أربعة مستقبلات سودانية : المقدمة ورقة مركز السودان المعاصر
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 22/3/2006 3:04 م
من المهم توضيحه وإدراكه قبل عرض مقدمة المستقبلات المرشحة بشبه القارة السودانية . أن السودان لم يتكون بعد كدولة ، دولة قومية أو دولة شعب. فهو لم يزال قطعة ارض تجمع مجموعات متباينة من الشعوب قدر لها العيش فيها دون التعارف على بعضها ودونما إدراك لجميع الجوانب الضرورية بها. ينقسم السودان إلى سبع أقاليم اجتماعية (سيكوكالتشير) (Soc- culture) من الناحية الثقافية وكذالك إلى ست أقاليم إدارية خططها المستعمر الإنكليزي قبل خروجه في عام 1956م . والأقاليم الإدارية هي : الإقليم الشمالي ، والإقليم الجنوبي ، والإقليم الشرقي ، وإقليم كردفان ، وإقليم دارفور ، والإقليم الأوسط. وهو تقسيم منهجي للدولة استند على دراسة علمية لمكونات الدولة السودانية. والمستعمر الانكليزي دائما لا يقوم بعمل دون دراسة منهجية. ويمكن أن يتحقق عبره تطبيق الفدرالية الحقيقة في اتحاد سوداني قوي إن اعتمدت في البداية . ومرجع أزمة الدولة في السودان إلي الإخفاق في توظيف تلك الدراسات المنهجية في توزيع السلطة والثروة. ولا تزال الفرصة حاضرة لاعتمادها في حل الأزمة السودانية. أما الأقاليم الاجتماعية والثقافية السيكلتشرية السبع فهي : 1- شعب الشطر الغربي من السودان (الغرابة). 2- وشعب الشطر الجنوبي (الجنوبيون ) 3- شعب الشطر الشمالي (الجلابة) أو النيلويون الشماليون 4- شعب البجا وبقية الشرقيون (شرقاويون) 5- شعب هضبتي النوبة في الوسط والانقسنا جنوب النهر الأزرق . 6- عربان بلاد ما بين النهرين (أهل العوض) 7- المستوطنون الحلب في مدن الخرطوم والمدن الكبيرة بالسودان. لكل إقليم سمات جمعية في مكونات سكانها ، يجعلهم يتفردون عن سكان الإقليم الآخر . ولكن الجميع يجمع بينهم صفة عليا كان ينتظر من الهيئات السياسية التي إدارة الدولة تنميتها وتزكيتها نحو بناء عقيدة وطنية ثابتة يمكن أن يستفاد منها في الصرح السياسي والثقافي. 1- يمثل (الغرابة) سكان غرب السودان والمهاجرون منه إلى الجهات الأخرى اكبر كتلة اجتماعية وثقافية في شبه القارة السودانية. يمتد اقليهم جغرافيا من الغرب إلى الشرق مارا بالوسط ويشمل سكان إقليمي دارفور وكردفان الإداريين في الغرب .والمهاجرون منهم هم سكان الجزء الجنوبي من الإقليم الشرقي شمال النهر الأزرق وهم القضارفة وبعض سكان حول حلفا الصغيرة. وكذالك سكان شرق الإقليم الأوسط جنوب النهر الأزرق حول مدينتي سنار والدمازين . وكذالك جزء مقدر يسكنون منطقة ما بين النهرين التي تعرف في السودان اصطلاحا (بالجزيرة) وهي قلب الإقليم الأوسط . كما يمثل الغرابة الجزء الأكبر من سكان المساكن الطرفية (مدن الصفيح) حول المدن الثلاثة الكبرى في ملتقى النهرين عند الخرطوم وما حولها. والأصل في سكان المجتمع الغربي في السودان هم الدارفوريون والكردافة لكن نتيجة هجرات فوق مائتي سنة مضت لأسباب اقتصادية خرج النصف الأكبر إلى الشرق (الصباح) . يبلغ تعداد أهل غرب السودان أو الغرب الاجتماعي في اقل الحالات (24) مليون نسمة من أصل (40) مليون نسمة . إذ يقدر سكان شبه القارة السوداني ، وهو رقم ما يقارب (60% ) من سكان شبه القارة السودانية . ومن ناحية داخلية سيوكالتشر ينقسم الغرابة إلى ثلاثة أصناف كبيرة الأول هم الأعراب البدو بقارة( رعاة البقر) وابالة (رعاة الإبل ) والثاني هم القرويون. والمولدون بين الجماعتين . وهم اكبر الأقسام. ويشكل غالبية البدو المجموعات الاثنية الموصوفة بالأفارقة من ذوي الأصول العربية. ويغطون امتداد الإقليمين الإداريين في كردفان ودارفور من الناحية الجنوبية. أم القرويون فهم المزارعون من مجموعة السكان الأصليون بالسودان كذالك يعيشون على امتداد الإقليمين الغربيين من الناحية الشمالية . تحالفت و تصاهرت تلك العناصر فوق ألف سنة من عمر التعايش السلمي لتتولد مجتمع هجين من الأفارقة والبدو الأوائل وهو صورة للمولدين المنتشرين في كل الإقليمين الغربيين . والأخيرين ما يعطون الخاصية للسودان كله المتفرد عن الصفة العروبية أو الصفة الافرقانية .وبات ليس من اليسير التميز بين سكان الإقليمين الغربي على نحو التقسيم السالف . كانت الجغرافية المشتركة والدين الإسلامي واللغة والثقافة العربيتين أهم العناصر الإنسانية المشتركة التي عاشت روابط أزلية جمعت تلك المجموعات في قالب يعرفون به بين بقية المجتمعات السودانية الأخرى، فيسمونهم : (أهل الغرب) أو (الغرابة) أو (ناس الغرب) . وكانت لتلك العناصر الفضل في حكم سلطنات دارفور و كردفال في عهودهما الإسلامية فوق ألف سنة.وعامل في الثورات التي أسس الكيان السوداني بشكله الحالي في عهدي الإمامين المهدي الأول و خليفته عبد الله التعايشي عليهما رحمة الله نهاية القرن التاسع عشر الميلادي . ومرشح تلك الصفات العيش إلى أمد بعيد. المجتمع الغرابي هو الكيان الاجتماعي بشبه القارة الذي كان له الفضل في خلق جغرافية الدولة أيضا. والذي يمكن أن يطلق تعريف (السودان) عرقا وثقافة على شبه القارة كلها والتي تحوي الصفات . السودانوية الثقافية والاجتماعية ،وهو أيضا بدوره المجتمع الذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك سودان . وباستغلاله يمكن أن تحدث وحده لاجزاء شبه القارة السودانية . 2- ينقسم المجتمع الجنوبي إلى إقليمين سيكالتشار كبيرين هما النيليون والاستوائيون . ويضم النيليون وهم سكان النصف الأعلى للنهر الأبيض القبائل الأربعة الكبيرة هم الدينكا والانواك والشلك والنوير و ينتشرون بين مديرية أعالي النيل حيث ملتقى نهري السوباط والنهر الأبيض . وأيضا في حوض الأنهر الصغيرة جنوب غرب أعالي النيل في مديرة بحر الغزال . والنيليون في الغالب رعاة بقر موغلون في البداوة ، وتظهر فيهم السمات الإفريقية العريقة . يمارسون بجانب ذلك الزراعة الموسمية. ولكنهم اكثر حضرية من سكان الجزء الجنوبي منهم الاستوائيون. ويسكن الاستوائيون في الإقليم المناخي المطير حول حوض البحيرات العظيمة . أرضهم تكسوه الغابات الاستوائية والجبال . وابرز قبائل الاستوائيين هي الزاندي واللاتوكا والكاكوا والمندارا والماساي ،وهؤلاء هم سكان المديرية الاستوائية جنوب منطقة السدود في الحدود مع الدول الأفريقية كينيا ويوغاندا وزائير ويمتهنون الزراعة في الغالب ، ولكن لم يزل بعضهم يعيش على الجني والالتقاط . وهم مجموعات لا تزال عميقة في البدائية والتخلف الاجتماعي. 3- الشماليون أو سكان الإقليم الشمالي (الجلابة) هم المجموعات السكانية في الجزء الشمالي من ملتقى النهرين الأزرق والأبيض. ارض جرداء في معظمها صحراوية كلما بعد عن مجرى الوادي. تحيط مساكن متوسطة البنيان حول مجرى النهر شمالي المدن الثلاثة بعد ملتقى النهرين . واهم سكانه هم خليط النوبة البربر والسلالات الهبشية . وهما قسمان أيضا. في أقصى الشمال الجزء المتاخم لدولة مصر مجموعة النوبة البربر لها صلة بالحضارة الكوشية. وهي ثلاث مجموعات كبيرة على الترتيب الحلفاويون والدناقلة والمحس . والى الجنوب مجموعة البربر الاهباش وهي المجموعة العرقية التي يطلق عليها في السودان لفظة (الجلابة ) أو الشمال النيليون. سكان منطقة نوبا الأدنى في التعريفات الجغرافية ، في بلدة نهر النيل وهي مجموعة ذات صلة بالعربيين ، الغالب إنها خالطت بدو قدموا من جنوب مصر . تظهر عليها السمة العروبية كثيرا. ومن أهم المجموعات العرقية هي الجعليون والشيجية والرباطاب والمناصير والميرفاب. ونهر النيل الشمالي هي المنطقة التي حكم أبنائها السودان طوال خمسين سنة منذ خروج الإنكليز . وهي أيضا المنطقة المتهمة بالمساهمة في تأخير تقدم شبه القارة السودانية في عهدها الوطني. المجموعة الشمالية تعتبر اكثر المجموعات تعليما في السودان ، وحازت أرضها على التنمية والتقدم الإيجابي بالمقارنة مع شعوب المجتمعات السودانية الأخرى .فهي تعرف بأنها اكثر المجتمعات التي هيمنة على مقاليد السلطة والثروة بالبلاد خلال إدارتها للدولة ، وان كان في الكثير من جوانب تلك الإدارة غلبت تهميش وظلم متعمدين وقعا على سكان المجتمعات السودانية الأخرى. غالب نشاط سكان الإقليم الشمالي الزراعة الخفيفة وجني التمر. ولان دخلهم الاقتصادي في الأساس يعتمد من دخل الدولة العام بحكم إدارة أبنائها للمؤسسات الرسمية .وعائد من هجرة بعض أبنائها المتعلمون إلى الدول الأخرى.
4- الشرقيون المقصود بهم في الأساس مجموعة قبائل قومية البجا شرق السودان وهم الهدندوة والبني عامر والامرار والبشاريون. وهم يسكنون المنطقة الصحراوية القاحلة في الشرق السوداني المتاخمة للتلال العالية حول البحر المالح (الأحمر) حتى الحدود مع دولة مصر.البعض بدو رعاة ابل ، وتشكل الرعي مهنة مقدرة بالإقليم الشمالي.. وبيئتهم شديدة التخلف الاجتماعي والاقتصادي فلم يحظى بتنمية تذكر. يشترك البجا السكن مع مجموعات في إقليم الهبشة المجاور. يشاطر مجموعة البجا في السكن عربان الرشايدة والزبيدية إلى الجنوب من إقليمهم . وهي مجموعات بدوية متخلفة أيضا يمتهنون رعى الإبل. وتعد الرشايدة آخر المجموعات العربية التي دخلت السودان من جزيرة العرب أول القرن العشرين. كما يشاطر البجا السكن في الشرق بعض أبناء الغرب الاجتماعي . فيمتدون إلى جنوب الإقليم الشرقي . والغرابة هناك هم (القضارفة) أي سكت مدينة القضارف وما حولها . ويشترك مع البجا العربان البدو في ممارسة النشاط الرعوي و شيء من تجارة الحدود ، ويتفرد سكان جنوب الإقليم الشرقي من المجموعات الغربية التي هاجرت بممارسة نشاط الزراعة المطرية . 5- في الكثير من العادات والتقاليد يتشابه سكان هضبة النوبة في وسط السودان وهضبة الانقسنا جنوب النهر الأزرق مع سكان غرب السودان . بعض الاجتماعيون يعدونهما ضمن السيكلتشير (الغرابة) ،كما أن هناك تداخل اثني بين سكان الجبال وبعض الغرابة ،فبعض الاثنيات في إقليم دارفور تدعي أن أصولها نوبية جبالية .ولها ما يبرر الادعاء ، وهناك تداخل وتصاهر بين العربان البقارة الغرابة حول الجبال وسكان الجبال النوبا . وسكان الجبال النوبا والانقسنا هم اصل حضارة الرجل الأسود في نهر النيل التي عاشت حول خمسة آلاف سنة شمال السودان وجنوب مصر . تمتد هضبة النوبة على طول300 كلم وعرض 150 كلم تكونها 99 جبل ، وهي ارض غاية في الروعة والجمال الطبيعي. واكبر قبائلها النجيماك والوالي . أما الانقسنا فهي هضبة شديدة الوعورة تقع في الركن الجنوبي الشرقي لشبه القارة السودانية تتاخم دولة أثيوبيا حتى نهر سوباط . يسكنها قبائل الفونج والقمس شديدو الزنجية . وهي تتشابه إلى حد كبير بينها وسكان الجبال النوبة في الثقافة والعادات الاجتماعية لقدم الروابط بين المجموعتين. ويجمع بين سكان الانقسنا والغرابة تاريخ السلطنتين الزرقاء في سنار والسلطنتين الاتحادية في إقليم دارفور وكردفال .فقد تحالف الأعراب القواسمة والفونج في إنشاء السلطنة الزرقاء بعد قيام دولة الفور الإسلامية بأربعة قرون ونيف. فهما نتاج تصاهر الأعراب البدو عميقي الثقافة الإسلامية بالزنج من السكان الأصليين . فتولدت الثقافة السودانوية الحالية. 6- يعد اكبر تجمع للأعراب السودانيون في الوسط ، يعيشون في بلاد ما بين النهرين التي تصطلح على تسيمتها في السودان (بالجزيرة) وهي ليست جزيرة بالمعنى المعروف أي قطعة ارض تحيط بها المياه ، ولكنه اسم مجازي لتربة خصبة تقع بين مجريي النهر الأبيض في الغرب والأزرق من الشرق ، يعيش فيها فوق ست قرون أعراب مهاجرة من الغرب والشمال عن طريق مصر .فوالى الجنوب امتدت بدو القواسمة الذين ساهموا في تأسيس السلطنة الزرقاء مع سكان جبال الانقسنا. ويعيش عربان البطاحين في سهول البطانة في الشرق ، يعيش قبائل الحلويون في الوسط. غالب النشاط سكان منطقة ما بين النهرين الرعي ، ولكن الزراعة بالري طغت إذ تأسس في الجزيرة اكبر مشروع عرف في إفريقيا لانتاج محاصيل القطن وقصب السكر كان حضوره في النصف الأخير من القرن الماضي كبيرا.لا تزال المجموعات العربية في بلاد ما بين النهرين تحتفظ بسماتها البدوية العربية . وهي قريبة الاتصال بسكان الجزء الشمالي من السودان (الشماليون) لكنها مجموعات تعيش قدر من التخلف الاقتصادي والاجتماعي بالمقارنة مع الشماليون ، كما أن مشاركة أبناءهم في السلطة معدوم. 7- المدن الثلاثة حول ملتقى النهرين الأبيض والأزرق ، وهي الخرطوم وبحر وامدرمان فرضت على نفسها بعوامل كثيرة أن تكون إقليم إداري سابع ، ورغم محاولات كبيرة بزلتها تلك المدن لكنها لم تفلح في تكوين إقليم سيكالتشير ثامن بشبه القارة السودانية برغم من إنها حاولت تجميع الرقم الكبير من الأعرق و الثقافات والعادات والتقاليد ، وكان يمكن أن يكون نموذجا إن فلح بصهر تلك المعطيات في قالب سوداني له الخصوصية والانسجام.إذ يجتمع بالمدن الثلاث ما يفوق الثمانية مليون نسمة من جميع سكان الإقليم السودانية الإدارية والسيكلتشرية بنسب متفاوتة . ويبلغ تعداد الغرابة حول العاصمة فوق الأربعة ملايين ونصف من اصل ثمانية ملاين نسمة ، والجنوبيون من بعضهم ، ويغلب بعض ذلك المستوطنون الحلب باقي التجمعات بالعاصمة . والمستوطنون الحلب هم اقليات كردية وعربية وتركمانية وغجرية وأقباط مصريون استوطنت المدن الثلاثة قبل قرن من الزمن وغدا يشكل جزء من النسيج الاجتماعي لسكان شبه القارة السودانية. ويتوزعون بنسب قليلة في المدن الأخرى في الجزئين الغربي والشرقي والأوسط أيضا، ما عدا الشمال والجنوب. ويسكن المستوطنون الحلب أحياء فاحشة الغنى وهم يمارسون التجارة النشاط الاقتصادي المهم الذي يشكل في كثير من الاحيان عصب حياتهم . ويديرون شركات السياحة ووكالات السفر . والحلب مجتمع شبه معزول له حياته الاجتماعية الخاصة به ، وله معاملاته المالية البينية وكثير من عواصم العالم حتى البنوك الخاصة. ويشكل الحلب طبقة اجتماعية غاية في الغنى الفاحش ونادر ما يميل أفراده إلى الاختلاط بالسكان الأخريين بالدولة في المدن من حولهم. كما لا يشاركون كثيرا في النشاط السياسي. مركز السودان المعاصر