في التاسعة من مساء السبت الماضي، كانت الاستاذة أماني بشير عضو الوفد المفاوض بحركة العدل تصرخ بأعلى صوتها أمام غرفتها بأحد ممرات الفندق الذي تجري فيه المفاوضات بأبوجا.. كانت الليلة الأولى لها في هذه الغرفة.. هي وزوجها وريهام ذات الستة أشهر إذ انتقلت اليها بعد أن أعلنت هي وزوجها إبراهيم الصديق انضمامهما لحركة تحرير السودان مجموعة عبدالواحد محمد نور في أعقاب تكوين تحالف القوى الثورية لغرب السودان الذي وصفاه بالقبلية.. ثلاثة من عساكر حركة العدل اقتحموا غرفة إبراهيم وأماني وأبرحوهما ضرباً.. انفلتت أماني لتطلب الغوث لها ولزوجها وريهام الصغيرة.. أماني لحظة الاعتداء اتصلت بـ «الرأي العام» وقالت إنه في الليلة السابقة طلب منها أحمد نقد رئيس وفد حركة العدل المفاوض إخلاء الفندق وفي غيابها هي وزوجها قام بإنزال امتعتهما في استقبال الفندق.
الشرطة النيجيرية قيدت البلاغ ضد ثلاثة «بتحريض» من رئيس وفد حركة العدل المفاوض..
إبراهيم وأماني يصفان الاعتداء بمحاولة الاغتيال.. خرجا منها بكدمات في عين أماني اليسرى وآلام في ظهر ورقبة إبراهيم.. ليتم تدوين الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ المفاوضات السودانية.. ابتداء من نيروبي مع الحركة الشعبية.
وإذا انتقلنا من هذه الصورة الى خلفياتها فبعد شهر من صد الحكومة التشادية لهجوم على الحدود السودانية في منطقة ادرى من قوات متمردة عليها أعلنت ثلاث من حركات دارفور المسلحة عن ميلاد ما أطلقت عليه تحالف القوى الثورية لغرب السودان من العاصمة التشادية انجمينا.. وضم التحالف حركة تحرير السودان «مجموعة حسكنيتة».. وحركة العدل والمساواة ومجموعة انشقت منه هي القيادة الثورية.
وبعد ثلاثة أسابيع من الإعلان عن التحالف الجديد لابد من رصد ردود أفعاله داخل المجموعات المتحالفة وأثره على سير المفاوضات ورؤية قيادات المجموعات لمستقبله.. فقد تم الاتفاق على تعزيز التنسيق في المجالات السياسية والعسكرية والقانونية والاعلامية والادارية.
سياسياً
ولعل المجال السياسي يعكس لقاء الأضداد في هذا الحلف.. فحركة العدل والمساواة تقودها رموز ذات خلفيات اسلامية وتاريخ في العمل الاسلامي في صفوف الحركة الاسلامية السودانية.. ولم تخرج أطروحات الحركة عن هذا الإطار في حين أقرت حركة تحرير السودان مبدأ علمانية الدولة في مؤتمرها بحسكنيتة وفي صورة تقترب من الإجماع.. مما يدعو للبحث عن ثوابت وأهداف اخرى وراء هذا التحالف.. على المستوى العسكري ظلت حركة التحرير تؤكد أنها تسيطر على أكثر من 80% من الأرض بدارفور وتجعل الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة حكماً ليؤكدا صحة ما ذهبت اليه.. بينما تقابل حركة العدل والمساواة تصريحات القادة العسكريين للتحرير عن وجودها داخل الأراضي التشادية «أي أنها بلا ميدان» بصمت يحفه التحفظ..
أما المجموعة المنشقة من حركة العدل «القيادة الثورية» فقد سعت منذ انقسامها للإنضمام لحركة التحرير فكان أن خدمتها الظروف السياسية بميلاد هذا الحلف.
تحالفات
على مستوى التحالفات فإن حركة العدل والمساواة كانت قد وقعت على تفاهم مع حركة التحرير مجموعة عبدالواحد محمد نور لا يختلف عن تنسيقها مع مجموعة منى اركوي في شيء إلا أن الأخير برعاية تشادية.. لكن يبدو أن تفاهمات عبدالواحد قد ذهبت طي النسيان بعد تحالف القوى الثورية الجديد.
ومنذ أحداث مهاجرية.. قريضة.. يامنا ظلت العدل تغازل حركة التحرير وتسعي لتقارب معها.. نجحت المرة الأولى في طرابلس عندما تم التوقيع على وقف العدائيات بين الحركتين.. ومازالت نتيجة التحالف الجديد في رحم الغيب تحكمها جملة من المتغيرات داخل قيادة الحركتين.. ومتغير آخر هو سماء العلاقات السودانية التشادية.
ولكن بدأت أصداء هذا التحالف تظهر على ساحة التفاوض بأبوجا.
تداعيات
حركة العدل والمساواة تضم في عضويتها عدداً من قبائل السودان وجد التحالف معارضة كبيرة وتشكيكاً في قومية الحركة.. اعقبه إعلان اثنين من الناشطين انضمامهما لحركة التحرير مجموعة عبدالواحد.. وأكد الاستاذ إبراهيم عبدالدائم الصديق أن هذا التحالف يخدم قضية اثنية معينة بدارفور لذلك لا يجدونه يعبر عنهم.. في حين أعلنت الاستاذة أماني بشير معارضتها للتحالف ثم انضم لهما ثالث هو محمود علي، وفي تصاعد مثير أعلن الاتحاد الافريقي تعرض العضوين ابراهيم وأماني للإعتداء.. وتؤكد أماني وجود دوافع شخصية لرئيس وفد التفاوض بالعدل، واعتبر الاتحاد الافريقي حادثة الاعتداء على أماني وإبراهيم وطفلتهما الرضيعة من قبل ثلاثة من عساكر حركة العدل إذكاء لنيران العرقية تترك آثاراً سالبة على السلام الذي تجري مباحثاته بأبوجا..
وبعد طرد المعتدين الثلاثة.. وصف الاتحاد الاوربي وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الافريقي الحادث بالوحشية.
الحرب
أبناء القبائل العربية بوفود التفاوض والذين ينتمي لهما المعتدى عليهما «أماني من الجموعية وإبراهيم من الكواهلة» طالبوا قبيلة الزغاوة التي ينتمي لها المعتدون بإدانة الحادث، ودعوا القبائل العربية بكل السودان للتحرك السريع لوضع حد لهذا المنحى.
ولعل الاستقطاب القبلي هو أحد إفرازات الحلف الجديد.. فقد تحدثت «الرأي العام» مع مجموعة من أبناء القبائل الأخرى داخل حركة العدل وقد أكدوا انهم بصدد إعلان انضمامهم لمجموعة عبدالواحد، وقال أحد أبناء القبائل العربية فضل عدم ذكر اسمه انهم ظلوا يعانون التهميش داخل الحركة وكانوا يتمسكون بها لإحساسهم بقوميتها «أما الآن وقد أعلنت عن وجهها القبلي فلا وجود لنا فيها» فالحركة التي ينتمي قادتها لقبيلة الزغاوة تتعرض لحالة «فرز كيمان» قد تجعل الباقين فيها من أبناء جد واحد..
لكن أحمد حسين الناطق باسم الحركة «من قبيلة البرتي» تنبأ بنجاح التحالف بشرط أن يتسع ليصبح تحالفاً استراتيجياً مع قوى الهامش في السودان لكن اذا انحصر في دارفور فلن ينجح.
قد تكون علمانية حركة التحرير في مقابل إسلامية العدل احد دواعي الفشل، أحمد حسين يرى أن العمل في التحالف ليس على أساس عقدي.. لكن انقطع الاتصال قبل أن يعلق على لماذا تراجع دوره وهو أحد مؤسسي الحركة بينما يتقدم آخرون من إثنيات محددة.
تداعيات التحرير
في حركة التحرير كان أول رد فعل هو تكوين لجنة سياسية وعسكرية تضم عشرة من القيادات معروفين بتوجهاتهم العلمانية لمراجعة الاتفاق والتفاكر لبلورة رؤية حول الاعلان السياسي.
وأعنف ردود الأفعال كان تحذير حركة التحرير لحليفتها العدل من توظيف التنسيق بينهما في قمع الآخرين وتنفيذ أجندة العنف التي قالت إنها سلوك يتسم به المؤتمر الشعبي الذي تنفي العدل علاقتها به.. ونفضت الحركة يدها مما يجري من اعتداءات في أبوجا وحملته للعدل محذرة أصحاب الأجندة القبلية والعرقية والأمنية من التقوي بها.
ولم تحظ التحرير بردود أفعال درامية كما حدث في العدل ربما لأن مؤتمر حسكنيتة قد مايز الصفوف وكان فرصة لأعضاء الحركة لتحديد مواقعهم.. مع مني أو عبدالواحد.
كذلك ظل صوت ردود الافعال خافتاً.. فقد صرح احد قيادات التحرير «من غير الزغاوة» لـ «الرأي العام» بأن الحركة أقوى من أن تحتمي بهذا التحالف ولا تحتاج اليه لجهويته وأبدى مخاوفه من أن تدخل التحرير في دائرة الصراع بين السودان وتشاد مما يصم الحركة بالارتهان لأجندة دولة خارجية وهو ما يعرف بالخيانة العظمى.. وقال القائد الذي فضل عدم ذكراسمه ان التحالف هو مجرد زخم سياسي بلا مستقبل لكن حركة التحرير ستدفع ثمنه بانفضاض الكثيرين من أبناء القبائل الأخرى من حولها.. وأضاف: «هذا التحالف يصب في مصلحة عبدالواحد ومجموعته».
حجم أكبر
بعض قيادات التحرير يرون أن الأمر قد أعطي أكبر من حجمه الحقيقي.. إذ يؤكد الاستاذ محجوب حسين المستشار الاعلامي والناطق الرسمي باسم رئاسة الحركة أن التحالف يدخل ضمن التنسيق والتشاور مع كل القوى السياسية في إطار السودان الجديد ويدلل على ذلك بتوقيع حركته اتفاقاً مع حركة الاصلاح والتنمية المنشقة عن حركة العدل.. اضافة لجهودهم لتوقيع اتفاق مع جبهة الشرق».
وينفي الاستاذ إبراهيم أحمد إبراهيم المستشار السياسي وأمين العلاقات الخارجية بالحركة ما تم إعلانه من هيكلة للتحالف «ستسبق الهيكلة مناقشة البرنامج السياسي» مؤكداً أن الحديث عن الهيكل سابق لأوانه.
ويواصل «هم يتحدثون عن دولة دينية ونحن نتحدث عن علمانية.. نختلف في البرنامج.. لكن هذا لا يمنع التنسيق في مواجهة العدو».
ويتحفظ عبدالجبار دوسة رئيس وفد التحرير المفاوض في الحديث عن مستقبل التحالف مكتفياً بالقول: «لم تكون آليات لتعمل بشكل تفصيلي».
على صعيد التفاوض تتفق كل الحركات على رؤية مشتركة لكن بعد التحالف الجديد ربما ازداد تقارب الحليفين.
في المفاوضات
د. أمين حسن عمر الناطق باسم وفد الحكومة المفاوض قال: «إن الادعاء بأن هذه المجموعات لها موقف تفاوضي واحد هو مجرد إدعاء لا دليل له.. خلافاتها تقودها للمزايدة بمطالب جديدة مما يجعل كل فصيل يرفع سقوف مطالباته».
ويرى الاستاذ إبراهيم احمد إبراهيم المستشار السياسي للحركة ان بعض الأصوات حاولت توظيف التنسيق السياسي لتنفيذ أجندة قبلية.. مضيفاً أنه دعم للرؤية المشتركة للمفاوضات التي تم التوقيع عليها في السابق بين الحركات.
يؤكد حديثه عبدالجبار دوسة لكنه يعمم الحديث قائلاً: «أي تنسيق أثره إيجابي».
أما عبدالواحد محمد نور فقد بادر بإعلان مقاطعته للتحالف واصفاً إياه بالقبلية.. وعندما قاطع الحليفان الجديدان التحرير والعدل المفاوضات احتجاجاً على انتخاب السودان لرئاسة الاتحاد الافريقي قررت مجموعة عبدالواحد مواصلة التفاوض تأكيداً لموقفها المستقل.
وبعد...
دعونا نتساءل.. من المستفيد الحقيقي من تحالف القوى الثورية لغرب السودان.. وأين سترسو سفينة الحليفين؟ فهي محاصرة من أمامها بعواصف الاختلاف الايدولوجي ومن خلفها بشبح القبلية؟