تنعقد اليوم في الخرطوم القمة العربية الثامنة عشر، بعد شهرين من انفضاض قمة الاتحاد الأفريقي ورحيل قادته من الخرطوم في خواتم يناير المنصرم. كان من الممكن لانعقاد القمتين في الخرطوم أن يكون مدعاة للزهو لو تم ذلك في ظرف تصالح السودان مع ذاته ومكونات هويته، ولكنهما في واقع الأمر عقدتا في وقت يعاني السودان فيه أكثر من أي وقت مضى من انشطا ر ذاته وتفتت مكونات هويته ووحدته الوطنية، وكأنما التأمت القمتان العربية والأفريقية لإلقاء نظرة الوداع على بلد كان من الممكن أن يكون مثالاً للتمازج والانصهار بينهما، على السودان وهو يحتضر ويحث الخطى نحو الانفصال والتشظي بفعل سياسة حكامه الإنقاذيين، لقد وجهت القمة الأفريقية صفعة قوية لسلطة الإنقاذ برفضها إسناد رئاسة الاتحاد الأفريقي للسودان لتورط سلطته في الحرب الإجرامية في دارفور ولسجلها المخزي في انتهاكات حقوق الإنسان. القمة العربية لن يكون بوسعها أن توجه صفعة كتلك لمستضيفيها، ليس فقط بسبب سياسة المجاملات العربية ولا لأن نظامها يقتضى أيلولة الرئاسة لمقر القمة، ولكن:
أولاً: لأن منهج القمم العربية تاريخياً لا يعبأ بمصالح الشعوب ولا بقضايا الأوطان أو حقوق الإنسان، وإنما بمصالح الأنظمة الحاكمة أولاً وأخيرا.ً
وثانياً: لأن مواقف الأنظمة العربية من الحروب والنزاعات في السودان، والمستعرة دوماً بوقود الاضطهاد العرقي والديني والثقافي، ظل هو الموقف قصير النظر المتعاطف مع و الداعم في كل منعطف لهيمنة الهوية العربية الإسلامية على غيرها من مكونات الهوية السودانية المتعددة عرقياً ودينياً وثقافيا.ً
تعقد القمة العربية في الخرطوم والسودان لا يستضيفها فحسب وإنما يرد في صدارة أجندتها، ولذا نوجه خطابنا إليها فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية والحارقة في السودان.
اتفاقية السلام والانفصال الوشيك:
اتفاقية السلام بين السلطة الحاكمة والحركة الشعبية لتحرير السودان تمثل مكسباً هاماً للشعب السوداني لإيقافها للحرب الضروس في الجنوب لذا ينبغي تأييدها ودعمها، ولكنها بمثل ما يمكن أن تقود لوحدة البلاد يمكن أن تؤدي للانفصال عند ممارسة شعب الجنوب لحق تقرير المصير بعد أقل من خمسة سنوات، والأخير هو الخيار المرجح بقوة بحكم انتهاكات حزب المؤتمر الوطني الحاكم للاتفاقية وتلكؤه في تنفيذها، وإصراره على تمكين أجندته وأيديولوجيته الشمولية و الاقصائية ورفضه المطلق لاستحقاقات التحول الديمقراطي.
وحدة السودان هي القضية أمام القمة العربية وهي لن تشترى بالمال أو الاستثمارات، حتى لو وفرتها القمة، وإنما قد تستجيب آذان وأفئدة شعبنا في الجنوب لموقف وفهم جديد من القمة يضع عرب السودان وأفارقته في كفة واحدة ويتعامل معهم كسودانيين بخصوصيتهم السودانية، ولن يتأتى ذلك إلا بتفهمهم الإيجابي لرؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان وهي الند لحزب المؤتمر الوطني في توقيع اتفاقية السلام. بعد ذلك، وليس قبله، يمكن للمال والاستثمارات العربية أن تصبح عاملاً ذا أثر في مآلات الوحدة والانفصال.
الحرب في دارفور
إن قرار مجلس السلم والأمن والأفريقي الأخير بقبول تحويل مهمة قواته في دارفور إلى قوات دولية، ثم قرار مجلس الأمن عشية انعقاد القمة العربية، أعفيا القادة العرب من اتخاذ قرار صريح برفض "التدخل الأجنبي" في السودان، تحت ذريعة أنهم لا يرغبون في تحدي الشرعية الدولية. ولكن توصية وزراء الخارجية العرب لقادتهم بأن إرسال القوات الدولية إلى السودان "يتطلب الموافقة المسبقة لحكومة السودان" هو الموقف الخجول الداعم للسلطة وهو موقف لن يفيد السلطة في شيء وفي ذات الوقت لن يحمي روحاً واحدة في دارفور. لقد ذكرنا من قبل في وثيقتنا لمؤتمرنا الثالث حول أزمة دارفور أن جوهر الأزمة يتمثل في المعضلة العرقية الثقافية وأن الموقف العربي الرسمي المعبر عنه إعلامياً وثقافياً ظل باستمرار هو التغاضي عن أسباب الأزمة وجذورها في السودان بين أدعياء العروبة الخالصة والقبائل الأفريقية، والالتفاف عليها بقضايا "العرب الصيد الأصفياء" في فلسطين والعراق.لو أراد القادة العرب أن يزيلوا الوصمة عن جبين العروبة فعليهم الضغط لإيقاف الجرائم المرتكبة باسمها ضد أطفال ونساء دارفور .. لو أرادت القمة العربية فعلاً لعملية السلام في أبوجا أن تتسارع فإن عليها الضغط على حكومة الإنقاذ أن تعجل بالاستجابة للمطالب المشروعة لمواطني دارفور لا أن توهمهما بدعم لن يتجسد مادياً ولكنه سيؤدي فقط لإطالة معاناة أهلنا في دارفور.
النزاع في الشرق
توقف الحرب في الجنوب لم يؤدي للسلام في السودان وإنما لتسعيرها في الغرب في دارفور وفي الشرق. القمة العربية والعالم العربي ينتظران أن تبلغ الكارثة في الشرق ما يستدعي الضمير الإنساني أن يستصرخ العالم والشرعية الدولية للتدخل قبل أن يشرعا في محاولات الالتفاف على الشرعية الدولية، دون أن يتعلم الناس سطراً من جنوب السودان أو دارفور. ولكن في قضية الشرق فإننا نأسى تماماً ونستهجن موقف الحكومة الكويتية والتي حاولت التدخل لإحداث شروخ بين مناضلي شعبنا في الشرق باستغلال وتسعير العوامل القبلية. لا بد لنا هنا من تذكير الحكومة الكويتية بأن الشعب السوداني ممثلاً في قواه الحية والمعارضة لسلطة الإنقاذ، ومن بينها قوى المعارضة في الشرق، هو الذي وقف معها وقدم التضحيات في سبيل ذلك إبان الاحتلال الصدامي للكويت بينما سلطة الإنقاذ هي التي آزرت الاحتلال بل وتآمرت معه. إن موقف الحكومة الكويتية الخاضع لحساباتها مع الإسلاميين في بلادها لا يمكن أن يكون هو رداً مناسباً للتحية، و إنما جزاء سنّمار لمواقف المعارضة السودانية المشرفة ، ونتمنى تماماً أن تتراجع الحكومة الكويتية عن ذلك الموقف وأن ترفع يدها عن الصراع في الشرق إن لم يكن بوسعها التعامل معه بموضوعية ونزاهة.
تلك هي كلماتنا للقمة العربية في الخرطوم، ونترك ديناً في أعناق القادة العرب أن يكون السودان الذي يستضيفهم اليوم موجوداً وحياً حينما تحين مواعيد قمتهم القادمة في الخرطوم.
حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)
الخرطوم 28 مارس 2006