قبل انعقاد الجلسة العادية السادسة لجمعية الاتحاد الأفريقي في الخرطوم بالسودان، بين 23 و24 يناير/كانون الثاني 2006، دعت منظمة العفو الدولية اليوم القادة الأفارقة إلى إعطاء أولوية لحماية حقوق الإنسان في كافة أرجاء القارة وإحراز تقدم في هذا المجال. وأحيى اعتماد القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي في العام 2000، والذي تضمن عبارات جميلة حول تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، الآمال في استعداد القادة الأفارقة لاتخاذ موقف علني ضد انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأعضاء ووقف تدهور أوضاع حقوق الإنسان التي اتسمت بها أجزاء عديدة من المنطقة طوال عقود.
ورغم اتخاذ بعض الخطوات المحدودة لممارسة الاتحاد الأفريقي لصلاحيات حقوق الإنسان، استمر ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها الاغتصاب والتعذيب وعمليات القتل غير القانونية، في أجزاء عديدة من أفريقيا. وظل الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان واسع الانتشار، رغم بذل بعض الجهود الدولية والقارية لمعالجة المشكلة. وتتواصل مشاكل حقوق الإنسان في دارفور (السودان) وزيمبابوي، من جملة دول أخرى في القارة. وعلاوة على ذلك، استمر تأخير إنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وتفعيلها، بعد مضي عامين على دخول البروتوكول الخاص بإنشائها حيز النفاذ.
ومن المهم بالنسبة للقادة الأفارقة المجتمعين في الخرطوم أن يثبتوا أن لديهم الإرادة السياسية لترجمة التزاماتهم الصريحة إلى حقيقة واقعة. وتسلط التوصيات التالية الضوء على بعض النواحي التي ينبغي على جمعية الاتحاد الأفريقي أن تنظر فيها إذا أرادت إحراز تقدم نحو تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها في شتى أنحاء المنطقة.
معالجة ظاهرة الإفلات من العقاب في المنطقة
من الأهداف الأساسية للقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي إدانة ظاهرة الإفلات من العقاب ورفضها. بيد أنه رغم الانتهاكات واسعة النطاق والمنهجية لحقوق الإنسان، لم يخضع معظم الجناة للمساءلة، بينما حُرم الضحايا بصورة متكررة من سبيل انتصاف فعال. وفي العقود الماضية، ابتُليت أجزاء عديدة من أفريقيا بانتهاكات جمة لحقوق الإنسان. ووقع رجال ونساء وأطفال أفارقة ضحايا للإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الجرائم المعترف بها بموجب القانون الدولي.
ومن أصل الدول الأعضاء الثلاث والخمسين في الاتحاد الأفريقي، فإن 43 دولة وقعت أو صدَّقت على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي)، بمن فيها تشاد والسنغال، والذي يمنع أية حصانة، ومن ضمنها الصفة الرسمية كرئيس للدولة أو الحكومة، من المقاضاة على الجرائم الخاضعة لولايته القضائية. ويتصور نظام روما الأساسي محاكمات لرؤساء الدول والرؤساء السابقين للدول والمسؤولين الحكوميين الحاليين أو السابقين في لاهاي أمام المحكمة الجنائية الدولية أو في أية محكمة وطنية تمارس ولايتها القضائية على الجرائم المنصوص عليها بموجب القانون الدولي.
وتدرك منظمة العفو الدولية أن جمهورية السنغال اقترحت بأن ينظر الاجتماع الذي تعقده جمعية الاتحاد الأفريقي في الخرطوم في الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها لتقديم رئيس تشاد السابق حسين حبري إلى العدالة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبها عندما كان في السلطة. وجاء هذا الطلب في أعقاب الشكاوى التي تقدم بها بعض ضحاياه، في السنغال أولاً ومن ثم في بلجيكا، وتوجيه قاض بلجيكي تهماً رسمية إليه فيما بعد.
وتحث منظمة العفو الدولية جمعية الاتحاد الأفريقي على التأكد من أن أي قرار تتخذه بشأن القضية يتماشى مع واجبات الدول الأعضاء كما ذُكر أعلاه. ومن المهم بالنسبة للضحايا الأفارقة أن يروا العدالة تأخذ مجراها في هذه القضية. ومن شأن اتخاذه قراراً لمصلحة العدالة وممارسة سلطته لإعلاء شأن حقوق الإنسان وحمايتها تعزيز مصداقية الاتحاد الأفريقي، وإضافة قيمة إلى الأسباب ذاتها التي حدت بأفريقيا إلى اتخاذ المبادرة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا والمحكمة الخاصة بسيراليون، فضلاً عن الاضطلاع بدور حاسم في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
وقال وزير الخارجية السنغالي الشيخ تديان غاديو في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 أن السنغال "تتحسس جداً شكاوى الضحايا الذين يطالبون بالعدالة وسوف تمتنع عن فعل أي شيء يمكن أن يعني أن السيد حسين حبري لن يُقدَّم إلى العدالة". كذلك أعلنت السلطات التشادية علناً أن حسين حبري لا يستطيع المطالبة بأي نوع من الحصانة من التسليم في حالة التقيد بالإجراءات المقامة ضده في محكمة أجنبية عن الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي.
وتؤيد منظمة العفو الدولية هذه المواقف تأييداً كاملاً وتحث جمعية الاتحاد الأفريقي على ممارسة دورها القيادي لما فيه مصلحة المساءلة، بما يتماشى مع روح ونص القانون التأسيسي والميثاق الأفريقي الخاص بحقوق الإنسان والشعوب وغيرهما من المعايير الدولية التي يلتزم بها أعضاء الاتحاد الأفريقي وذلك من خلال التأكد من وفاء السنغال فوراً بالمسؤوليات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي لتسليم حسين حبري لكي يرد على التهم الموجه إليه.
دارفور (السودان)
تقر منظمة العفو الدولية بالدور الحاسم الذي يؤديه الاتحاد الأفريقي في إيجاد حلول للنـزاع الدائر في دارفور، من خلال الوساطة بين أطراف النـزاع وكذلك نشر قوات لحفظ السلام مفوضة بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار وحماية المدنيين. ورغم هذه الجهود، فكما أشار الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الشهري الأخير حول دارفور المرفوع إلى مجلس الأمن، فإن "الأنباء الواردة من أرض الواقع تؤكد التدهور الملحوظ في الوضع منذ سبتمبر/أيلول [...] إذ تتواصل الهجمات واسعة النطاق ضد المدنيين، وتتعرض النساء والفتيات للاغتصاب على أيدي الجماعات المسلحة، ويتم إحراق مزيد من القرى ويُطرد آلاف الأشخاص الآخرين من ديارهم".
وتعتقد منظمة العفو الدولية أنه ينبغي على الاتحاد الأفريقي أن يقول بوضوح للحكومة السودانية والجماعات المسلحة أن بعثة حفظ السلام في دارفور تعتزم ممارسة صلاحياتها وإنها ستتخذ إجراءات لحماية المدنيين أينما يتعرضون للخطر.
وقد دفع تدهور وضع حقوق الإنسان والوضع الإنساني في دارفور الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى إعادة تقييم مواجهتهما للنـزاع. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن البعثة الأفريقية في السودان أو أية بعثة أخرى لحفظ السلام في دارفور يجب أن تزود بالطاقة البشرية والإمكانيات والإسناد اللوجستي بحيث يمكن نشرها على وجه السرعة في كافة مناطق دارفور التي يتعرض فيها المدنيون للخطر. ورغم أن الاتحاد الأفريقي يحتاج إلى دعم دولي لضمان تحقيق ذلك، إلا أن عليه أن يتحمل المسؤولية الأساسية للإرادة الفعالة للبعثة الأفريقية في السودان.
وعلاوة على ذلك، ينبغي على البعثة الأفريقية في السودان أو أية بعثة لحفظ السلام في دارفور أن تجري تحقيقاً في انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتي ترتكبها القوات الحكومية أو الجماعات المسلحة، وينبغي أن تتمكن من نشر تقاريرها بصورة مستقلة. وينبغي على الاتحاد الأفريقي أن يبرم فوراً اتفاقية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ويُدخلها حيز النفاذ لضمان إمكانية التحقيق مع المتهمين بارتكاب جرائم منصوص عليها في القانون الدولي ومقاضاتهم.
زيمبابوي
ما فتئت منظمة العفو الدولية تشعر بقلق بالغ إزاء استمرار انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات شبه المطلق من العقاب الذي يتمتع به الجناة في زيمبابوي. وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وجهت منظمة العفو الدولية مع منظمات غير حكومية دولية أخرى ومنظمات المجتمع المدني الأفريقي مناشدة إلى الاتحاد الأفريقي للإعراب عن القلق إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في زيمبابوي، بما في ذلك وضع مئات الآلاف من الأشخاص المهجرين داخلياً نتيجة عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل التي قامت بها الحكومة.
وفي الجلسة العادية الثامنة والثلاثين التي عقدتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 نددت بتدهور أوضاع حقوق الإنسان في زيمبابوي. وفي القرار الذي اتخذته، تحث اللجنة الأفريقية "حكومة زيمبابوي على أن تُنفذ دون مزيد من التأخير التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الأفريقية الخاص ببعثة تقصي الحقائق للعام 2002 إلى زيمبابوي والتوصيات الواردة في تقرير يوليو/تموز 2005 الصادر عن المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بقضايا الاستيطان الإنساني". وإصدار سلسلة من التوصيات لتعزيز احترام حقوق الإنسان في البلاد، بما فيها الحق في حرية التعبير والاشتراك في الجمعيات والاجتماع واستقلال القضاء.
وتحث منظمة العفو الدولية الاتحاد الأفريقي على أن يوجه دعوة علنية إلى حكومة زيمبابوي لاحترام الواجبات المترتبة عليها بموجب الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ولتشجيعها على التقيد بالتوصيات الواردة في قرار اللجنة الأفريقية. كذلك تدعو منظمة العفو الدولية الاتحاد الأفريقي إلى تجديد تفويض مبعوثه إلى زيمبابوي للتحقيق في انعكاسات عمليات الإخلاء القسري والهدم على حقوق الإنسان والعواقب الإنسانية المترتبة عليها.
المحكمة الأفريقية الخاصة بحقوق الإنسان والشعوب
ما برحت منظمة العفو الدولية تشعر بقلق شديد إزاء عدم تشكيل المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بعد مضي عامين على دخول البروتوكول الموقع في 25 يناير/كانون الثاني 2004 حيز النفاذ. كما يساور المنظمة القلق من أنه اعتباراً من 14 ديسمبر/كانون الأول 2005، لم تُصدِّق إلا 22 دولة من أصل 53 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي على البروتوكول. ومن بين هذه الدول، كانت بوركينا فاسو الوحيدة التي أصدرت إعلاناً بموجب المادة 34(6) من البروتوكول يمنح الأفراد والمنظمات غير الحكومية حق الاتصال المباشر بالمحكمة.
بيد أن منظمة العفو الدولية ترحب بتضمين جدول أعمال جمعية الاتحاد الأفريقي انتخاب القضاة الأحد عشر الأعضاء في المحكمة. ونحث جمعية الاتحاد الأفريقي على النظر فيما يلي عند انتخاب القضاة وبذل الجهود لكي تباشر المحكمة عملها وتتسم بالفعالية :
ينبغي على جمعية الاتحاد الأفريقي أن تكفل بأن يُنتخب فقط القضاة المشهود لهم بالمؤهلات الرفيعة والالتزام والاستقامة في عضوية المحكمة.
ينبغي على جمعية الاتحاد الأفريقي أن تكفل تمثيلاً عادلاً للرجال والنساء من المناطق الرئيسية والأنظمة القانونية في أفريقيا في عملية انتخاب القضاة.
حالما تشكل المحكمة بالكامل، يجب على جمعية الاتحاد الأفريقي أن تكفل تقديم الموارد البشرية والمالية الضرورية إليها، بحيث تتمكن من أداء مهامها بصورة مستقلة وفعالة.
ينبغي على جمعية الاتحاد الأفريقي أن تشجع الدول الأعضاء على التصديق على البروتوكول دون مزيد من التأخير إذا لم تكن قد فعلت ذلك. ويتعين على الدول أيضاً إصدار إعلان بموجب المادة 34(6) من البروتوكول.