توالت الإنسلاخات للقيادات والقواعد الحزبية بشكل غير مسبوق خلال الشهور القليلة الماضية من وإلى حزب المؤتمر الوطني، التي تقول كل المؤشرات حتى وقت قريب انها تصب لصالحه لدرجة أن البعض وصف تلك الظاهرة بموسم الحج إلى المؤتمر الوطني. إلا أن الرياح السياسية لا تهب دائماً في إتجاه سفينة المؤتمر الوطني حيث أعلن (140) من قيادات منبر الجنوب انسلاخهم من المؤتمر الوطني أمس الأول وتكوين حزب جديد باسم المؤتمر الوطني الأفريقي، في خطوة وصفها البعض بالضربة القوية إلى المؤتمر الوطني. وان لم تصبه بالدوار!!
وشنت القيادات المنسلخة التي يتزعمها الفريق شرطة «م» جورج كنقور أروب نائب رئيس الجمهورية الأسبق هجوماً عنيفاً على منبر الجنوب بالمؤتمر الوطني، واتهمت قيادات بالمؤتمر الوطني بالعمل على تهميش دورهم في المسائل التي تخص الجنوب.
والهجوم الذي شنه الـ «140» من القيادات الذين شغلوا في السابق مناصب رفيعة بحكومات الولايات الجنوبية، لم يكن مستغرباً أو جديداً، حيث دب الخلاف داخل قيادات الجنوب في الحزب الحاكم والذي كان البعض يصر على نفيه، وأخذ يطفو إلى السطح بعد توقيع إتفاقية السلام وتعيين د. رياك قاي كوك نائباً لرئيس المؤتمر الوطني ومسؤولاً لقطاع الجنوب، بعد أن كان جورج كنقور هو الذي يتولى ذلك المنصب.
ومن هنالك بدأ إشتعال الغيظ..!!
وفي تلك الأثناء ذكر خميس علي عبد اللطيف وهو من أعضاء منبر الجنوب بالمؤتمر الوطني «مجموعة جورج كنقور» حينها أن «350» من قيادات المنبر يرفضون إزاحة جورج كنقور أروب من منصبه ويعترضون على تعيين د. رياك قاي وقد أرسلوا في ذلك الوقت رسالة لرئيس المؤتمر الوطني مهرت بتوقيع جورج كنقور أروب نائب رئيس الجمهورية الأسبق كتب عليها «سري للغاية ومهم جداً»، شكوا فيها مما اسماه أروب بتخلي الإنقاذ عن نهجها المتمثل في الشورى والشفافية. مشيراً إلى أنهم لم يستشاروا في عدد من القرارات المصيرية كتعيين د. رياك قاي مسئولاً عن الجنوب بالحزب ونائباً لرئيس المؤتمر الوطني.
وأبدى أستياءه مما وصفه بأسلوب التهميش والإستعلاء والتغييب في ظل وسائل مغلفة بالكراهية والتصغير والإضعاف حسب أروب الذي قال ان قيادات الحزب تعين من تشاء دون إعتبار لنا..!
وما ذهب إليه أروب إذا قرأناه مع ماذهبت إليه مجموعة الـ (140) من عدم إستجابة رئيس الحزب لمطالبها مما دفعهم إلى المغادرة الجماعية من الحزب بعد أن تأكد لهم إستغناؤه عن أنشطتهم يعزز شكوك الكثيرين في أن دافع هذا الإنسلاخ يرجع إلى فقدان هؤلاء المنسلخين والمسئولين السابقين في حكومات الولايات الجنوبية إلى مناصبهم ووظائفهم.
ومضى محلل سياسي منتمى إلى حزب المؤتمر الوطني إلى ذات الإتجاه مشيراً إلى أن هنالك صعوبة عملية في إستيعاب كل هذه الكوادر الذين كانوا يعملون كتنفيذيين سابقين في نسبة المؤتمر الوطني في حكومة الجنوب مما جعل الكثيرين منهم دونما وظائف.
وفي سياق حملات الإنسلاخ والكسب المضاد قال السلطان ضيو مطوك القيادي الجنوبي بالمؤتمر الوطني لـ «الرأي العام» «إننا في المؤتمر الوطني مثل ما أن هنالك أناساً ينضمون إلينا كنا نتوقع مثل هذا الإنسلاخ في إطار الحريات المتاحة ومفاهيم إتفاقية السلام» ونفى أن يكون هنالك تهميش في المؤتمر الوطني لبعض القيادات. وأضاف من الطبيعي جداً أن تكون هنالك تيارات مختلفة تتصارع حول الكراسي فهذه ظاهرة موجودة في كل التنظيمات، ولكن الذي يحكمها تطلعات الشخص ومقدراته. فوصول شخص معين للقيادة - في إشارة إلى قاي - لا يعني تهميش الآخر، وقلل من تأثير هذا الإنسلاخ بقوله إن المؤتمر الوطني لا يتأثر بإنسلاخ (140) ألفاً ناهيك عن إنسلاخ (140) شخصاً..!!
ومضى في ذات الإتجاه المهندس علي تميم فرتاك أمين أمانة الجنوب بالمؤتمر الوطني الذي وصف تأثير هذه الخطوة بالمحدود. وكشف فرتاك عن علم قيادة المؤتمر الوطني بنشاط هذه المجموعة وقد بذلت مجهودات كبيرة لإثنائهم عن الإنسلاخ. ونفى بشدة أن يكون هنالك تهميش في داخل المؤتمر الوطني لأي فرد موضحاً أن الذي يحدث إنما هو تباين في الآراء..!
وقال فرتاك لـ «الرأي العام» أنه وبعد إعفاء جورج كنقور أروب من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، فقد قام بتجميد نشاطه في المؤتمر الوطني ولم يقم بأي نشاط يذكر وأقدم الأفراد المنتمين إلى منبر الجنوب على ذات الخطوة، ومضى إلى أن كنقور عاد للواجهة مرة أخرى بعد أن تم إختياره في المكتب القيادي السابق للمؤتمر الوطني وفي المجلس الوطني السابق، لكن بعد إتفاقية السلام وفي أعقاب حل المجلس الوطني السابق وإختيار مكتب قيادي جديد للمؤتمر الوطني لم يحظ أروب بعضوية أي منهم فاختار هؤلاء الـ(140) تجميد نشاطهم بالمؤتمر الوطني وإنسلاخهم منه.
وعلى تباين وتلاقي التبريرات فإن هذا الإنسلاخ للمائة وأربعين من قيادات منبر الجنوب وتكوين حزب جديد باسم المؤتمر الوطني الأفريقي - بعد أن كانت كل التوقعات تشير إلى إنضمامهم للحركة الشعبية التي رجح بعض المراقبين عدم ترحيبها بالإنضمام إلى صفوفها - يشير كل ذلك وبلا مواربة إلى أن هناك شيئاً ما تفعله هذه القيادات وهي تتهيأ لمرحلة ما بعد الفترة الإنتقالية. ما هو ؟!!
هذا ما ستكشفه الاشهر او قل السنوات القادمة!!