البروفيسور عبد الرحمن التوم زياد الرئيس السابق للمجلس الطبي السودانى :
هجرة الأطباء من السودان قصمت ظهر المهنة داخليا و خلقت سمعة طيبة فى دول المهجر عربيا واوربيا
اجراءات ضبط أخلاق المهنة تلاحق الطبيب السوداني حتى في خارج البلاد
* على مدى نصف قرن ظلت مهنة الطب في السودان تحتل مكاناً مرموقاً تكاد تتفوق على غيرها من المهن الاخرى، وعلى الدوام كان الأطباء اصحاب حظوة فى ثقافة الناس التي جعلت من مهنة التطبيب الأكثر قبولاً مقارنة مع غيرها. وكما هو الحال في داخل بلاده، تمكن الطبيب السوداني من خلق ارضية ومكانة عاليتين في بلدان المهجر والاغتراب العربية وفي دول الاتحاد الاوروبي على وجه الخصوص، وحتى عشر سنوات خلت كان عدد كليات الطب في السودان اثنتين فقط، ولكن الآن اصبحت 26 كلية تخرج ما يقارب الالفي طبيب، ومع تزايد عدد المتخرجين تزايدت التخوفات من أن يفقد الطبيب السوداني في المستقبل مكانته السامقة التي ميَّزته عن غيره.
في هذا الحوار يدافع البروفيسور عبد الرحمن التوم زياد وهو من الرعيل الاول من الاطباء في البلاد، عن الطبيب السوداني ويقول بأنه لا يزال يحتفظ بمميزاته المهنية والاخلاقية التي جعلته في مقدمة الاطباء في المنطقة.
ويرجع زياد، الذي ترأس في السنوات الماضية المجلس الطبي السوداني-وهو المجلس الذي يحرر شهادة مزاولة المهنة بعد التأكد من كفاءة الطبيب (اكاديمياً وعملياً) ذلك الى نظام التعليم والتدريب الطبي المتبع والمتوارث في البلاد، والى المميزات الأخلاقية التي يتصف بها الطبيب السوداني.
ومع ذلك يعترف زياد بأن الحالة السابقة لنظام التعليم عموماً في السودان قد تأثرت (من جراء التوسعة في مؤسسات التعليم)، ويقول إن قوانين المجلس الطبي تخول له ملاحقة الطبيب السوداني الذي يخالف اخلاقيات المهنة حتى خارج البلاد وانه في حالة ثبوت المخالفة يقوم بسحب رخصة مزاولة المهنة منه.
ويقلل زياد من أهمية الحديث عن التراجع في مستويات الأطباء الذي اصبح حديث العامة والخاصة، الذي تزامن مع دخول القطاع الخاص في التعليم الطبي ويقول (إن الاجراءات الصارمة التي يتبعها المجلس تجري على كل الخريجين)، و(ان من يديرون مؤسسات التعليم الطبي الخاص هم من الرواد الأوائل من الاختصاصيين وهم الأكثر حرصاً على المهنة وعلى سمعة الطبيب السوداني).
ويكشف زياد عن حجم الكارثة التي اصابت وما زالت تصيب مهنة الطب في السودان بسبب هجرة كبار الأطباء وأساتذة العلوم الطبية، في المقابل يعطي صورة متفائلة لتزايد أعداد الطبيبات ويقول: «هن الافضل والاقدر» على ممارسة المهنة والتعامل مع المرضى، ويرجع الرغبة المتزايدة للفتيات في التخصصات الطبية الى محاولتهن إثبات الذات لكون مهنة الطب الاكثر قبولاً في البلاد.
في جانب آخر يطرح زياد وضعية متفائلة للاستثمار في مجال التعليم عموماً في السودان والتعليم الطبي على وجه الخصوص، ويتفق مع قرار سابق اتخذته وزارة الصحة بالحد من إنشاء كليات جديدة للطب والتوسع في مؤسسات الكوادر الصحية والطبية المساعدة بدلاً عن ذلك.. وتالياً نص الحوار:
* بروفيسور زياد دعنا نبدأ بسؤال عن مهنة الطب وأحوال الطبيب في سودان اليوم وبإعطائنا نبذة عن المجلس الطبي كأعلى جهة طبية في البلاد التي خرجت أميز الأطباء؟
- عن المهنة فهى لا تزال كما هى لم يتغير شئ، أما عن المجلس الطبي فهو هيئة قانونية تقنن وضع الطبيب، وهى قضائية تفصل في الخلافات والشكاوى بين الطبيب والطبيب، وبين المريض او المجتمع والطبيب، وهيئة اخلاقية ترعى السلوك المهني، وهيئة تعليمية تتأكد من جودة التعليم الطبي ومشرفة عليه، وكذلك هيئة ضبط جودة في التعليم الطبي وفي الممارسة الطبية حتى يتم التأكد من أن أى طبيب يعطي افضل ما عنده من العناية للمرضى بأفضل الطرق المتوفرة في عالم اليوم ويكون ملماً بها، بالاضافة الى أنها هيئة رقابية وعقابية لأنها تتلقى الشكاوى من المرضى أو من أسرهم وقد تصل الى مرحلة سحب رخصة المزاولة من الطبيب في حال تكشف خروجه عن اخلاقيات المهنة، وهذا كله حرصاً على أن تحافظ المهنة على مستوياتها وان تظل سمعة الطبيب السوداني نظيفة.
* معنى هذا أن المدخل لممارسة الطب في السودان لا يمر إلا عن طريق المجلس؟
- نعم لا يستطيع أى شخص ممارسة الطب إلا عبر المجلس وليس الأطباء وحدهم وحتى خريجي المعاهد ذات الصلة، هناك جهة موازية للمجلس في الوزارة خاصة بالكوادر المصعدة من القابلة وحتى الفنيين، أما المجلس فمهمته تنحصر في التأكد من الأطباء، وللمعلومية أن المجلس من واقع مسؤوليته يمكن أن يوقع عقابا على من يخالف أخلاقيات المهنة للطبيب السوداني حتى خارج السودان، وقد حدث هذا من قبل لطبيب سوداني خالف اصول المهنة في بريطانيا، وجاءتنا شكوى من المجلس الطبي البريطاني، وقمنا بمعاقبته ثم قمنا بسحب رخصته التي بموجبها يمارس المهنة.
* خلال السنوات الماضية أصاب التعليم في السودان الكثير من التدهور بسبب تواصل الحرب في الجنوب، والتراجع الاقتصادي وهجرة العلماء.. وغير ذلك كيف ترى الطبيب السوداني اليوم، وما هو ردك على من يقول بأن سمعته لم تعد ناصعة البياض كما كانت؟
- المكانة والسمعة العلميتان اللتان حققهما الطبيب السوداني والطب السوداني عموماً هى التي جعلته مرغوباً للعمل في اغلب الدول العربية، وحتى في الدول الغربية.. هذه السمعة لم تأت من فراغ، وإنما لأن نظام التعليم في السودان يركز على النوعية وليس على العددية، ولأن منهجه كان يعطي الاولوية للجانب العملي التطبيقي دون التقليل من أهمية الجانب النظري المعرفي، ظني أن الحال ماضٍ كما كان في السابق لم يتغير شئ حتى يقال إن صورة الطبيب أو الكادر الطبي السوداني لم تعد كما كانت في السابق، اللوائح لا تزال تصر على ان يقضي الطبيب الخريج فترة الامتياز داخل السودان، لأنه خلال هذه الفترة يقوم بالمرور على كل الاقسام في المستشفيات، والمجلس الطبي اذا لم يتأكد من انه قام بعمل كل العمليات، وعالج كل الحالات ومن ثم تأكد من خلال الامتحان انه اصبح كفؤاً كفاءة عملية ومقدرة انسانية من التعامل مع المرضى لن يقوم بتسجيله كطبيب يحق له ممارسة المهنة، بهذا فان الضوابط والاجراءات السابقة التي اعطت الطبيب السوداني السمعة المشرفة وجعلت منه مفضلاً على زملائه من البلدات الاخرى لا تزال قائمة وبنفس الإصرار والدقة، إذاً هذه هى صورة الطبيب السوداني الذي انتقل بها للبلاد العربية والبلاد الغربية والامريكية وهى صورة الطبيب المؤهل عملياً والمتمرس في عمله المتمكن من التعامل مع مرضاه.
* إذاً ما هى المبررات وراء توجيه الانتقادات للأطباء الجدد في السودان؟
- أولاً، علينا أن نؤكد بأن الانتقادات وجهت في حالة او حالتين وليس أكثر من ذلك، وفي رأينا أنها ترجع لثقة الناس الكبيرة في الطبيب السوداني وانه لمجرد ان يحدث امر واحد من الطبيب فان ذلك بالنسبة لنا أمر جلل، أما عن المبررات فان مجتمع الأطباء ليس مجتمعاً منعزلاً عن بقية المجتمعات المهنية، فهو مثلهم مثل الآخرين، وبالتالي منهم من يخطئ ومنهم من ينزلق، ولكن مجملاً لا يستطيع أحد أن يقول إن نسبة الأخطاء واعداد المنزلقين كبيرة وسط الأطباء في السودان، فالغالبية العظمى منهم محافظون على تقاليد المهنة ومجتهدون في الارتقاء بعلمهم ومتجردون في التعامل مع مرضاهم لدرجة ان البعض منهم يتنازل عن القليل الذي يملكه من اجل ان يدفع ثمن العلاج لمريضه.. وهذا معروف ومنتشر ولا اعتقد انه متوفر في البلاد الاخرى.
* هل لا تزال الاجراءات الصارمة لتخريج طبيب مؤهل قائمة؟
- في السابق لم تكن هناك اجراءات خارج إطار الكلية، الآن زادت هذه الاجراءات ليس لأن خللاً قد حدث وإنما لمزيد من الحرص والتأكيد على ان من تمنح له شهادة تمكنه من العمل طبيباً يكون مؤهلاً اكاديمياً وتدريبياً، وهذه الإجراءات الجديدة جاءت لأن عدد الخريجين قد زاد وتضاعفت أعداد كليات الطب لأكثر من عشرين مرة.
* إذن لماذا وضعت هذه الاجراءات الجديدة؟
- في الواقع كان هناك خوف انتاب كل الحادبين على بقاء الصورة الزاهية للطبيب السوداني، ومبرر الخوف نتيجة تضاعف اعداد الخريجين، وهدفه مزيداً من التحوطات، ومعلوم انه كلما زاد العدد لا بد من توقع هبوط المستوى المعروف، وحتى لا يحدث ذلك جاءت هذه الإجراءات لأنه فى السابق كان بالسودان 3 كليات طب، الآن لدينا 26 كلية تخرِّج ما يقارب الـ 2000 طبيب في العام، وهذه الكليات من بينها 5 كليات تابعة للقطاع الخاص.
* ما ردك على من يقول بأن التوسيع في التعليم الاهلي (الخاص) هو من انتج أطباء لم يصلوا الى مصاف زملائهم في الكليات القديمة المعروفة؟
- هذا ليس صحيحاً، بل حرام أن يقال هذا الكلام في حق كليات أسسوها علماء وأساتذة كل الأطباء السودانيين كانوا طلابهم، في الواقع أنا لا استطيع ان اقول أى شئ غير الاشادة في اولئك الذين وضعوا كل مدخراتهم واسهموا في تأسيس كليات لتخريج الاطباء، ودعني اقول لك إن هذه الكليات تكون في بعض الأحيان اكثر صرامة من الكليات الحكومية في اجراءات القبول واستمرارية الطالب وفي تخرجه، وبهذا فان الكليات الخاصة من حيث التجهيزات المعملية ارقى حتى من مستوى الكليات الحكومية، إذاً الحديث عن أن التوسع في التعليم الخاص اثر على كفاءة الطبيب حديث تنقصه الدقة، أما الحديث عن تدنٍ في مستوى الطبيب اذا كان موجوداً فلنبحث عن مسببات اخرى، وأنا كرئيس سابق للمجلس الطبي اقول صحيح ان أعداد الخريجين من كليات الطب تضاعفت لأكثر من عشرين مرة، لكن في المقابل نوعية المتميزين أكثر، وأقول بوضوح هناك اعداد كبيرة من الخريجين الجدد افضل مننا نحن الذين تخرجنا قبل اربعين عاماً وهذا راجع بالطبع لعوامل الزمن وثقافته لأن هؤلاء الأطباء يتعاملون مع الكمبيوتر ومع الانترنت وهم يطلعون على تجارب وبحوث ودراسات غيرهم في اقصى مكان من الدنيا.
* ما مدى تأثير هجرة الاختصاصيين في المجالات الطبية على مستويات الأطباء الجدد؟
- في الحقيقة التأثير كبير وكبير جداً.. هو في الواقع مأساة متكاملة سواء كان على مستوى التعليم الطبي او على مستوى الممارسة الطبية، الهجرة لم تترك للسودان تخصصاً، اخذت كل المختصين ليس فقط في المجال الطبي وإنما في مجالات الزراعة والاقتصاد وحتى المجالات الفنية والادبية، السودان تضرر كثيراً بسبب هجرات العلماء والاختصاصيين والمختصين، وفقدنا أعظم العقول والتأثير كبير.. الاسباب واضحة بتدني الدخل لدرجة أن العالم أو الاختصاصي اصبح لا يستطيع العيش على الحد الأدنى في الوقت الذي ظهرت فيه مجموعة جديدة غير منتجة وتكسب كسبا كبيرا، أما هؤلاء العلماء الذين افنوا زهرة شبابهم واعطوا من علمهم وفكرهم وظلوا يعطون دون أن يطلبوا شيئاً لا يجدون شيئاً، أما الفراغ الذي أحدثوه بغيابهم فهو فراغ كبير، ومن الصعب إن لم يكن مستحيلاً ملؤه، وأنا سعيد أن اقول الآن عدد كبير من الأطباء والاختصاصيين ابدوا رغبتهم في العودة، والبعض منهم يريد ان يقدم خدماته الطبية سواء كان في المستشفيات أو في الجامعات، وحسب علمي هناك برنامج يجري اعداده الآن لترتيب زيارات لعدد من الاساتذة والاختصاصيين لتدريس طلاب الطب في الجامعات الولائية الطرفية.
* بالأرقام كم عدد الأطباء الذين هاجروا؟
- قبل أكثر من 30 عاماً كان لدينا حوالى الفي طبيب في السودان، وكانت كلية الطب واحدة، وهناك أطباء يتخرجون من مصر وكانت المعادلة متوازنة 50% من السودان ومثلهم من مصر، ومن بعد حدث الانفتاح على المعسكر الشرقي وجاء أطباء سودانيون تخرجوا من روسيا واوربا الشرقية، ومع ذلك كان العدد لدينا حوالى الفي طبيب، الآن وبعد ثلاثين عاماً ما زال الأطباء المتواجدون داخل السودان ليسوا أكثر من الفي طبيب رغم أن عدد الكليات وصل الى 26 كلية.. هذه الوضعية تكشف عن حجم المأساة التي جرَّتها علينا هجرة الأطباء، وللاسف حتى العدد المتواجد في الداخل 50% داخل العاصمة والعدد المتبقي موزع في المدن الكبيرة في الولايات وليس في المستشفيات الريفية، واذا فتحنا ملف الأطباء الذين يعملون في الخارج فستتأكد أن بلادنا وبأخطاء حكوماتها تؤهل ابناءها ليعملوا في البلاد الاخرى، إذ لا يمكن ان نفهم ان يكون هناك الفا طبيب فقط في الداخل، واربعة آلاف في السعودية والفان في انجلترا، و1500 في اميركا وستة آلاف في بريطانيا وأعداد كبيرة تصل الى 4 آلاف في دول الجوار الافريقي وعدد مماثل في كندا واستراليا.
أمر صعب:
* ما هى الاجراءات التي يمكن ان تتخذ للحد من هذه الظاهرة ، وقطعاً هنا لا نعني مبدأ (المنع) ولكن اجراءات ترغيبية تقطع الطريق امام مغادرة الطبيب السوداني لبلاده وهجرته للعمل في بلاد اخرى؟
- فيما يتعلق بالاجراءات الامر فيه صعوبة، واذا كان الأمر بخصوص عملية سد للنوافذ حتى لا يخرج الطبيب ففي هذا استحالة لأنه ليس هناك قانون او تشريع يمنعهم من القيام بذلك وهذا حق طبيعي كما تعلم، بالنسبة للوائح المهم أن يكون الطبيب مؤهلاً من الجهة العلمية والتدريبية وهذه تأخذ سنتين بعد تخرجه من الجامعة بعدها لا نستطيع أن نقول له (ما تسافر)، كذلك هناك طرق كثيرة يمكن من خلالها أن يغادر اذا رفضت له، ومعلوم أن بعض الأطباء سافروا الى البلاد العربية بعقود عمل مثل العمال (رعاة مواشي) أما الاجراءات بمعنى تحسين بيئة العمل وظروف العمل فهناك إجراءات ولكنها في الغالب غير مقنعة للكثيرين منهم مقارنة بما يلاقونه في دول الاغتراب أو المهجر مثلاً الى عامين مضت أن طبيب الامتياز يأخذ مرتباً لا يتعدى الـ 250 ألف جنيه، الآن عدِّل واصبح حوالى الـ 435 ألف جنيه.
* أليس من الافضل مثلاً ان تتقدم المؤسسات المختصة بمقترحات محددة تمكن الطبيب من أن يبقى في الاقاليم خاصة الاختصاصيون لأن شحهم هناك لا يمكن تصوره؟
- قد لا تتصور حجم المقترحات التي تقدمت بها المؤسسات الطبية، والدولة على أعلى مستوياتها على علم تام بما يحدث، وكنتيجة لذلك صدر أخيراً قرار بتعديل المرتبات للاختصاصيين الذين يعملون خارج العاصمة، رفعت مخصصاتهم الى أكثر من الضعفين بجانب مخصصات اخرى والهدف هو إغراؤهم بالمكوث في الاقاليم وتقديم الخدمات للمواطنين في مناطقهم بدلاً من أن يأتوا الى العاصمة.
* على ذكر المرتبات، بدأت أصوات تسمع بأن الطبيب السوداني صاحب الصورة الزاهية في السابق اصبح الآن (تاجراً) بالنظر الى رسومات الكشف والعلاج في العيادات الخاصة ما هو ردك على هذا السؤال؟
- هذا الاتهام ظالم اذا ما قيس على كل الإطباء، واذا كان في هذا الاتهام شئ من الحقيقة فهى حقيقة جزئية وليست هذه الصورة الكاملة، والأطباء هم فئة من البشر ومن المجتمع ومعروف ان المجتمع السوداني الآن غلبت عليه المادية، وانا اقول بكل الصدق افقر فئة من الفئات التي لها تقدير من المجتمع هم الأطباء لأن طبيعة مهنتهم وطبيعة دراستهم تقوم على العمل الانساني، وأنا اقول إن نسبة الأطباء وكل الكوادر الصحية الاخرى التي تضع المادة في مقدمة اولوياتها نسبة قليلة، ومع ذلك لكل قاعدة شواذ ولا يمكن ان نحمل كل الأطباء خروج اثنين أو ثلاثة منهم.
قرار ضروري:
* اصدرت الحكومة الشهر الماضي قراراً بعدم إنشاء كليات جديدة للطب ما هو رأيك في هذا القرار وهل ما هو موجود من كليات يغطي حاجة البلاد من الكوادر الطبية؟
- في رأيي ان القرار ضروري وجاء في وقته وذلك لأن التوسع الذي بلغ 26 كلية للطب كان سريعاً، ومعلوم ان التوسع السريع ربما شابته بعض النواقص، وقولي هذا ارجو ان لا يفهم بأنني ضد فكرة التعليم الخاص أو الاستثمار في مجال التعليم، بل اقول من واقع التجربة ان الاستثمار في التعليم من افضل أنواع الاستثمار من جهة العائد ومن جهة الفائدة لكل البلد، والإقرار ناتج من أن الأمر يحتاج الى توفير بيئة اساسية ومقومات حتى لا يحدث خلل في نوع من التعليم وحتى لا يتدنى المستوى و(تمس) سمعة الطبيب السوداني المميزة التي ظل يحافظ عليها لأكثر من نصف قرن، والقرار مهم حتى تعطي الفترة المقبلة للتركيز على تأهيل ما هو موجود من كليات للطب من حيث تطوير المناهج وتجهيز المعامل وتأهيل الاساتذة، وبحيث تكون الفترة المقبلة فترة بناء لما هو قائم وليس التوسع في إنشاءات جديدة لأن التوسع وصل مداه وفي كل ولاية تقريباً توجد كلية للطب. هذا غير كليات القطاع الخاص، وحسب رأيي من الضروري أن لا يتوقف القرار عند وقف بناء كليات جديدة وأن التركيز لتجهيز الكليات بما هو جديد ومواكب لما يجري في العالم، وكذلك دعم المستشفيات الجامعية وهى مهمة جداً لتخريج الطبيب المؤهل.
* ألا تتفق مع من يقول إن المؤسسات المسؤولة عن مهنة الطب سواء كان في وزارة التعليم العالي أو في وزارة الصحة وحتى المجلس الطبي، أنها تركز على الطبيب دون الكوادر الطبية الاخرى (المساعدة)، وان ما حدث من تغيير لنظام التأهيل الطبي كان وراء الربكة الحالية؟
- بوضوح وبصراحة أقول ان هذا الاتهام صحيح وفي محله تماماً واقول لك إن هذا الحديث يقال ويناقش على جميع المستويات وكانت هذه الرؤية وراء قرار وقف التوسع في الكليات الطبية حتى يفتح الباب أمام تأهيل الكوادر الطبية المساعدة خاصة في مجال التمريض والمعامل والفنيين في المجالات الاخرى. صحيح ان المعادلة السابقة قد اختلت وبدلاً من ان تكون لكل طبيب اربعة من الممرضين اصبح لكل ممرضة اربعة أطباء، وهذه المعادلة معكوسة والسياسة الحالية وهى مهمة هو وقف التوسع في التعليم الطبي والعمل على زيادة التوسع لـ 4 أو لـ 5 أضعاف في المؤسسات التي تخرج الكوادر الطبية المساعدة.
تجاهل متعمد:
* هذا الحديث يقودنا إلى سؤال حول لماذا أحجم القطاع الخاص من الولوج الى الاستثمار في مجال مؤسسات الكوادر الصحية المساعدة (ممرضين وفنيي معامل واشعة وغير ذلك) وفي نفس الوقت اسهم في إقامة الكليات الطبية؟
- الأمانة العملية تقتضي أن أشيد بأكاديمية العلوم الطبية وبالبروفيسور مأمون حميدة مدير الاكاديمية لكونه أول من ادخل هذا النوع من التعليم في القطاع غير الحكومي وافرد قسمين للتمريض والصحة العامة في الاكاديمية، اما عن احجام القطاع الخاص من الاستثمار في هذا المجال فله مسببات منها أن الاستثمار في هذه الكوادر غير مجدٍ لأن الأب السوداني يتحمل فوق طاقته، حتى انه يستدين ليدخل ابنه كلية الطب، ولكن لا اعتقد انه يفعل ذلك لأن يتخرج ابنه دون ذلك.
* لكن الآن اصبح مجال الفنيين مثلاً افضل كثيرا حتى من الطبيب.. والواقع في العيادات يقول ذلك؟
- في الواقع ان المواطن السوداني واعني آباء التلاميذ لا ينظر الى الأمور بهذا المنظار فهو يكون متحمساً جداً كي يتخرج ابنه طبيبا، اذاً الكوادر الطبية المساعدة مهنة حتى الآن لا يتحمس لها الطلاب أو آباؤهم لكن مع ذلك بدأ الناس في فهم مهنة الكادر الطبي المساعد وبدأت الكليات الفنية تجد القبول وسط الطلاب.
دولة النساء.. طبيبات:
* اصبحت مهنة نسائية، ما هو السبب في رأيك ولماذا أصبحت الفتاة ترغب في أن تكون طبيبة وبدأت رغبات الرجال في هذه المهنة تتراجع؟
- هى في الواقع لم تزل مهنة رجالية ولكن الواقع يقول بأن المرأة قادمة وبقوة لا تنتزع هذه المهنة من الرجال، وفي رأيي فان الظروف الضاغطة على الشباب خلال العقدين الماضيين خاصة الشباب الذكور جعل الفتيات يفهمن بأنه ليس امامهن غير إثبات الذات من خلال مهنة الطب ومعروف ان السودانيين يعطون تقديراً خاصاً للطبيب وهذا واضح من أنها حتى في كليات الطب فان التميز وسط الطالبات أكثر من الطلبة الذكور، وانا لدي وجهة نظر حول أن الفتاة السودانية خلق منها الضغط فتاة وانسانا متميزا مثلما جعل الضغط من اليهود شعبا متميزا في العلوم وفي الطاقة.
* حسب علمك ما هى نسبة الطبيبات الى نسبة الأطباء؟
- النسبة متغيرة ولكنها زائدة في صالح الطالبات، بعض الكليات اصبحت النسبة اكثر من 80%.
* أليس هذا في صالح المرضى من واقع طبيعة المرأة؟
- اتفق معك تماماً.. وحتى في زمن الرسول صلى الله عليه عليه وسلم، فان الرجال هم من يقاتل والمرأة هى التي تعالج وتداوي الجرحى، فالمرأة بطبيعتها مؤاسية وراعية سواء كان للمرضى أو للاطفال والمرأة الطبيبة في السودان اثبتت أنها ليس اقل من زميلها الرجل إن لم تتفوق عليه.
* نقلا عن صحيفة الصحافة