دارفور مجالسُ الهّمبتـَة ـ ـ ( قصة قصيرة )
حامد حجر ـ بيروت [email protected]
كانت الصحراءَ تجودُ إخضراراً ، ترعي الوعـَولَ سيقان الجـُزو ..
رهافيف المرحبيب ، وادي هـَورَ ينسابُ شمالاً ..
ويغورُ عند كثيب عوينات ، ويجاور الكنانة و ديار الطوارق ...
بيضٌ عصافيرَ هي نوق قبلة البري ( دَاي كبرَا ) ..
فيهن البشاري ، الساراي وكبارا..
يسوقهن الحداة في دغشة ( دَابوو ) ..
الي مراعي فسيحة ، يانعة ، مترعة ..
باشجار السنط . الطلح والهجليج ، ريانة بثمرات الهراز ..
تقتاتُ الضريسة ، الحسكنيت والأويش ..
وتعود مع فلة الليل ، حينها تعبقُ القرية ..
برائحة إجترارِ فحول الجمال (دِي ) ..
وتعيد المضغ مرات وتختزن السنام ..
هناك عاش عمنا الهمباتي هيري ..
شابا قوي البنية ، عالِ الهمة والشكيمة ، غزيرُ الحكمة ..
وضرب الامثال ، لا تنقصه الشجاعة ..
شاعراً صعلوكاً ، يعاقر الخمرَ البلدي ..
بانواعها ، العسلية ، البغو ( دونك كادرونق ) ..
الكونومورو ، الكوشيب ، والدقـَة ..
يحتسي الرَاحَ في جرارٍ من فخار ..
الدولنق و التبساي ..
وتقوم الميرم بمدها بالمزيدِ و المزيدَ ..
حتي تنفك رسـنُ الدوبيت و الشاشاي ..
فلحظة الاعتراف قد حان ..
بسوق النوق من ديار الميدوب و الجلولَ ..
من عطرون لي مليط ووادي هَـورَ ..
في رحلة شهرٍ كامل بلياليها ، للهمبتة ..
وجلبَ النوق من فيافي بعيدة من قلب الصحراء ..
ويمتعض افعاله أهالي قريته ..
ولا يري في تندرهم من منطق ..
يرد علي حشر انف الاجاويد في دار السلطان ( اقدي ) ..
بانه يساعد فقيرا ، ويشبع جائعا ، ويرد حيفا ، ويسدُ ليلاً ..
ويردع همبتته الجوار من القبائل ..
يقرظ الشعر بالبريياء ( لغة الزغاوة) ويبين فصاحته ..
وترفعه عن الصغائر ، وقهره لدبيب الارض ، ووحشةِ الصحراءَ ..
عسفَ الحيدرَ ، ضَراعة المرفعين ( الضبع ) ..
يهيم بالجميلات من ميارم (الاميرات) ..
ويصفهن بجمال ناقته التي تسوي عنده الدنيا ..
(هـِرّليلَ مَصائِب الليلَ) ..
يختلسهن فرُجة عند وردِهن الماءَ من بئر القرية ..
او تَمَت الوادي ( النبع ) ..
وينشدُ الدوبيت بصوته الجهوري ..
وترمز الناقة ، الرقة ، العفة ، مشق القوام ، الشعر المتدلي ..
وقيم جمالية أُخرى تخص البيئة ، الصحراء ..
تعلو ضحكاتهن عنان السماء
ولا يخفين اعجابهن بهذا الهمباتي ..
شاغل الناس ..
هري ..
* * * *
في المساء يلتقي الأصحابَ عند ساحةِ القرية ..
أمام دار السلطان دوسة نصره الله ..
يسمي البلاطَ ( ورايي ) ..
حيث يختلي الفكرة ، يترتب الرحلة الي دار ميدوب ..
خوة الزغاوة مع ميدوب ..
حتما الليلة مع نجمة الصبح ( التريا ) ..
هناك يحلو سوق البيض وحدانا و مراحا ..
سيوف الصحراء علي قسوتها ، جبال دارفور في ارتفاعها ..
وديان ، وهاد ، خيران ، كثبان ، ومدالج ..
ثم تيه ونياسم ودرابين تتفرع الي الحلالَ ( قري صغيرة ) ..
قال : مسترمور ..
سال عنك السلطان (مفتشنصراني ) يا هيري ؟؟
يبادره أحد اصحابه ، يبتسم هيري ..
ستسجن في كتم إن قبض عليك الخواجا ..
لتمكث سنين في سجن ( جوة ) و يبتسم !!
* * * *
يعيش هيري مع أمه العجوز من غير زوجة أو أولاد
أُمه (امومدي) تحـّنو عليه ، وترجوه أن أهجُـرَ ..
الهمبته يا حاشاي ، كثر لغط الناس عليك ..
تقول ذلك وهي تنظم الايقونات السحرية ..
الودع ، السكسك ، أصداف ، حجباتٌ من جلد ..
تخزل الأنوالَ وتحُوك الكتان والاوبار ..
تجلس علي فروة خروف ( آوو ) ..
آخرَ ما تم ذبحه قربانا للإله ( إروه ) ..
اليوم تكتمل القمر بدرا.. ويحين وقت الصلاة ..
عند كفل الجبل وعلي سفحه ..
إروو أحفظ ( هري ) ..
تنثر الودع وأشياء أخري ..
باتجاه أعلي الجبل لمرات ، نداءٌ الي أرواح الأجداد ..
الي القوة الكامنة ، المتوحدة في الاشياء ..
كلُ الآلهة ، ما عدا أدونيس ( بَـدوه ) ..
إله العتمة والرعودَ ..
احفظوا إبني ( هـَيري ) ..
موجة من أنفاسِ كانون الباردة ..
تندلق من علي جوانب الجبل ..
الصقيع الجاف .. تهمهم العجوز ..
نيو ... اي ( البرد ) ..
فتعود الي القرية بعد أن صلت ..
علي طريقتها الافريقية ..
غوستس ..
ويتقبل الآلهة الصلوات ..
القربان بخاصةِ لغتها الإفريقية ..
الصباح .. تفك آسارُ النوقَ ..
مع عزف الراعي للمزمار ( موري ) ..
الي المراعي الخضراء الخصيبة ..
المناهل العزبة بفسحة الدنيا ..
برَياء بييه ( موطني ) ..
*****
قبل مجيئ العواصف .. لتمزق أعماقِ الانفسَ ..
وتقوضُ الايامَ ما شدناه من جميل الطمئنينه ..
موطني النازف ، من الطينة ( توناء ) ..
الي انكا ، كتم ، كورنوي ، كاس ، والفاشر ..
يرد الزمان فيشيخ هيري ثمانون خريفاً ..
بطلنا المثلوجي (الهمباتي) ..
ويسمع من يقول له ، النهب المسلح ..
فيضرب كفا بكف ..
ويشيحُ ، بصلوات القوم ..
ليس من الهّمة في شيء ..
يا ميارم إسمعن .. تالله!
إعقر الناقة ( كبرا ) ..
تاه النجم ( تريي ) في دار ( رِيح ) ..
******
صاحب البوت الثقيل ، لم يفرق بين ..
السارقٍ الملعونٍ ... و كريم قومه الآتي ..
تواً من مجالسِ الهمبتة ، بفضائله المستحقة ..
آثارُ العواصفُ .. الهوجاءَ ..
بشركِ من تساسُ بالهوان ..
حامد حجر ..
بيروت يناير 2008 ..
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة