لقد فقدت هذه الأمة - وهى ما زالت نشوى بإحتفالات السلام - فى ذلك المساء الأكثر حزناً فى تاريخها الحديث إبناً من أعز وأنبل أبنائها هو الدكتور جون قرنق دي مبيور في وقت هي أحوج ما تكون إليه بعد أن حط السلام الذي ظل يحلم به كليهما علي جنوب الوطن ومد جناحيه نحو غربه.
إن فقد الدكتور جون قرنق هو فقد فادح على الأمة السودانية بأسرها ونحن إذ ننعاه إنما ننعى فيه قائد نذر نفسه لقيادة الجماهير المهمشة دفاعاً عن حقوقها المشروعة فى إطار السودان الموحد والذى دعاه بالسودان الجديد الذى تقوم فيه الوحدة على التنوع .إن غياب الدكتور جون قرنق عن الساحة سيترك فراغاً يضع على جميع القوى الديمقراطية فى الشمال والجنوب عبئاً ثقيلاً و يلزمهابالعمل الدؤوب من أجل وضع المبادئ التى نادى بها شهيدنا العظيم بيد الجماهيرفهى وحدها القادرة على ملء ذلك الفراغ الذى تركه رحيل جون قرنق وفى ذلك الضمانة الوحيدة لتحقيق ما نصبو إليه.
وقد كان نبأ مقتل الدكتور جون قرنق دي مبيور المفاجئ نبأً يصعب التعامل معه بعقلانية لذلك فقد كان إندفاع الجماهير التلقائي إلى الشارع عقب تأكيد ذلك النبأ المشئوم صباح الإثنين أمراً طبيعياً ومتوقعاً وكان الغضب المنفلت أيضاً من المسائل التي يمكن توقعها ويجب أخد الحيطة لها لما أحاط مقتله من ملابسات يسهل على ذوي الأغراض تأويلها بما يؤجج الفتنة.
إن ما شهدته العاصمة القومية وبعض كبريات مدننا في الشمال والجنوب من أحداث شغب وعنف يتحمل وزرها هذا النظام فى المقام الأول لمسئوليته عن السياسات التي ظل ينتهجها والتي كانت نتيجتها ليس فقط هذا التوترالإثنى والدينى وفقدان الثقة بين العناصر المختلفة المكونة لهذه الأمة بل أيضاً ذلك الإستقطاب الحاد فى توزيع الثروة وإزدياد الفوارق الطبقية وهى السياسات التى خلقت هذا الكم الهائل من المشردين فى أطراف المدينة مما مهد لثقافة العنف التي إقتاتت على هذه السياسات وصاحب هذا كله غفلة أمنية لا تغتفر لمثل هذا النظام الذي أقام نفسه على قاعدة أمنية لا تعرف حداً للبطش عند أي بادرة تهدده. والمرء لا يسعه إلا أن يتساءل أين هى تلك القوات المدججة بالسلاح والتى تملأ الشارع كلما تململ عدد محدود من الطلاب فى ذلك اليوم الأسودعندما كان الوطن فى أمس الحاجة إليها؟. لقد كان خلو الشارع الذى ملأته الجماهير الغاضبة من أي تواجد أمني في وقت تتأجج فيه العواطف هو الأمر الذي سهل للمندسين من الجائعين والمشردين أن يقوموا بالإعتداء على الممتلكات والأشخاص في رد فعل غاضب وجائع ظللنا نحذر منه دون جدوى.
لقد كان لغياب أجهزة الأمن الأثر الأكبر في تلك الإنفلاتة الأمنية التىإنتهز فيها بعض من المشردين حالة الجماهير المكلومة في الشوارع للقيام بنشاطهم الإجرامي وهم في مأمن من الأجهزة الأمنية بحجم لم تشهده البلاد من قبل وقد تركت لهم الأجهزة الأمنية الحبل على الغارب حتى تطور الأمرلمعارك عرقية يؤخذ فيها البريء بجريرة المذنب وساعد على ذلك التأجيج للمشاعر العنصرية و الدينية التي قامت بها بعض العناصر المعروفة بعدائها للسلام مستغلة فيها المنابر الدينية والإعلامية.
إننا إذ ندين أعمال الشغب وأعمال العنف العنصرية نؤكد حرصنا على سلامة أبناء شعبنا بمختلف أعراقه وأديانه وسلامة ممتلكاتهم ونترحم على كل من أودت تلك الأحداث بحياته من المواطنين الأبرياء ونحمل الدولة مسئولية تعويض كل من تضرر من جراء تلك الأفعال وندعو جميع المواطنين للخلود للهدوء والسكينة حتى يفوتوا الفرصة على أعداء الوحدة والسلام كما وندعو جميع القوى السياسية لصب كل إمكانياتها الدعائية للعمل على تفريغ الشحنات العاطفية العنصرية والتي بدأت تط\ل الساحة السياسية بوجهها القبيح ونطالب الدولة بما يلى :

1) إجراء تحقيق تحت مظلة دولية لإستجلاء الحقائق المتصلة بالحادث المشئوم الذي أودى بحياة المناضل جون قرنق دي مبيور لأنه من حق هذا الشعب أن يعلم تلك الملابسات وقطعاً لدابر الشائعات.
2) أن تقوم الجهات الأمنية بأسرع وجه بأداء مهامها في التصدي لكل عابث بسلامة وممتلكات المواطنين بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية والدينية وأن تتصدى لكل من يحرض على الفتنة وتسكت كل الأصوات التي تقود لذلك وأن تتخذ ضدهم الإجراءات القانونية فوراً .
3) أن يتم حصر الخسائر الناجمة عن أعمال الشغب وتعويض المتضررين فى أسرع وقت
كذلك فإننا ندعوالجميع للتمسك بالسلام والعض على ما تم من مكاسب بالنواجز.

فلنرفع رايات الوحدة التي تحتفل بالتنوع
فلنهزم سياسات الحرب والإستعلاء العرقي والثقافي
عاشت ذكرى المناضل جون قرنق دي مبيور