اخر الاخبار من السودان لشهر ينائر 2006
أخر الاخبار من السودان

جدة : تفاصيل ليلة تكريم أرملة البروف عبد الله الطيب ( الحاجة كريزلدا)

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
28/1/2006 6:25 ص

جدة : تفاصيل ليلة تكريم أرملة البروف عبد الله الطيب ( الحاجة كريزلدا)

بقلم / سيف الدين عيسى مختار وعلاء الدين صلاح محمد

مساء الثلاثاء السابع عشر من شهر يناير 2006م، كان مسرح مركز الشعلة التجاري بجدة على موعد مع حدث كبير سيذكره السودانيون المقيمون بجدة كثيرا، حين أطلت عليهم الحاجة كريزلدا الطيب وتحدثت إليهم بتلك الصراحة المعهودة عنها، وبتلك اللغة المحببة وهي تتناول السيرة الذاتية لرجل ظل يعيش في وجدان أهل السودان جميعا، صعدت الجوهرة إلى المسرح وهي في كامل بهائها وألقها في حلة بيضاء وهالة جميلة، عندها انتاب الناس شعور بأن الذي يصعد أمامهم على خشبة المسرح هو العزيز الراحل عبد الله الطيب يحاضرهم وكأنه يدفع بالمعاني العظيمة إلى الأذهان والألباب مباشرة، لم يتمالك الجميع إلا أن ينهالوا بأكفهم تصفيقا متواصلا وكأنما أرادوا أن يخرجوا تلك المشاعر الدفينة في أعماقهم إلى صوت له جلبة ليعبروا وبصوت عال عن ذلك الحب العميق والعشق والوله
لقد كانت تلك ليلة حمد الناس فيها للمؤتمر الوطني بالخليج أن انتهز فرصة نادرة وهي وجود الحاجة كريزلدا ليوم واحد في جدة، وكانت له القدرة على التجهيز والتحضير للقاء بديناميكية معجزة، ونفذها منتدى السودان الثقافي بكل فعالية واقتدار، تحت رعاية كريمة ومشاركة فاعلة من القيادة التنفيذية للجالية السودانية بمنطقة مكة المكرمة، حضرها ممثلو الأحزاب السياسية والمنتديات والصوالين الأدبية والروابط الولائية والرياضية والثقافية والجمعيات المهنية والمتخصصة مثل رابطة الإعلاميين وجمعية الحقوقيين ورابطة المهندسين الزراعيين وجمعية القرآن الكريم، إضافة إلى العديد من الشعراء وعلى رأسهم الدكتور بشرى الفاضل والطيب برير يوسف وغيرهم، ومديرو الصحف السودانية والعربية، الخرطوم والرأي العام والحياة السودانية وموقع سودانيز اون لاين وغيرها وممثلو وكالة الأنباء السودانية والإذاعة السودانية الذين قاموا بتسجيل الأمسية لبثها عبر برامج الإذاعة السودانية.
الأستاذ إبراهيم محمد أحمد رئيس منتدى السودان الثقافي قال في كلمته الافتتاحية
( الحاجة كريزلدا الطيب (الجوهرة) كما كان يناديها أستاذنا الجليل الراحل المقيم البروفسير عبد الله الطيب، هي حقا جوهرة أصيلة وفريدة ونادرة امتد مشوار حياتها السعيد مع أستاذنا الجليل لسنوات طويلة وجميلة عمرت بالمحبة وازدهت بالعطاء الثر وازدانت بالوفاء والإخلاص .. هجرت لأجل حبه وطنها وأهلها وعشيرتها، وفي ظل دوحة حنانها وعطفها وعاطفتها الدفاقة قدم الراحل كل أعماله الكبيرة الجليلة التي خلدته وخلدت من بعده ، ثم أحبت من خلال حبها له السودان والسودانيين ، فبادلوها حبا بحب ، وفتحوا لها قلوبهم وطنا يغمرها بالتقدير والعرفان الذي استحقته بنبلها ونبل تضحياتها الكبيرة ، وصبرها الجميل في السراء والضراء ، وإيمانها الراسخ وقناعاتها بأن الحب هو الوطن الذي يتسع للجميع ، وينتفي الإيماء للأقطار وطنا حين يمسي الحب للإنسان وطنا، يحتفي بمقدمها الميمون في الأمسية الفريدة منتدى السودان الثقافي بجدة برعاية كريمة من المؤتمر الوطني بالخليج ومشاركة الجالية السودانية بمنطقة مكة المكرمة وبحضور مقدر لرموز وقيادات أحزابنا الوطنية والكيانات الثقافية بجدة وبتشريف كبير من كيانات المرأة في مختلف مناشطها، ولولا ظروف عطلة العيد لأقمنا هذه المناسبة بدار قنصليتنا العامرة حتى يشارك الصعيد الرسمي في تكريم هذه السيدة الفضلى)
وأشار أمين منتدى السودان الثقافي في كلمته إلى سيرتها الذاتية وأهم ما ذكره أن الحاجة كريزلدا قد أسلمت في نيجريا حينما أوفد عبد الله الطيب للعمل هناك، وقد اختار لها اسم الجوهرة حتى يكون أقرب الأسماء إلى كريزلدا ولأنه كان يحملها في أعماقه جوهرة فريدة وعدد الأعمال الجليلة التي أنجزتها كريزلدا في حفظ التراث الضخم لعبد الله الطيب حيث قامت بإعادة طباعة بعض مؤلفاته مثل (الأحاجي السودانية ، ومن نافذة القطار، والهجرة إلى الحبشة) كما أعدت للنشر بعض الأعمال الأخرى، وآخر عمل أنجزته كان أن أقامت معرضا لأعمال عبد الله الطيب قبل أيام من قدومها للحج عرضت فيه كل ما كتبه عبد الله الطيب وما كتبه عنه الآخرون، وبذلك فان كريزلدا تعتبر الامتداد الطبيعي للعلامة عبد الله الطيب، وتمنى أن لو استطاعت الجالية السودانية بجدة طباعة إحدى هذه الأعمال الكبيرة تخليدا لذكراه،
التلفزيون القومي كان حاضرا في شخص الأستاذ عبد الله محمد الحسن الذي قدم كلمة أدبية ومعبرة، إما الأستاذ جماع مردس رئيس منتدى الإمام عبد الرحمن الثقافي فقد قدم كلمة جميلة نيابة عن المنتديات الثقافية و لأنها لا تحتمل الاختصار أو التلخيص ونوردها كاملة باعتبارها نصا أدبيا رفيع المستوي:
(مؤلم أن نسمّي تصريف الأيام بالصدفة المحضة، ومحزن أن تتحول حكمة الأقدار إلى أمر غير مرتكز لإيمان أو عائد إلى التدبير المنضبط الحكيم.. وقصرُ نظرٍ أن لا نعبر بالأحداث من مجرد كونها فعلاً عادياً إلى أبعاد التوطين الخلاق في ثنايا المحاولات العميقة، ومستفاد التجارب العظيمة..
من كل هذه الثقوب وغيرها تسقط حكمة الحياة، وفي هذه الفرجات والكوى تعشعش الغفلة وتبني ذاكرة النسيان مسكنها البغيض.. ولات حين ممسك بدلو التاريخ من أن يسقط في قاع الإهمال..
هكذا بدت لي الصورة وأنا أحاول أن ألمَّ بخيط يقودني إلى عالم جيرزالدا...انتصاراً لقيمة يفوتنا المجد إن طوينا صفحتها دون مطالعة متأنية واستذكار واعٍ.. وتأكلنا الخيبة إن حسبناها في العوابر الهوامل، أو السابحات رهواً في بحار التيه المفرغ..بين محاولة الإمساك بذاك الخيط .. والنظر بزاوية غير محرجة لضوء قصير النظر .. طاف عليّ طائف من موسم الهجرة إلى الشمال..أنكرته في مسلخ التمييز حين عريته بالمقايسة الفاضحة والمعايرة الواضحة..فرأيت ما رأيت من خطل المجانسة.. فما أبعد المسافة رمزاً أو حقيقة بين الرواية عند طيبها الصالح والحياة عند طيبها عبدا لله.. وما أبين المفارقة - لو أحكمنا القياس- بين التفاصيل الدقيقة في الحكايا بين من هن في الموسم وهذى الصبية جيرزالدا..
لم يبق من ذلك الطائف غير أن المكان كان هو المكان هنا وهناك.. بيد أن الزمان فارق ومارق.. خرجت من الفكرة – وما كان لي غير الخروج من سبيل- لا كما تخرج من حلم لواقع، ولكن شبيهاً بعبورك خط تماس بين وسن عابرٍ وصحو مشرق.. فإذا البصيرة تتشكل بين يديك كونا مضيئا ديباجته (جيرزالدا).. لتعرف أنها - كما كانت قدماً - احتمال قائم للتواصل الفذ..
ويقين ثابت للجلد في ثنايا الكدح المورق والسعي المثمر.. فإذا المحصلة من كل خطواتها الأنيقة الرشيقة في الحياة كراسات من زبدة الإبداع، وشواهد ناصعات على قدرة الإنسان على الانتقال من طور إلى طور متخذاً من تجاربه (مونة) يبني بها مداميك صرح يتطاول لبلوغ الكمال بعد أن أنجز فروض التمام... اقترب منها أكثر وأقرأها في المجاهدة.. سعياً لعقول اصطفت في قاعة الدرس في منارة العلم ( بخت الرضا) وأم الجامعات (الخرطوم) تنتظرها لتشرب من دنها (صبوح) المعرفة و(مبكر) العلم..أنظرها في البحث تنقيباً لفريدة عصية، وخريدة غيبها الظن عن الغير وانقادت لها حقيقة مشرقة في سطور..
أنظرها زوجة لعالمٍ عزيز المثال، فرقد لأصف احتل كل المدارات بهاءً ولولا ضوء جيرزالدا الباهر ما عرفت إلا به لكنها شاطرته الحياة وقاسمته النجومية فكانت جناحاً طوافاً بالإبداع.لن أذهب كثيراً فقط أدعوك أنت تحديداً لتأخذ عينيك من مفازات التشتت وتغوص بهما وئيداً في دنياها ... وتأمل..
وتذكر.. وأنت تطوف معها في بيئتها الأولى.. حيث كل شيء آخذ شكلاً من ضباب في مخيلة الاستواء..الشمس هنالك في أجلى المواسم خجولة تتثاءب بأشعة كالعيون الفواتر.. والشمس هنا أقسى من الصراحة في وخزها تكابد الليل في الظهور..
البرد هناك يقتات من غيظ المدافئ حين تلوك غصناً يابساً من مزهق الأشجار.. والحر هنا تهفو مسايل عرقها إلى عذب المشاتي المتبرجات..
بين (الهنا) و(الهناك..)
كل شيء إن أخذنا في الاسترسال يبيّن النقائض جلية.. والفوارق بينة.. لكنا نمسك عن ذلك فالمخايل أدرى بالذي هو واقع من فروق.. وحاصل من تباين..
إذن هي من هناك عبرت.. وها هنا استقرت..
سنديانة ريانة عانقت نخلاً باسقاً فأبلحا حباً فياضاً وأثمرا كوناً متلافاً للوجد ضنيناً بالموجدة..جاوزا به السائد بمعطى التحدي.. وعمّقا به قيم الجد المستحيل بأدوات الممكن الخلاق.. فكانا بذلك رمزاً تهفو إليه القلوب.. وتشرئب إليه أعناق نوازع المجد والسؤدد..
أما قبل...
فإن الضوء أمامي يتقاصر حتى يتطابق الظل على الظل وأنا ما أوفيتها حقها من رأس مال الحقيقة ناهيك عن مرابحة التغزل في المقام..
لست منسحباً حتى أعلن عرضي في سوق البهاء..

فيا أيها الذي أنت هنا .. عندي بقية من مداد مستهام بها إن أردت أن تتم هذا البناء.. لنشيده معاً بيتاً من العرفان إلى هذه الرائعة الندية الأبية الخلاقة جيرزالدا. فسلام عليك وعليها وعليهم في حسن القبول.. فأنا أعرف أن الغيث بغية الأرض اشتهاءً للنماء..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أ هـ

لقد كان حضور الجالية السودانية التي تعهدت برعاية الإبداع وتشجيع مثل هذه اللقاءات، حضورا فاعلا في شخص رئيسها السيد عوض قرشوم الذي ذكر بأنه تتلمذ على يد الراحل عبد الله الطيب كما قدر له أن يحج معهما في الحجة الأولى عام 1981م وقال بأن الجالية ستعمل على دعوة السيدة كريزلدا في وقت لاحق حتى يكون هنالك متسع من الوقت للاستماع إليها وتكريمها باسم الجالية السودانية،
بعد ذلك صعدت الحاجة كريزلدا إلى خشبة المسرح وقد بدا في ملامحها أثر إرهاق الحج ووعكة السفر، لكنها بدت كالعادة مليئة بالحيوية والنشاط والفرح وقالت:
"أشعر بالسعادة البالغة تغمرني وأنا أراكم غي هذه المدينة الرائعة جدة تقيمون هذا التكريم لي، سعادتي اليوم لأنني أرى هذا الجمع من الأخوات السودانيات جئن بأطفالهن وأكاد ألأمس الشوق باديا في أعينكم لتسمعوا مني حديثا عن العلامة عبد الله الطيب أو بعضا من السيرة الذاتية له، أرادني الأستاذ سيف الدين أن أتحدث عن بعض إسهاماتي في مجال التشكيل والفلكلور والدراسات السودانية التي ساهمت بها في إثراء الواقع الثقافي، لكنني سأحدثكم اليوم عن بعض الجوانب في حياة عبد الله الطيب، كيف كان يكتب؟، كيف كان يتصرف ما هي أهم هواياته التي كان يداوم عليها ؟
أقول أولا أنا سعيدة لأنني استطعت أن أكمل الحج وأن أهب هذه الحجة للمرحوم العزيز على نفسي الأستاذ محمد المدني (المرحوم محمد المدني هو ابن أخت عبد الله الطيب، تخرج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم، وأثناء الدراسة كان يقيم مع خاله البروفسير عبد الله الطيب، ثم اصطحبه عبد الله الطيب إلى نيجريا حيث عمل هنالك أستاذا في معهد اللغة العربية بماجدوري، وقد حصل على درجة الماجستير من هذا المعهد برسالة عن أدب عبد الله الطيب، وكان شاعرا وقاصا طبع له ديوانان هما " القوافي المشرقة" و " شبابيل، توفي في نيجريا أواسط التسعينات ، وقد رثاه عبد الله الطيب بقصيدة نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية مطلعها
أتانا من كنو ماذا أتانا
نعي حمود أودع القلب السنانا)
هذه هي المرة الثانية التي أحج فيها، المرة الأولى كانت في العام 1981م رفقة المرحوم عبد الله الطيب، وقتها لم تكن أمور الحج ميسرة كما هي عليه الآن، لكنني أدركت تماما بأن من المعاني المستترة في هذه الشعيرة أن ذلكم العناء الذي يكابده المرء في أداء المناسك المختلفة هو نوع من التعود على الصبر حتى يكون الإنسان أكثر قدرة على الإحساس بالآخرين والشعور بآلامهم وهم يصارعون صعوبات الحياة المختلفة.
أنا سعيدة اليوم لأنكم تقيمون هذا التكريم وهو يحمل في طياته تكريما لذلك العلم الذي أعطى السودان كل ما يملك من جهد وفكر، لكنها هي المرة الأولى التي أشاهد فيها لوحة التكريم تحمل اسمي فقط غير مقرون بأي شخص آخر وان كان ذلك الشخص هو أعز إنسان إلى نفسي
أول مرة تعرفت فيها على عبد الله الطيب رحمه الله كان في العام 1945م، وكنت وقتها أتابع تعليمي الجامعي في كلية التربية بجامعة لندن، وكان لي زميل دراسة سوداني هو الذي عرفني به بكافتريا الجامعة، كان اللقاء الأول قصيرا لم يتعد كلمات المجاملة، لكنني أعجبت به وأحببته من أول وهلة، ثم تتابعت اللقاءات فيما بيننا حتى اتفقنا على الزواج، لكنه قال لي بأنه لن يستطيع الزواج إلا بعد تزويج أخواته جميعا، وقد كان.
عبد الله الطيب كان شديد الارتباط بعائلته، وخاصة بأخواته اللائي كان يكن لهن حبا عظيما، ذلك لأنه ربما فقد والديه في سن مبكرة، فتولى منذ نعومة أظفاره مسؤولية رعاية أخواته، وقد فقد أخاه حسنا في وقت مبكر وظل ذلك الفقد جرحا عميقا في نفسه ظل ينزف إلى آخر حياته، ولعل صدى ذلك الأخ الفقيد ظل يتجدد في كل لحظة حزن مرت بعبد الله الطيب، وترى ذلك واضحا في العديد من قصائده ومذكراته النثرية.
أذكر لكم واقعة لا يذكرها الناس كثيرا أثرت في مسيرة عبد الله الطيب، وهي واقعة أذكرها هنا تحية للمرأة السودانية التي استطاعت أن تكون مؤثرة في الواقع السوداني تشارك صنوها الرجل مشاركة حقيقية، ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة العربية تصارع لنيل حقوقها المشروعة، كانت المرأة السودانية في مأمن من ذلك/ مرتاحة إلى ما أنجزت، مقتنعة بإسهاماتها الفاعلة في المجتمع، تتمثل هذه الواقعة في أنه بعد وفاة والد عبد الله الطيب، كان قرار أولياء أمره من الرجال أن يترك الدراسة للعمل في الساقية لإعالة أسرته، لكن جدته وكان اسمها زينب انبرت لذلك وأصرت على أن يتابع عبد الله الطيب دراسته إلى أقصى مداها حتى لو اضطر الأمر أن يسافر إلى الخارج، وكان رأيها هو الذي نفذ أخيرا، وتحقق حلمها في أن يكون عبد الله الطيب أحد أعلام هذا العصر الحديث.
عبد الله الطيب كان محبا لحياة البادية ويعتبرها هي النموذج للحياة، في بداية حياتنا الزوجية كان فوضويا ، يحب أن يكتب ويقرأ وهو جالس على الأرض ، ما فعلته أنني رتبت له حياته ونظمتها، فقد مد إلى يدا مليئة بالفوضى فمددت له يدي المليئة بالانسجام، حتى إن الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري قال لي ذات مرة بأنه درس عبد الله الطيب الرياضيات في كلية غردون وكان عبد الله الطيب وقتها نابغة لكنه كان فوضويا في مظهره أنت التي استطعت أن تحوليه إلى شخصية أخرى، واعتقد بأنني استطعت أن أسهم في تكوينه الثقافي بما وفرته له من حياة أسرية مستقرة ومنظمة، وخاصة وقته، تعلمون أنه كان يحب الناس ويحب (الونسة) تحملت أن أصرف عنه الناس في الوقت الذي يكون فيه منهمكا في الكتابة أو التحضير لعمل ثقافي، بأن أقول للزائرين بأنه نائم أو غير موجود وما إلى ذلك، وكانوا يقبلون ذلك على مضض باعتبار أنني (بريطانية) لا تفهم العادات السودانية، ألان اعتقد بأنني بذلك وفرت له وقتا ثمينا كانت ثمرته العديد من المؤلفات القيمة والأعمال الثقافية والفكرية الجليلة التي ما كانت لتتحقق لو انساق وراء أهم هواية له وهي (الونسة)
لقد استهوتني الحياة السودانية فرسمت بعض مظاهر هذه الحياة وكتبت مقالات باللغة الانجليزية عن بعض العادات والتقاليد السودانية.
كذلك كنت شاهدة على ذلك التواجد السوداني في لندن منذ الأربعينات عرفت كل الأكاديميين السودانيين الذين صاغوا فيما بعد الملامح الثقافية والثقافية للسودان، وهذا التواجد كان قد أوحى إلى بعض الكتاب مادة كتاباتهم مثل الطيب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) وسأذكر هنا بعض مصادر هذه الرواية من خلال حركة مجتمع السودانيين في لندن مثلا محاكمة بطل الرواية مصطفي سعيد بعد قتله لجين مورس، فقد كانت في لندن محاكمتان مشهورتان، إحداهما كانت محاكمة أحد الدناقلة وكان صاحب مطعم قتل عن طريق الخطأ أحد البحارة الجامايكيين وكانت محاكمته شهيرة في لندن( وبالمناسبة كان مطعمه هو المفضل لكل السودانيين في ذاك الزمان و كان هو الذي قام بإعداد مأدبة عشاء فاخرة وعلى حسابه للسيد عبد الرحمن المهدي إبان زيارته لندن والذي قابل خلاها ملكة بريطانيا).
المحاكمة الثانية وتشبه الى حد كبير محاكمة مصطفى سعيد، محاكمة شهيرة بلندن، حيث كان هنالك طالب سوداني عشق فتاة بريطانية كانت تدرس معه وأراد التزوج منها، لكن والده حين سمع ذلك قدم الى لندن وأوقف تلك الزيجة مما أدى الى انتحار الطالب السوداني وعشيقته معا، وفي المحكمة التي أقيمت تحدث والد الفتاة حديثا عاطفيا مؤثرا ذكر فيه أنه كان سيكون سعيدا جدا لو تزوجت ابنته البريطانية من ذلك الفتى السوداني، ولو رجعتم الى رواية موسم الهجرة الى الشمال وخاصة الجزء الخاص بمحاكمة مصطفي سعيد لرأيتم ظلالا لا تخطئها العين من هذه المحاكمة التي ذكرتها، كذلك شخصية الدكتور أحمد الطيب في علاقاته الغرامية تشكل جزءا من تكوين شخصية مصطفي سعيد، ثم الغرفة الخاصة التي كان يتخذها مصطفي سعيد في القرية يهرب إليها بين آونة وأخري، وقد كانت بذلك الوصف الذي قدمه الطيب صالح عنها تشبه إلى حد كبير المكتبة الخاصة للسيد محمد صالح الشنقيطي بأم درمان، فقد كانت له مكتبة ضخمة أهداها إلى جامعة الخرطوم، وأخرى خاصة لا يريها إلا إلى أصدقائه المقربين، وقد شاهدتها بأم عيني وكتبت عنها، وفي آخر لقاء بالطيب صالح في قاعة الصداقة ذكرت له ذلك فرفض بشدة قائلا" لا لا إن شخصية مصطفي سعيد وكل ما جاء في الرواية من نسج خياله وليس من نسج أي نول آخر". ولقد ذكرت ذلك في مقال لى باللغة الانجليزية تحت عنوان (الهويات الخفية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال).
ثم تحدثت بعد ذلك عن مشاركات عبد الله الطيب في الدروس الحسنية بالمغرب، وهي محاضرات يلقيها مشاهير العلماء في العالم الإسلامي أمام عاهل المغرب خلال شهر رمضان، وكانت أول مشاركة لعبد الله الطيب في رمضان عام 1981م حيث جاءته دعوة من القصر الملكي لإلقاء محاضرة في تفسير القرآن الكريم، وعند اقتراب موعد المحاضرة تم تغيير موضوع المحاضرة إلى القصص في القرآن الكريم من قبل الديوان الملكي المغربي وذلك قبل يومين فقط من تاريخ المحاضرة، وكان على عبد الله الطيب أن يعد لها خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، وكأنه كان اختبارا لمعرفة مدى استعداد المحاضر للتحدث في جميع الموضوعات ذات العلاقة بتخصصه، كنا وقتها في مدينة الرباط نتهيأ للمحاضرة، وكانت كل كتب ومراجع عبد الله الطيب موجودة في مدينة فاس(التي تبعد حوالي مائتي كيلومترا من الرباط ولم يكن هنالك وقت للذهاب إليها )، فما كان من عبد الله الطيب إلا أن استعان بمكتبة السفارة السعودية بالرباط وكانت هذه السفارة تمتلك مكتبة إسلامية ضخمة تخصصها يوما للرجال وآخر للنساء، في ذلك اليوم كانت مخصصة للنساء، إلا أن القائمين على السفارة إدراكا منهم لأهمية موضوع عبد اللطيف خصصوها في ذلك اليوم لعبد الله الطيب فقط/ وتم بحمد الله الإعداد للمحاضرة ونالت إعجاب الملك الراحل الحسن الثاني حتى انه نهض من كرسيه بعد انتهاء المحاضرة وعانق عبد الله الطيب إعجابا بما قدم، بعد ذلك توالت مشاركاته في هذه الدروس الحسنية التي كان يدعى لها كل عام، وفي آخر محاضرة له عام 2000م ذهبنا إلى المغرب من السودان وعند وصولنا علمنا بأن الملك محمد السادس قد ذهب إلى العمرة فحزمنا أمتعتنا استعدادا للعودة إلى السودان، إلا أن العاهل المغربي اتصل من الأراضي المقدسة وطلب من البروفسر عبد الله الطيب أن ينتظر بالمغرب لأنه حريص على أن يستمع إلى محاضرته، وكانت تلك المحاضرة التي بثها التلفزيون قبل أيام قلائل.
من الأشياء التي لاحظتها في هذه الدروس الحسنية أن العاهل المغربي الحسن الثاني كان يختبر العلماء في هذه الدروس عن طريق تغيير موضوع المحاضرات فجأة، أو عن طريق تأخره أحيانا في الحضور إلى المحاضرة وإبقاء زمن قصير للمحاضرة ليرى ماذا يقدم المحاضر خلال الوقت القليل الممنوح له، لأن هذه الدروس الحسنية كانت تبدأ بعد صلاة العصر وحتى أذان المغرب، وكان الملك يحضر أحيانا قبل نصف ساعة مثلا، وقد حدث ذلك مرة مع عبد الله الطيب فبدلا من أن يمنح ساعة كاملة منح حوالي ربع ساعة حسب الحيز الزمني المتاح، وقد أثبت قدرته على تطويع مادته لتقدم كاملة غير منقوصة في أي مساحة زمنية تتاح له، فان كان هنالك متسع من الوقت استطرد وان كان غير ذلك اختصر اختصارا لا يخل بالموضوع، لذلك أصبح أحد أعمدة هذه الدروس الحسنية.
لقد كان عبد الله الطيب كريما يحب الناس ويحب التحدث إليهم، وكان زوجا مثاليا يقوم على احتياجات الأسرة فيوفرها بالكامل، أذكر أنه كان يذهب صباح أيام الجمع فيحضر السمك والخضار والفاكهة، لقد كانت له هوايات عديدة منها السباحة التي كان يداوم عليها، وكان سباحا ماهرا، والسياحة والسفر فقد زرنا بلدان عديدة وكنا دائما ما نسافر من انجلترا إلى المغرب بالسيارة نطوف خلال الرحلة على العديد من المدن الأوربية.
هذه هي ببساطة بعض ملامح تلك الحياة السعيدة التي عشتها مع عبد الله الطيب ولا أختم حديثي قبل أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لرجل قدم لنا خدمة كبيرة في وقت كنا في أمس الحاجة إليها، إلا وهو الأستاذ صلاح الدين إدريس، فقد كنت في لندن حين داهم المرض عبد الله الطيب وأدخل المستشفى وهو في غيبوبة تامة، عندها أخبرتني إدارة المستشفى بأنه سيتم نقله إلى مستشفى آخر يعتبر من أشهر الشافي في العالم ولا يدخلها إلا الملوك والرؤساء، فقلت من أين لي تكلفة العلاج، فقالوا لي أن الفاتورة قد دفعت من قبل أحد رجال الأعمال السودانيين إلا وهو صلاح الدين إدريس، وقد فعل ذلك قبل أن أراه ولم يخبرني بأنه فعل ذلك، ومن هنا أقول أن هذا العمل الذي قام به عمل بطولي يسجل له، والله أسأل أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناته إن شاء الله ، والشكر لكم كثيرا على هذا التكريم الذي أثلج صدري، إلا رحم الله عبد الله الطيب رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا)
في ختام الأمسية قدمت هدايا تذكارية من منتدى الإمام عبد الرحمن ومن رئيس رابطة أبناء الولاية الشمالية ومن شيخ العرب محمد الحسن الهواري الذي اقترح تكوين جمعية باسم الوفاء لأهل العطاء يتم فيها الاحتفاء بالشخصيات التي قدمت خدمات جليلة للسودان، وما كان من الرياضي الكبير الأستاذ أمير كباشي إلا أن أمن على ذلك معلقا بأننا مهما قدمنا لهذه الجوهرة الكريمة والدرة الأصيلة أثمن الهدايا والعطايا فلن نوفيها حقها الواجب
جدير بالذكر أن الذين قاموا بالإعداد لهذه الأمسية في منتدى السودان الثقافي بجدة هم الشاعر إبراهيم محمد أحمد رئيس المنتدى، عبد الرازق بشير نائب الرئيس، الأستاذ محمد طه محمد عبد الله نائب الأمين العام، السر محمد حامد أمين الإعلام، المكاشفي حمد مضوي أمين العلاقات العامة، الأستاذ عبد المحمود على السيد أمين شعبة التوثيق وسيف الدين عيسى الأمين العام
وقد قدمت في معيتها من السودان الأستاذة هدية مصطفي ابن أخت المرحوم عبد الله الطيب وابنها الأستاذ مصطفي ، ممثلين لأسرة المقيم الراحل والذين يجسدون تلك الحميمية في العلاقة مع الحاجة جوهرة الطيب، حيث شاهدنا من خلال تعامل الأستاذة هدية مع كريزلدا تعامل البنت البارة بأمها الحنون


اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


سودانيزاونلاين.كم | المنبر العام | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005 | أرشيف المنبر العام للنصف الثانى من عام 2005 |أرشيف المنبر العام للنصف الاول لعام 2004 | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | مكتبة الدراسات الجندرية | مكتبة د.جون قرنق | مكتبة ضحايا التعذيب |مكتبة الشاعر د.معز عمر بخيت |مكتبة الفساد |
اراء حرة و مقالات سودانية | مواقع سودانية | اغاني سودانية | مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد | دليل الخريجيين السودانيين | الاخبار اليومية عن السودان بالعربى|
جرائد سودانية |اجتماعيات سودانية |دليل الاصدقاء السودانى |مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان |الارشيف والمكتبات |


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved