إتخاذ قرارعقد قمة الإتحاد الأفريقي السادسة في السودان رغم ملابسات الأزمة السودانية في دارفور، خطأً إرتكبه الإتحاد الأفريقي في حق الإنسانية في هذه القاره وفي حق شعوبها وفي حق المواثيق الإقليمية والدولية الراعية لحقوق الإنسان. فما زالت دماء الشهداء تسيل وتروي مختلف بقاع السودان ، في غربه وشرقه ولم تجف بعد في جنوبه . الدولة التي كانت أول دوله إفريقيه جنوب الصحراء تنال إستقلالها ، تقدم للقارة بعد خمسين عاماً هدية ليست أكثر من نموذج لقياده غارقه حتى النخاع في جريمة القرن بإتهامها بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قلب القاره. على الأوفياء من شعب السودان إبتلاع علقم هذا الموقف الذي تسببت فيه هذه الحكومة، فلم يسعوا بجد إلى المعالجات الواقية .
حسناً إستخدم القادة الأفارقة الحكمة في تجاوز خطأ إنعقاد القمة في الخرطوم وذلك بعدم ترشيح أو إنتخاب البشير لرئاسة الدورة المقبلة، على أقل تقدير للعام 2006 ، فما كان للتاريخ أن يرحمهم وكذا الأجيال . نحن كنا على قناعه بأنه لا الفقه القانوني الدولي ولا الضمير الإنساني يمكنهما أن يدعما ترشيح المتهمين بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دولهم والمحالة ملفاتهم للمحكمة الجنائية الدولية في أن يتقلدوا مناصب رئاسة منظمات إقليمية كالإتحاد الأفريقي والتي من شأنها التعاطي مع القضايا التي تمس حقوق الإنسان ، فقط لدرء وتقليص قدرتهم على تمرير ذات الفكر والتأثير على القرارات بما ينتج مأساة إنسانية كتلك التي وقعت في دارفور .
على صعيد المفاوضات فهي ما زالت تراوح مكانها نظراً لتعنت الوفد الحكومي في أشياء تم الإتفاق حولها منذ الجولة الخامسة والسادسه، فالحقائق تترتب على النحو التالي ، فمنذ بدء العملية التفاوضية في مرحلتها الثانية والتي بدأت في أبوجا في قبل أقل من عام ونصف ، تم تثبيت مجموعة حقائق هي أن الأزمة السودانية في دارفور أزمة سياسيه ويجب أن تعالج معالجه سياسيه ، وأن هذه المعالجه يجب أن تعتمد أجنده تستوعب وتمحور مراحل التفاوض ، فكانت الأجنده التي تمثلت في الشأن الإنساني والترتيبات الأمنية لتحسين الشأن الإنساني ، ثم المسألة السياسية بمحاورها الجذعية المتمثلة في المجال الإقتصادي والإجتماعي والثقافي ، والمحاور الفرعية المتمثلة في تقاسم السلطة وتقاسم الثروة والترتيبات الأمنية النهائية . تخطينا تثبيت كل هذه الحقائق حتى نهاية الجولة السادسة بالإتفاق على معايير التقاسم . فالمعايير مرحلة تجاوزناها ونحن الآن بصدد تطبيق تلك المعايير، ولا أحسب أن ثمن حقن الدماء وصون الوحدة الوطنية والذي لا يتجاوز محو حبر قديم على الورق وإبداله بحبر جديد ،قد تضن به الحكومة على هذا الوطن . آمل أن لا يكون التعنت الحكومي في تطبيق معايير التقاسم إنما ينطلق من إستنكارهم للنتائج . لقد سبق أن ذكر السيد/ باقان أموم كبير مفاوضي الحركة الشعبية لتحرير السودان عن تجاوز الحكومة لما تم الإتفاق عليه في توزيع الوزارات فقال ( أتفقنا مع الحكومة أن نستخدم الملاعق في الأكل ، ولكنهم فجأه تركوا الملاعق وبدأوا يستخدمون اليدين ) نحن نضيف على قول السيد بأقان بأن الحكومة الآن تستخدم اليدين وقد ملأت الشدقين وتحبس الطبق بالرجلين . هذا هو ديدنها في نقض الإتفاقيات ، لكننا لن نيأس لإصلاحها .
لقد ظللنا دائماً نسعى إلى الإنطلاق من الحقائق ، وأن من بين هذه الحقائق هي الأخطاء التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه ، حيث لم تكن السلطة إنعكاساً للتنوع الذي تزخر به البلاد ، ولم يردد إستخدام الثروة صدى مساهمة الأقاليم في الناتج القومي . ورغم كل هذا أكدنا وما زلنا نؤكد بأننا نتفاوض على خلفية أن ما يتحقق لأي طرف ، ليس تعبيراً عن تسجيل نقاط أو فوز وخساره ، وإنما بمنظور المعالجة الأوفق بما يتسق مع متطلبات المرحلة المقبلة ، لا سيما الإنتقالية منها والتي سبق أن قلنا أنها تمثّل وسادة إمتصاص لأثقال تراكمات الماضي . نحن نسعى إلى إشاعة ثقافة التنافس الشريف بين الأقاليم في التنمية بتهيئة الفرص والبنيات المتكافئة من إستقرار أمني وسلطات واسعة وثروة متناميه . أنا أحسب أننا بمطالبتنا بحق أهل دارفور في الخدمة المدنية قياساً على الثقل السكاني وتطبيق معيار التمييز الإيجابي وإعتماد السوابق ، إنما ننطلق من الحقائق التي توصلنا إليها بأن المعالجة الأوفق هي تلك التي تقوم على إعتراف بحجم المشكلة ومن ثم المعالجة التي تتسق مع حجم المشكلة ، وبعد مضي أكثر من عام في التفاوض، وبعد أن شخّصنا المرض وحددنا العلاج ، يصر الوفد الحكومي على إضاعة المزيد من الوقت في الحديث عن الأعراض الجانبية للدواء بدلاً من تناول الدواء .
أما فيما يتعلق بالتقرير الذي تقدم به الدكتور سالم أحمد سالم المبعوث الخاص لرئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي في إجتماع مجلس الأمن الأخير ، هذا التقرير قد أعطى صوره غير حقيقيه عن الحركتين في كثير من فقراته ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أشار التقرير إلى أن الحركتين طالبتا بإدارة العاصمة ، وهو ما لم يحدث ، فقد طالبت الحركتان بالمشاركة في إدارة العاصمة ، والفرق شاسع بين العبارتين ، وما تخلّفه العبارة الأولى لدى المراقب يختلف بشكل كبير عن أثر العبارة الثانية ، نحن نأمل أن يركّز الإتحاد الأفريقي في تجاوز الإختبار الأول له على مستوى القارة ، وهو ما سيسعدنا . ولا يجب أن يكون نجاحه على أنقاض طرف ، وإذا لم يقدّر له أن ينجح فالأبلغ أن يتحمل نتائج عمله ويسعى بإصلاح الخلل ولا عيب في ذلك ونحن عوناً له لأن نجاح أفريقيا هو فخر لأبنائها .
أبوجا – نيجيريا
26/1/2006 م