اخر الاخبار من السودان لشهر ينائر 2006
أخر الاخبار من السودان

هل هي حرب جديدة في الجنوب بأدوات بديلـــة؟ (2-2)

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
13/3/2006 1:31 م


تقرير: مصطفى سري
تناولنا في التقرير السابق مشاهد من الأحداث التي شهدتها مناطق أعالي النيل التي راح ضحيتها أكثر من (146) مواطناً وجرح أعداد غير قليلة في مناطق فنجاك، قروير، لاونوير، وسبقتها أحداث بين قبائل الدينكا والمورلي بسبب الأبقار، والدينكا مع المونداري وكذلك الدينكا مع الزاندي، وأخيراً أحداث أبيي قبل اسبوع وهو ما يشي باحتمال نشوب حروب متشعبة جديدة تقوم بها مليشيات غير منضوية تحت الجيش الشعبي.
قيادات من الجيش الشعبي تحدثت لـ (السوداني) اعتبرت أن النزاعات القبلية التي أشرنا اليها آنفاً يمكن حلها وفق الأعراف والتقاليد المتبعة، وقللت من احتمال أن تقود هذه الحروب القبلية الى عدم استقرار في مناطق الجنوب، لكنها -أي القيادات في الجيش الشعبي- تعتقد أن هناك جهات تستخدم بعض المليشيات التي آثرت ألا تنضم للجيش الشعبي لتوجه هذا السلاح نحو تعويق الاستقرار والتنمية، وان الانفلات الأمني الذي يحدث مرصودة الجهات التي تقوده.
ويتضح أن اتفاق الترتيبات الأمنية في الخامس والعشرين من سبتمبر 2003 يحتاج أيضاً الى ترتيبات، رغم أن هناك ملحقاً أمنياً تم توقيعه في ديسمبر 2005، لكن تطبيق هذه الاتفاقيات خاصة المتعلقة بنزع السلاح تواجه عقبات، وان التنسيق بين الطرفين يواجه ضعفاً وعدم ثقة، رغم التطمينات التي تخرج الى الاعلام بأن هناك تنسيقاً لكن الواقع يقول غير ذلك، مثلاً القوات المسلحة أعلنت انها سحبت ما يوازي 30% من جنودها الى الشمال، وهذا ما نفاه أحد قيادات الجيش الشعبي، واردف ان هناك عدم شفافية في تنقل القوات.
هذا ما يخص الثقة المعدومة بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية وينسحب أيضاً على المواطنين في كل مناطق الجنوب.
لكن ماذا يجري في أبيي؟ وهل هناك وميض نار تحت الرماد؟ ولماذا التصعيد بهذه السرعة الدرامية؟ وما هو سبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة في الأسبوع الماضي وراح ضحيتها حتى الخميس الماضي نحو (13) قتيلاً و(70) مفقوداً وجدوا في الغابات؟ وهل هذه هي مقدمات لفرض الأمر الواقع قبل ان تتخذ الرئاسة قراراً بحل معضلة أبيي؟
كثير من المحللين محليين أو أجانب تناولوا قضية أبيي من عدة جوانب، بعضهم أصاب في تحليله واستنتاجاتهم وآخرون وضح الغرض في رؤيتهم، وقليلون قدموا حلولاً وسطى، غير أن اتفاق نيفاشا حول منطقة أبيي وصل الى حل رغم انه جاء على صهوة الأمريكان ولكنه كان مقبولاً من الطرفين بحسب اعتقاد العديد من المراقبين.
رغم ذلك فقد برز الخلاف حال بدء تنفيذ الاتفاقية برفض المؤتمر الوطني تقرير لجنة الخبراء، مع أن طرفي الاتفاق فشلا في ترسيم الحدود وتمت الاستعانة بلجنة الخبراء، وقال أحد القيادات من أبناء دينكا نقوك لـ (السوداني) (إن احد أبناء المسيرية من النافذين في المؤتمر الوطني قال عند بدء أعمال لجنة الخبراء إذا توصل رسم الحدود الى أن منطقة المجلد تابعة لدينكا نقوك لن نعترض وسنكون راضين)، لكن ما الذي بدل الموقف، علماً بأن الاجتماع الأول بين لجنة الخبراء وطرفي الاتفاق من دينكا نقوك والمسيرية عقد في نيروبي.
وكثيرون من أبناء دينكا نقوك تحدثنا إليهم يؤكدون ألا مشكلة وخلافات بينهم مع المسيرية، وانهم ظلوا جيراناً لأكثر من مائة عام. وذات التأكيد تجده من بعض أبناء المسيرية، بل انهم يقولون (دينكا نقوك أبناء خؤولتنا وبيننا المصاهرة)، وذكر أحد أبناء السلطان دينق مجوك لـ (السوداني) ان العلاقة التاريخية بين القبيلتين بدأت منذ اكثر من مائة عام عندما استجارت قبيلة المسيرية بدينكا نقوك من حملة كانت تقودها قبيلة الحمر ضد المسيرية وقال (نحن حمينا المسيرية وتوسطنا بالصلح بينهم والحمر وآوينا المسيرية معنا وحددنا مسارات الرحل)!
هذه أحاديث لدينكا نقوك والمسيرية عن امكانية التعايش القبلي، وسبق للقبيلتين ان توصلا لاتفاق سمي بـ (التعايش السلمي الشعبي) في يناير 2001 قبل اتفاق نيفاشا برعاية من الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، لكن ذلك الاتفاق لم يمض طويلاً بسبب التداخلات العسكرية من الطرفين، ويذكر أنه بعد مضي ثلاثة أشهر من ذلك الاتفاق اشتبكت القوات المسلحة مع عدد من أفرادها اتهموا بأنهم حاولوا الهروب للانضمام للجيش الشعبي كما أن جيش الحركة نفسه قام باختطاف (48) فرداً تمت اعادتهم بعد ثلاثة أسابيع، لكن لم تكن للقبيلتين يد في تلك الاشتباكات.
إذن أين هي الحقيقة؟ يقول القائد ادوارد لينو (إن قادة المؤتمر الوطني ينظرون الى بترول أبيي والتي تعتبر عائمة في بركة بترول)، وآخرون من قيادات دينكا نقوك يعتبرون أن تفاقم مشكلة أبيي وراءها مسألة البترول، ويمكن ان تتطور الأحداث بسبب ذلك وليس لأي سبب آخر، كما أن عدم تسمية الادارة الخاصة بأبيي وتركها هكذا سيقود الى نزاع متطاول.
قال لينو إن هناك اغلاقاً لأبيي من قبل الشرطة الشعبية، ويضيف هذه الشرطة دستورياً ملغاة لكن الابقاء عليها وترك الباب واسعاً أمامها فيه أكثر من علامة استفهام، ويتهم جهات بالقيام بتوزيع السلاح والتدريب، ويشدد (لا بد من تنفيذ الاتفاقية وما خرجت به لجنة الخبراء لا بد أن ينفذ ولا طريق آخر سوى ذلك).
إزاء هذا الوضع، تظهر تعقيدات أخرى، وانفلاتات تقود الوضع للتأزم، وليس هناك من تحرك على المستويات العليا من أطراف الشراكة في الحكم، ونقل أحد المراقبين حديث أحدهم لبعض أبناء المسيرية خلال حضورهم للمؤتمر العام (ليس هناك ما يقلق لأن قضية أبيي سنضعها في ثلاجة حتى تبرد تماماً ولن ننفذ ما جاء في تقرير لجنة الخبراء والحركة الشعبية).
وهذا ما يقود الى اشتعال الحريق، حيث أن أحد قادة الجيش الشعبي شدد على ان رئاسة الجمهورية إذا لم تحسم قضية أبيي في وقت وجيز عليها أن تتحمل تبعات ما يمكن أن يحدث ومضى أكثر من ذلك قائلاً (نحن نشعر أن هناك ترتيبات عسكرية تجري في الخفاء وتم رصد نقل قوات على الحدود المتاخمة لأبيي محاولة لفرض الواقع ونحن نحذر من ذلك).
وهنا لا بد من ذكر مقولة حكيمة للناظر بابو نمر كان قد سردها للدكتور فرانسيس دينق عندما سأله احدهم ان السلطان دينق ماجوك هو الذي طالب بوجود الدينكا في الشمال لعلاقته مع العرب وهل يمكن ان ينضم بعد ذلك للجنوب -حسب اتفاقية أديس ابابا آنذاك- كان رد بابو نمر (نحن أبهاتنا خلوا لينا بيت ظليل ودخلنا فيه لكن كان في ضي متل ده، وانتم اتعلمتم تسدوه واللا تشتتوا البيت وتشلعوا فوقنا؟ انتم أولادنا اللي اتعلمتم نحن دايرين كان في خلل تسدوه لينا، فالعلاقة قديمة)!
وحكمة أخرى ينقلها فرانسيس دينق عن الناظر بابو نمر عندما أراد فرانسيس ان يقارن بين الناظر كوال اروب ودينق ماجوك كزعماء للدينكا، هنا قال الناظر بابو نمر (والله كوال كزعيم للدينكا، ودينق ماجوك كزعيم للدينكا، حسب نظرتي أنا، دينق ماجوك في حاجة تخص الدينكا والعرب يعني ما بميل على الدينكا أكثر من العرب، ولذلك نحن مطمئنون لأي حاجة تجي قدام دينق ماجوك ونحن مافي، ما بيحصل ظلم لعربي)!
إذن إذا عاد الجميع الى تلك الحكم البليغة التي خرجت من أفواه النظار الذين كانوا يقفون على معاش الناس، يديرون بالحكمة والدراية هذه الشؤون، فإن كثيراً من الدماء التي يراد لها أن تسفك بسبب اطماع ممكن أن تحبس، ليس هذا فقط بل ان الحكمة كذلك أن هناك اتفاقاً مرضياً عنه وبشهادة دولية، تعني الوفاء بالعهود والمواثيق، وبدلاً من تجييش المليشيات، وتحريكها ومع وجود تناقضات طبيعية في أتون الصراع السياسي الذي أنجبته الاتفاقية بدلاً عن الصراع المسلح، خاصة ان الجنوب في طور تحولات كبيرة وفي الجنوب تناقضات أكثر مما يواجه به الشمال في الأفكار والتوجهات لكن ما يؤلم ان عدم تنفيذ الاتفاقية رهين (بفركشة) البلد وكما قال الراحل قرنق بعد توقيع البرتوكولات الثلاثة في السادس والعشرين من مايو 2005م (إن عدم تنفيذ الاتفاقية أعلى تكلفة من تنفيذها، والأفضل تنفيذ اتفاقية السلام كما وردت نصاً وروحاً).
ترى، من الذي يريد ان يوقف القطار؟ وماهي المكاسب التي يجنيها الذين يحاولون التشكيك في اتفاقية السلام ومن ثم يعملون على (فركشتها)؟
وماهي الفائدة التي يرجونها للوطن إذا انهارت الاتفاقية سوى الجلوس على جماجم الضحايا بدم بارد؟
إن الحرب الجديدة في الجنوب وبهذه الأدوات المختلفة من مليشيات، والعمل على اللعب بتناقضات وصراعات القبائل في الجنوب، وعدم حسم جيش الرب الذي وعد الرئيس البشير بحسمه خلال شهر -نصفه الأول قد انتهى- فإن هذه الحرب ستكون الأخطر إذا اشتعلت لا قدر الله، ووقتها لن تكون هناك مبالغة عندما تنقل وسائل الاعلام ذلك الخبر المهول.


اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
ترتيب وإحصائيات المواقع في رتب


سودانيزاونلاين.كم | المنبر العام | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005 | أرشيف المنبر العام للنصف الثانى من عام 2005 |أرشيف المنبر العام للنصف الاول لعام 2004 | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | مكتبة الدراسات الجندرية | مكتبة د.جون قرنق | مكتبة ضحايا التعذيب |مكتبة الشاعر د.معز عمر بخيت |مكتبة الفساد |
اراء حرة و مقالات سودانية | مواقع سودانية | اغاني سودانية | مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد | دليل الخريجيين السودانيين | الاخبار اليومية عن السودان بالعربى|
جرائد سودانية |اجتماعيات سودانية |دليل الاصدقاء السودانى |مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان |الارشيف والمكتبات |


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved