماري مما يتطلب ان تفي قوانيننا بتلك الاستحقاقات. تتوفر تلك الدول علي قانون تجاري مستفل يطبق علي الاعمال التجارية كمعيار لتحديد اوجه تطبيق القانون و موضوعاته سواء ان كان ذلك علي الافراد غير المشتغلين بالتجارة او علي التجار بالمعني الواسع للكلمة. و هنا تأتي ضرورة التحديد القانوني لل " الاعمال التجارية " التي يجب ان يطبق عليها القانون التجاري و بذلك يصبح التمييز بين الجريمة التي تقع تحت اختصاص القانون المدني و التي تقع تحت طائلة القانون التجاري ممكنا هذا بالطبع خارج اطار القانون الجنائي الذي لا يعتبر موضعا لنا في هذا المقام. و بذلك التحديد يصبح القانون التجاري يعنيٌ بجميع الاشخاص الذين يمارسون الاعمال التجارية التي يحددها المشرع علي اساس الاحتراف المهني للتجارة.
بذلك الشكل يصبح القانون التجاري مشتملا علي موضوعات بعينها مثل الاعمال التجارية بمختلف تصنيفاتها و محددا لاكتساب مهنة التاجر و صفته و التزاماته المهنية و محددا للاموال التجارية بما فيها حقوق الملكية الصناعية الخاصة بالابتكار و حقوق الملكية الفكرية و العلامات المميزة و المواصفات و المقاييس الصناعية كما يحدد القانون حقوق الملكية التجارية مثل شروط ملكية المحال التجارية بأدواتها و تبعية عمالها اضافة للعناصر المادية و المعنوية التي تشكل وحدات قائمة بذاتها كما يتم هنا تحديد خصائص المحال التجارية و مواصفاتها و وضع الحماية القانونية لممارسة المهنة.
كل تلك الجوانب في غاية الاهمية للسودان في سبيل تحقيق العناصر الاساسية للبنيات الاقتصادية بما فيها البنيات التشريعية و القانونية و المؤسسية التي تعتبر شرطا للتطور الاقتصادي و التحديث و الكفاءة و جذب الاستثمار الاجنبي و اقامة الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية بشكل يضمن الحقوق للجميع و البيئةة المناسبة للعمل. بدون ذلك سيكون هنالك خلل اساسي في مجالات الحقوق و الواجبات و الحماية و التحفيز و المواصفات و الجودة. و يحتاج الامر هنا للتناول المهني المتخصص من أصحاب الاحتراف القانوني في المجال التجاري و الاقتصادي في الجدل الدائر حول هذا الموضوع مع قلة التخصص القانوني في المجالين المذكورين في السودان و الله اعلم. نتمني ان يحدث التناول الجاد لهذا الموضوع قبل ايداع تلك القوانين للاجازة لتجنب الخلافات الحادة حول القوانين مثل ما يحدث الآن حول قانون الانتخابات و غيره من قوانين و اكتوبر القادم ليس لناظره ببعيد.
Dr.Hassan.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة