وكشف الكتاب، الذي يقع الكتاب في 664 صفحة الحجم الكبير، عن أن الرئيس عمر البشير تفاجأ بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا فى عام 1995، وتحدث عن عزل وتصفيات، طالت المتورطين فى الحادث الذي أزّم العلاقات بين الخرطوم والقاهرة طويلا.
وقدم الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عن دار عكرمة بسورية في فبراير (شباط) الماضي، وتوزعه حاليا مكتبتان في الخرطوم سردا كاملا لتداعيات الخلاف بين البشير والترابي. ويحوي وثائق مثيرة وإسرارا تُكشف لأول مرة. مؤلف الكتاب الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين، من شباب الحركة الإسلامية، تقلب في عدة مناصب، وكان مساعدا لأمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وعمل مستشارا بسفارة السودان في بيروت.
ساعة الصفر: يقول الكتاب إنه منذ المصالحة مع الرئيس الأسبق جعفر نميري في 1977، فكر الإسلاميون في تكوين تنظيم داخل الجيش وفي عام 1987 بدأ التفكير جديا في الاستيلاء على السلطة. وكون الإسلاميون مكتبا عسكريا خاصا يضم سبعة أشخاص هم: حسن الترابي وياسين عمر الإمام وعلي عثمان محمد طه وعوض الجاز وعبد الله حسن أحمد وعلي الحاج. وكانت اجتماعات هذا المكتب تتم في سطوح منزل ياسين الإمام في حي الثورة في مدينة امدرمان وفكر الإسلاميون في تنفيذ انقلاب لأول مرة في عام 1985.
وحسب إفادات نسبها مؤلف الكتاب الى اللواء عبد الرحيم محمد حسين (وزير الدفاع حاليا)، فإن العسكريين أدوا قسم الولاء في ابريل (نيسان) لتنفيذ انقلاب 30 يونيو 1989، ووقتها سأل العميد عمر حسن أحمد البشير الترابي: متى تظهر علاقة الحركة الإسلامية بالانقلاب؟ فرد الترابي: نحن لمدة 30 سنة ما «دايرين حد» يعرف علاقتنا بالنظام.
وكان مخطط تنفيذ الانقلاب في 22 يونيو، ونسبة لاعتقال اللواء الزبير محمد صالح في محاولة انقلابية، اتهم فيها المايويين (نسبة لانقلاب 25 مايو، الذي نفذه نميري عام 1969)، تم تأجيل العملية أسبوعا، وكانت هناك حركات داخل الجيش تتسابق للاستيلاء على السلطة. وترأس العميد عثمان محمد الحسن اجتماعا حاسما في 28 يونيو، وكان رأيه تأجيل العملية، ولكن وصول العميد عمر حسن أحمد البشير إلى الخرطوم قادما من ميوم في الجنوب للاستعداد للسفر إلى القاهرة لدورة عسكرية، حسم الجدل حول ساعة الصفر، وتحدد يوم الجمعة 30 يونيو 1989 موعدا للاستيلاء على السلطة.
وكان اللواء عبد الرحيم محمد حسين، ومعه المقدم إبراهيم شمس الدين توليا مهمة الاستيلاء على القوات الجوية والمدرعات، ولعب المهندس محمود شريف، دورا مهما في ترتيب الاتصالات بين عناصر الانقلاب، عبر أجهزة خاصة، وتمت السيطرة على الإذاعة والتلفزيون في الساعة الثالثة والنصف من فجر الجمعة 30 يونيو، والمفاجأة كانت تأخر وصول شريط البيان الأول بصوت العميد عمر البشير وأذيع في العاشرة. وحسب الكتاب، فإن العميد محمد عثمان محمد سعيد ـ كان واليا للخرطوم ـ لعب دورا مهما في تجاوز معضلة سلاح المهندسين، وكادت تحدث مواجهات لحظة اعتقال رئيس هيئة الأركان، وتم التسليم منعا لإراقة الدماء، وللتمويه تم اعتقال حسن الترابي، وتولى علي عثمان وعوض الجاز وياسين عمر الإمام ومهدي إبراهيم إدارة الحكومة في أيام الانقلاب الأولى. وكان قيادي ـ يعد من صقور الحركة الإسلامية ـ قد اقترح تصفية، رموز الطائفية في البلاد، في اشارة الى الصادق المهدي امام طائفة الانصار الرافد الديني لحزب الأمة المعارض الآن، ومحمد عثمان الميرغني، زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي زعيم طائفة الختمية القاعدة الدينية للحزب، وبرر دعوته الغريبة بزعم إراحة السودان من دوامة حكم وصراعات البيوت الكبيرة. واختلف العميد عثمان أحمد حسن ـ رئيس اللجنة السياسية آنذاك ـ مبكرا مع مكتب الحركة الإسلامية الخاص، حول إدارة الدولة ومن يتولى ذلك؟ المدنيون أم العسكريون؟ وكان يرى أن تكون علاقة المدنيين بثورة الإنقاذ الوطني علاقة دعم سياسي وشعبي، وان يترك التنفيذ للعسكريين، ونتيجة لهذا الآراء، تم استبداله بالعميد عمر البشير.
محاولة اغتيال مبارك: يشير الكتاب إلى أن محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك التي جرت في أديس أبابا عام 1995، ووجهت أصابع الاتهام للسودان، أثارت كثيرا من الغضب والخلافات الداخلية. وحسب شهادة بدر الدين طه، الناشط في الحركة الإسلامية منذ 1965 ووالي الخرطوم في التسعينيات، فإن المحاولة وقعت من وراء ظهر عمر البشير. وقال إن الذين يعرفون تفاصيلها في الحركة الإسلامية، هم أقل من عشرة.
وقد تفاجأ عمر البشير بالمحاولة، وبعد عودته من حضور القمة الأفريقية في أديس أبابا، توجه غاضبا إلى الترابي في منزله، ودار حديث بين الاثنين ومنع حتى اللواء عبد الرحيم محمد حسين، أبرز المقربين للبشير، من حضور اجتماعهما. وبعد ذلك تم إعفاء قيادات الأجهزة الأمنية، ومدير جهاز الأمن آنذاك، وتم تكليف اللواء عبد الرحيم محمد حسين طرد الأجانب من السودان. الترابي والرئاسة: يقول الكتاب: بعد استشهاد اللواء الزبير محمد صالح (النائب الأول للرئيس) بسقوط طائرته في جنوب السودان، قال مسؤولون إن الترابي الذي يسعى إلى السلطة، ويتمنى أن يحكم السودان، ذهب إلى الرئيس عمر البشير يحمل ترشيحات لثلاثة أشخاص لمنصب النائب الأول للرئيس بعد استشهاد الزبير، وهي على النحو التالي: حسن الترابي وعلي عثمان طه وعلي الحاج. وقال الترابي للبشير: إخوانك كلفوني تقديم هذه الترشيحات لتختار واحدا منها. وحاول الترابي ـ كعادته ـ توضيح رأيه من خلال تجربته الطويلة في التعامل مع (علي) و(علي) مبديا ملاحظات سلبية مليئة بالتجريح وتقليل الشأن، مما يهيئ البشير لاختياره هو شخصيا. وفي رده على الترابي قال البشير: «شوف يا شيخ أنا لا يمكن أن أكون رئيسا عليك، ونفسيا لا أقدر على ذلك، لأن شيخ حسن أكبر من يكون نائبا للبشير، أما علي الحاج فهو رجل عشوائي ولا يحترم الوقت، وأما علي عثمان فهو مناسب وارتاح لصفاته وأنا أكبر منه. وتم اختيار علي عثمان طه.
وكان ياسين عمر الإمام من اشد المعارضين لترشيح الترابي، وقال «هذا خبل ويتعارض مع استراتيجيتنا.. نحن قلنا إن الحركة الإسلامية حاكمة، فكيف نأتي بالرجل الأول في الحركة ليكون نائبا.. ولا حتى رئيسا للجمهورية».