أن تزامن مجزرة حديقة البؤساء مع الذكري الخمسين لاستقلال بلادنا ليدل بصورة مفجعة ومأساوية علي عدم انجاز الشعارات والقضايا الأساسية للاستقلال. فبعد خمسين عاما علي طرد المحتل لا تزال بلادنا وجماهير شعبنا ترزح تحت وطأة الفقر والتخلف والجوع والمرض والجهل، وبمعدلات تفوق، في بعض الوجوه، حتي ما كان عليه الحال قبل الاستقلال. لقد فشلت كل الحكومات التي تعاقبت علي سدة الحكم خلال الخمسين عاما الماضية في التصدي الجاد لحل هذه المشاكل، وفي إرساء دعائم التطور والنمو، وفي تحقيق تطلعات الجماهير التي ناضلت من أجل الاستقلال. ولقد كانت مساهمة نظام الجبهة القومية الإسلامية في هذا الفشل هي الأكبر علي الاطلاق، وذلك باجهاضها للنظام الديمقراطي، وبقطعها الطريق علي أتفاق الميرغني/قرنق للسلام، وباشعالها لنار الحرب في الجنوب والغرب والشرق، وبخضوعها المهين لاملاءآت وشروط صندوق النقد الدولي، وبتطبيقها الحرفي لسياسات التحرير الإقتصادي والخصخصة، وتمليك مؤسسات القطاع العام لرأسمالية الجبهة الطفيلية وجناحها المهيمن علي السلطة والثروة، ورفع يد الدولة بالكامل عن تقديم الخدمات العامة، وتحولها إلي جابي ضرائب و"باشبوزق" يفوق في قسوته وجبروته وظلمه كل ما ترويه كتب التاريخ عن الحكم التركي في السودان، وأخيراً بتتويجها مسلسل الخراب الماحق بالدعوة العلنية للمُنَظِر الإقتصادي للنظام لتمزبق أوصال الوطن وأختزاله في محور دنقلا/سنار-كردفان، واحالة بقية أجزاءه إلي الصالح العام! وفي الوقت الذي يُطرد فيه الطلاب من الجامعات لعدم تسديد الرسوم، ويُحرم المرضي من تلقي العلاج لعدم المقدرة علي دفع تكاليفه الباهظة، ويتضور الملايين من العجز والاملاق والجوع الكافر، ويُداس ويُقتل اللاجئون من السودانيين كالهوام، ويتبرع طلاب المدارس في أوروبا وأمريكا لاطعام النازحين في دارفور، تتفتق عبقرية النظام الحاكم ورئيسه المغرور عن بدعةٍ لم تخطر حتي ببال النميري، علي ما عرف عنه من جهلٍ وسفه وجنون عظمة، تتمثل في شراء "يخت" رئاسي بتكلفة قدرها ثلاثة مليون يورو!
إن الإدعاء بإن توقيع إتفاق السلام وبدء تنفيذه قد وضع حداً لانتهاكات حقوق الإنسان في السودان إدعاء أجوف لا تسنده حقائق الواقع، فما زالت السلطة الحاكمة تمارس البطش وتكميم الأفواه والتنكيل بالمعارضين السياسين في دارفور والشرق، وتنهض مجزرة البجا في بورتسودان في مطلع العام المنصرم دليلاً علي ذلك. وبالامس القريب تم اعتقال الكاتب الصحفي زهير السراج لتعليقه علي شكوي مواطن مغلوب، مما عده النظام وأجهزة أمنه تعديا و تطاولا وطعناً في "الذات الرئاسية".
إننا نترحم علي أرواح الضحايا من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب الغض من الجنوب ودارفور وبقية مناطق السودان وندين الاستخدام المُفرط للقوة الغاشمة التي أدت إلي مجزرة القاهرة ولقتل مواطنين عُزل الجأهم جحيم الحياة وفساد الحكم في بلادهم لنشدان الحماية والكرامة التي تضمنها المواثيق الدولية في أرض الله الواسعة. إن سقوط هذا العدد الكبير من القتلي والجرحي خلال تفريق اعتصام مدني ليدل علي استهانة بحرمة حياة البشر يندي لها جبين عتاة النازيين. إن التحالف الديمقراطي بدنفر إذ يؤكد على إدانته لمجزرة القاهرة وشجبه لسلوك الحكومتين السودانية والمصرية المشين، يطالب بتكوين هيئة مستقلة بمشاركة خبراء دوليين للتحقيق في المسؤولية عن القتل الجماعى، وبتعويض أسر الضحايا، و بالوقف الفورى لترحيل طالبي اللجؤ السياسي من شهود المجزرة إلي السودان.
ختاما فإننا نمد أيدينا وندعو كل المنظمات السياسية، وروابط ابناء دارفور، ورابطة ابناء النوبة العالمية المستقلة، وتنظيمات الجنوبيين بدنفر وبولدر للعمل المشترك لفضح وأدانة هذه الجريمة، وللتنديد بالنظام الحاكم في السودان.
التحالف الديمقراطي بدنفر / كلورادو 2006/01/07