هذا الصباح كغيره من الصباحات لا شئ إستثنائي لديك , تسير وحدك على ضفة النهر تستنشق نسيم رائحة النهر الخالد وتسمع صوت خرير المياه و تلاطم الأمواج الهادئة وزقزقة العصافير وتمعن النظر متأملا في السماء الزرقاء الصافية فأبهرك سحر المنظر و جمال الطبيعة , يرافقك نصف من ذاتك تحمله بداخلك والنصف الآخر تحمله محبوبتك ..
المكان في هذا الوقت هادئ و خالي من البشر , في تلك اللحظة ساورك إحساس كأنك وحيدا في هذا العالم لا يشاركك أحد ذلك الإمتاع بهذا الجمال الصارخ والمبهر , لكنك كنت تعلم أن بعد شروق الشمس سوف يضج المكان بالحركة , تحاصرك عدة مواضيع مشتتة في ذهنك وتحتار أيهما تبدأ به ؟ تذكرت فجأة الحلم الذي جاءك في المنام ليلة أمس أخرجت المشهد سريعا من ذاكرتك حتى لا يتبخر ووضعته أمامك في شاشة في وسط النهر , يتحرك مشهد الحلم أمامك بكل وضوح وفجأة .... تختفي بقية تفاصيل الحلم وتهرب من ذاكرتك , كنت تغضب حين تنقطع أحلامك دون أن تعرف نهايتها حتى لو كان حلما مزعجا أو كابوس , كنت تتوق لمعرفة النهايات وأحيانا كنت تنسج بخيالك الخصب شكل النهاية تحذف و تضيف وتعدل في الحلم - كما يفعل الكاتب بالورق قبل خروج العمل بالشكل النهائي - و كنت تضحك على ذلك النسج المثير لبقية أحلامك , في المشهد الثاني تسترجع لحظات العشق والولع مع محبوبتك , حنينك المتدفق إليها يشدك للقدوم إلى النهر , عشقك لها يسكن في دواخلك ويتوهط في أعماقك منذ زمن بعيد ..
النهر كان مصدر إلهامك منذ نعومة أظافرك و يربطك به عشق سرمدي , ومن عطاياه عليك أنه وهبك محبوبتك في إحدى أيام فصل الربيع , فكانت أجمل هدية وأروع صدفة عرفتها في حياتك , أصبح النهر
القاسم المشترك بينكم و صارعشقكم عذب و شفاف ونقي مثل عذوبة المياه التي تجري في النهر بلا توقف ... تعود للبيت وتسرع لإعداد فنجان قهوتك الصباحية ومعها النارجيلة , تتسرب
خيوط الضوء الملونة خلال النافذة فتملأ كل أرجاء الصالة التي كنت تجلس فيها , تنصت بخشوع
تام لصوت فيروز وهى تشدو :
( أنا عندي حنين ما بعرف لمين ليلي بيخطفني من بين السهرانين ) تملأ صدرك بأنفاس الدخان وتخرجه كثيفا وتتأمله بعمق , يبدو الدخان كأنه يطرب و يتراقص مع هذا الصوت الملائكي العذب
و اللحن الآسر الذي يخترق شغاف القلب ويضفي مسحة عميقة من الجمال المبهر , قلت بصوت خافت بعد إنتهاء الأغنية :
- ما أعظمك يا فيروز .. لا يمكن أن نتخيل هذا العالم بدونك ؟
أنا عندي حنين وأعرف لمين .. وكم أشتاق أن تكون محبوبتي التي ملكت روحي وقلبي معي الآن ..
و حضرك في تلك اللحظات طيف محبوبتك وسألتك بصوت حنين :
- هل إفتقدتني يا حبيبي مثلما إفتقدك بلهفة ؟
- إفتقدك بحرقة حتي أضناني الشوق , منذ أن سافرتي أشعر بحنين وشوق جارف إليك , ما أقسى لحظات البعاد عنك يا حبيبتي والعيش على جمر الإنتظار ؟
-آه .. أحتاجك الآن بشدة لا توصف و أريد أن أكون بقربك ؟
- سنلتقي حتما في القريب العاجل و ...
قبل أن تكمل كلماتك إليها سمعت جرس هاتفك النقال , الذي أسقطك من حلم يقظتك برنينه المتواصل وأعادك للواقع في ثوان معدودات , لعنت في سرك الهاتف النقال وقلت :
- كانت حياتنا أجمل و أهدأ دون ذلك الإختراع .. الآن يطاردك المتصل في كل مكان حتى في
غرفة نومك , أخبروك بالعمل أنه عليك الإستعداد يوم غد لمأمورية خارج العاصمة لمدة شهر ..
قلت لهم في سرك معاتبا : ألا يكفيني ذلك البعاد عن محبوبتي , وتذكرت أن قوانين العمل لا تعترف بالأمور العاطفية و الوجدانية ..
وبعد أن أنهيت المكالمة حاولت إكمال ذلك الحلم مع محبوبتك لكن طيفها قد رحل في تلك اللحظة , إستعنت هذه المرة بالذاكرة المليئة بأيام رائعة قضيتها مع محبوبتك قبل سفرها لإكمال دراساتها العليا خارج البلاد , وتذكرت اللقاء الأخير بينكم وهى مستلقية على صدرك في جو من الحب والحميمية لهاث أنفاس و قبلات دافئة وأحضان حارة مملؤة بدموع الفراق , و تداعب بأناملك خصلات شعرها الطويلة , سألتك ما هى أمنيتك في هذه اللحظة يا حبيبي ؟
- سرحت في التفكير قليلا ثم قلت لها : أتمني أن يكون آخر يوم في حياتي مثل أميليانو في رواية تيريزا باتيستا لجورج أمادو , وسألتك كيف كانت نهايته ؟ وحين أجبتها إندهشت من تلك النهاية و حضنتك بشدة و قبلتك بلهفة وذرفت دموع لم تذرفها أنثى في هذا الكون ..
قلت لها : لا تبكي يا حبيبتي , فذلك الموت كما قال الراوي (موت الصالحين .. المصطفين من الله)
و أنا لا أحسب نفسي من بينهم ولا تنسي أن الأمر هو مجرد أمنية فقط ..
أجابتك و الدموع تتراقص في عينيها : أمنيتي أن أموت على صدرك ..
و همست لك : أنت حاضري ومستقبلي أحبك أكثر من نفسي أتدري لماذا ؟ لأنك نفسي و لا
أحس إني أعيش إلا في وجودك , هل هذا آخر لقاء بيننا ؟ كيف سأعيش بعيدة عنك في
غربتي القادمة وأستقبل الصباحات وحيدة ولا أسمع صوتك و همسك العذب ؟ سأموت كل
يوم حتى نلتقي العام المقبل ..
و اسيتها بكلمات خرجت بنبرة حزن :سيجعلك هذا الغياب أكثر حضورا داخل روحي , حبك يتدفق في أعماقي نقيا وشفافا مثل دموع عينيك هذه , أنت البراءة الآسرة والأمل المشرق والحلم الوحيد في حياتي , لا معنى لحياتي إلا معك وأستمدُّ منكِ الحب والحنان و القوة...
أجهشت محبوبتك في بكائها المتواصل وإحتضنتم بعضكم بقوة وغبتم في عناق حميم , وتمنيت
أن تطول تلك الليلة الحالمة ولا تنتهي أبدا حتى لا يأتي الصباح ويأخذها منك ويمحي كل هذه اللحظات البهيجة , توقفت عجلة الزمن برهة عن الدوران , حلقتم بعيدا في سماء الدهشة مثل طائرين و إرتحلتم معا للعوالم الساحرة و الفاتنة في رحلة عشق أسطورية على أنغام سيمفونية العشق الخالدة و إيقاعات الجسد ...
قصة مشتركة : سمر عوض / عوض عثمان عوض
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة