الدكتور عوض الجاز: لم نخف شيئا بشأن النفط عن الجنوبيين والوثائق جاهزة للاطلاع عليها
محمد الحسن أحمد
قال الدكتور عوض أحمد الجاز، وزير الطاقة والتعدين السوداني، ان حزب المؤتمر الوطني، لايمانع في اطلاع شريكه في الحكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان، على وثائق النفط المختلفة منذ أن بدأ السودان في إنتاجه قبيل ست سنوات.
وأوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» في الخرطوم، أنه يحبذ تجنب تبادل الاتهامات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بخصوص ملف البترول، قائلاً ان حزب المؤتمر الوطني ملتزم بمقتضيات اتفاقية السلام جملة وتفصيلا، ودعا الى عدم التفريق بين الشمال والجنوب. وأوضح المسؤول السوداني انه تم دحض بعض الاتهامات التي وجهت الى وزارة الطاقة داخل البرلمان والتي تتهم بتوظيف أبناء قبيلة «الشايقية» التي ينتمي اليها، وتمنحهم فرصا أكثر من غيرهم من أبناء القبائل الاخرى. وأبدى الوزير، استعداد الحكومة السودانية لتصحيح أي خطأ يتم اثباته بشأن تحديد آبار البترول ما بين شمال السودان وجنوبه، بعد أن توصل الطرفان أخيرا الى تسوية سلمية أنهت النزاع المسلح في البلاد. وأعرب عن ثقته في سلامة التعامل والإدارة لقطاع النفط في السودان، في ظل توليه حقيبة الطاقة والتعدين، مضيفاً أن هنالك العديد من الجهات الخارجية تشهد للحكومة السودانية «بالشفافية في التعامل مع ملف البترول».
* استأثرت مسألة قسمة الثروة بين المؤتمر الوطني والحركة، طبقاً لما نصت عليه اتفاقية السلام بحيز كبير من الاهتمام. لكن المراقبين يلحظون ان هنالك جدلاً قد بدأ يتسع حول اقتسام حصة النفط بين الشمال والجنوب، حيث يقال ان كمية البترول المنتج تبلغ 350 ألف برميل يومياً، في حين تقول الحركة الشعبية أو حكومة الجنوب ان الانتاج الحقيقي يبلغ 550 ألف برميل يومياً. كيف تنظرون الى الجدال بخصوص هذه المسألة؟
ـ بالطبع فإن التصريحات متاحة لمن يشاء التصريح، الا ان التصريح شيء والواقع شيء، لأن البينة على من ادعى واليمين على من انكر. واقول انه بالنسبة للبترول فإن الجدل حوله لا يمكن اخفاء أية حقيقة بشأنه. أقول أولاً ان الانتاج يبلغ 300 ألف برميل يوميا، ونحن لم نقل انه يبلغ 350 ألف برميل يوميا.. لكننا قلنا انه في مطلع العام الحالي 2006 يرتفع الانتاج بمشيئة الله الى 500 برميل. هذا موقفنا ومازلنا متمسكين به، وان تكملة الكمية المنتجة الى 500 ألف برميل هو أمر لم يصل الى نهايته، فمثلما أشرت لكم في بداية حديثي فإن الضخ قد بدأ في بداية خط الأنابيب، والأمر يتطلب شهرا أو اكثر حتى يصل الى الميناء ثم يتم تصديره بعد ذلك. لكننا حتى الآن نقول ان انتاجنا 300 ألف برميل جزء منه يعتبر داخلاً في الجنوب بحدود عام 1956، وجزء آخر هنا في الشمال. لذلك نحن نقول انه حتى لا تحدث التصريحات والكلام، فإن الورق موجود، ولدينا شركاء موجودون وهذا الانتاج نحن نعطي تفاصيله وأرقامه الى صندوق النقد الدولي ليفتشوه، وكل ذلك معروف ولدينا وثائق منذ أول يوم للانتاج، ومنذ ان وقعنا اتفاقية السلام فإننا أيضاً حددنا حسب الحدود كمية المنتج من النفط في الجنوب وكذلك في الشمال، وكل ذلك بحساباته مسجلة كاملة وليس هنالك أي شيء نخفيه.. حتى لا يقولوا ان الحكومة قالت كذا وكذا. فنحن وهم طرف واحد. ونحن نرى بأنه لا فرق بين شمال وجنوب، وطالما اننا جلسنا واتفقنا وأنجزنا سلاما فإن الذي يحدث في الشمال أو في الجنوب كله يصب في إناء واحد. لكننا ملتزمون بالاتفاقية، ومثلما ورد في نص الاتفاقية كما هو بأنه «ما أنتج في جنوب حدود عام 1956 فإن الولاية التي انتج منها النفط بعد تغطية التكاليف لها 2% منه، والباقي يقسم 50% مقابل 50% بين الشمال والجنوب. ونحن ملتزمون بهذا الأمر بنسبة 100%. وبدلا من ان نقول تصريحات معينة ويتناقلها الناس على جهالة، نقول بأنه من الافضل أن نرجع الى الأوراق، بأن يأتي الطرف الآخر ويجلس معنا، لتتم قراءة هذه الأوراق والنظر فيها بإمعان وتمحيص وأن ينظروا حيثما كنا مخطئين نصوب.
نحن نعتقد أنه ليس هناك شيء نخفيه أو يمكن اخفاؤه بشأن قضية عائدات البترول، وليس لدينا عدو لنخفي عنه شيئاً. فنحن قد جئنا برضانا واتفقنا كلنا على تحقيق السلام. ونعتبر انه حين يجتمع الشمال مع الجنوب حينئذ فإننا نعتقد اننا نعمل في وطن واحد يجمعنا معاً. ولا نفرق بين شمال وجنوب.. صحيح ان الاتفاقية عملت لأغراض محددة وتتطلب ان يستقر المواطنون وان تتعزز الثقة ويتم بناؤها بقدر كبير ولهذا نحن ملتزمون بتطبيق اتفاقية السلام بحذافيرها، ولذلك انا لا احبذ الحديث عن خطأ هذه التصريحات أو صوابها، واعتقد انه علينا ان ننظر في نصوص الاتفاقية ومرجعياتها، وهنالك شركاء السلام الذين يعلمون بمضامين الاتفاقية وتفاصيلها. والبترول الذي ننتجه، يتم فتح اعتماداته في البنك المركزي. واي سفينة تخرج من الميناء تحمل بترولا، هي معلومة لنا وللشركاء وغيرهم، وهي مسجلة بأدق تفاصيل شحنة البترول التي تحملها ووجهتها المحددة. وحتى اذا ارادت اية جهة أن تتوثق من المعلومات كلها حول شحنات البترول التي نقوم بتصديرها يمكنها الرجوع الى الخطوط البحرية لمعرفة ذلك. واشير الى ان الوثائق كافة موجودة، حيث ان الاعتمادات التي فتحت في بنك السودان موجودة، والمال الذي ذهب الى وزارة المالية وثائقه موجودة. وأقول هذا كله مضيفا اننا جاهزون لمن اراد ان يعرف الحقيقة. وليس لدينا مطلقا أي شيء نخفيه.
* هناك لغط يدور في موضوع البترول، على خلفية اتفاق «قسمة الثروة».. ومضمونه ان تقسيم الحصص بين الطرفين في الاتفاقية ليس صحيحا، لأن نصيب الجنوب يفترض ان يكون 50% ولكن الحقول التي تعدها الحكومة في الشمال جزء منها حقول في الجنوب، ماذا تقولون في هذه المسألة؟
ـ نحن نعتقد الآن ان القسمة التي عملت تقوم على حدود يناير (كانون الأول) 1956، تاريخ استقلال السودان، وهي حدود رسمها الاستعمار في الماضي. واقول ان هذه الحدود يمكن الرجوع اليها في أي وقت للتوثق من الحقيقة، وان آبار البترول في كل المواقع لا يمكن تحريكها ومن السهل التوثق من تبعية تلك المناطق وتحديد ما اذا كانت تتبع لولايات الشمال أو لولايات الجنوب. ونحن في أوراقنا نسجل مواقع الآبار وحجم انتاجها. هنالك مفوضية للحدود تكونت ونرى انه يجب ان تذهب لهذه المفوضية وتباشر عملها في هذا الشأن. وحين يتم التوثق من الحدود وتحديدها وفقا لخط الحدود لعام 1956، ويمكن للمفوضين ان تتأكد مما حسبناه بشأن تبعية آبار البترول المختلفة هذه المنطقة أو تلك، شمالا أو جنوبا. فإذا رأت المفوضية ان هنالك آباراً للبترول تتبع للشمال واتضح انها تتبع للجنوب فإن الالتزام سيكون بما يثبت صحته. وكما يقال فإن (الحساب ولد). واشير الى ان كل بئر من هذه الآبار انتاجها معروف، والأمر لا يحتاج الى حدة أو توتر أو نكد. ونحن جاهزون لذلك الأمر، والحكومة مالها موجود وتقسمه بين الشمال والجنوب.. فإذا اتضح ان الجنوب له حصة زائدة لم يحصل عليها بسبب خطأ في تحديد التبعية الجغرافية للبئر، فيمكن ان تحسب حسابات صحيحة.. لتصحيح أي خطأ في حالة التثبت من حدوثه.
* هنالك مسألة اخرى أثيرت من قبل الحركة الشعبية، اذ يتردد ان السعر الذي يباع به البترول يتعرض لكم هائل من الخصومات، وهي خصومات لا توافق الحركة عليها لأن ذلك يؤثر في نصيبها بشكل أساسي ما تعليقكم على ذلك؟
ـ أود ان أؤكد اننا مجتهدون لنحصل على أفضل سعر للخام. وهذا السعر له مكونات محددة، فحينما يتم الانتاج من البئر فإن تكلفة الانتاج معروفة. وترحيل المواد النفطية من البئر حتى ميناء التصدير تكلفته محسوبة ومعروفة. صحيح اننا لا ندخل في العمل المتعلق بالنقل البحري للبترول، بما يتضمنه من مسألة التأمين وخلافه، حيث اننا نبيع بترولنا في الميناء ببورتسودان، ولكن قياسا على السعر العالمي. وهذا السعر يتحدد عالمياً وفقاً للتنافس الموجود. لذلك فإننا لا نخصم أو نضيف من عندنا، هنالك تكاليف داخلية محددة ليس فيها غش من أي طرف للطرف الآخر، ولذلك أقول ان مسألة البترول كلها لا تعتمد على (الغلاط) أو المغالطة، وهي لا يمكن معالجتها عبر التصريحات، إنما هي تحتاج الى حساب.. والحساب «ولد»، كا يقول المثل. ونحن منذ البداية قلنا لاخواننا في الحركة ان الاتفاقيات التي ابرمناها كلها موجودة، وليس لدينا شيء نخفيه. وطريقتنا في ادارة العمل واضحة ووثائقها موجودة، فإذا استطاع أي طرف ان يأتي لنا بأفضل مما أنجزناه فإننا نرحب بذلك.
* ماذا تقولون عن ما تردده بعض قيادات الحركة بأنها ـ أي الحركة ـ لم تتسلم المبالغ المالية التي تحدثت عنها الحكومة والتي تبلغ 702 مليون دولار؟.
ـ انني أرى انه من الأفضل، حتى لا اجيب انا عن هذا السؤال، انه يجب الحديث عنه من قبل وزارة المالية، فمسؤولو المالية حاضرون والمال عندهم، وايصال التسليم والتسلم موجود. ووزارة المالية هي افضل من يقول: متى سلمنا هذه الاموال الى الحركة.. وكيف؟ والمسألة هذه لا تحتاج الى مغالطات، لأنه لا بد ان تكون هنالك شواهد حول مسألة تسليم هذه الاموال الى الحركة يمكن التوثق منها.. واعتقد ان هذه المسألة «حبلها قصير» لأنه يمكن التأكد من كل ما تحمله من تفاصيل تتعلق بتسليم هذه الاموال الى الحركة.
* أشار أحد مسؤولي الحركة عبر الصحف الى ان هناك 350 موظفا في حقول النفط.. وليس من بينهم جنوبي واحد، هل يمكنكم اعطاؤنا اضاءة حول هذه المسألة ايضا؟
ـ نحن من جانبنا اذا اردنا ان نثير كلاما في الصحف، فيقال ان هذا المسؤول قال كذا وذلك المسؤول قال كذا، فإننا بذلك نثير فتنا اكثر مما نعطي حقائق، ولذلك اقول ان هذه القضايا لا يمكن إخفاؤها فهي بينة، ولهذا إن من يريد البحث عن الحقيقة، فإن الطريق اليها ليس عبر التصريحات، فمن الممكن ان ينكر اي مسؤول في الحركة بعض ما اوردته من مسائل، وان يشكك في صحتها، وحينئذ سأطالبه بأن يحضر احد الفنيين، واذا اراد ان يطلع على الاوراق والوثائق فإنني سأعطيها له. وكذلك فإنه اذا ذكر انه ليس هنالك موظفون جنوبيون يعملون في مواقع البترول، فسأقول له ان بإمكانه الذهاب الى الحقول بنفسه للاستيثاق من ذلك، انني ارى انه يجب الا نتعامل بمفهوم ان المسألة هي مسألة شمالي او جنوبي، واشير الى ان البعض ردد ـ في وقت سابق ـ بأنني عينت ابناء قبيلة الشايقية في وظائف كثيرة بوزارة الطاقة، وهذه المسألة اثيرت في البرلمان، ولقد اصررت على رئيس البرلمان الا نكتفي بالنقاش حول هذه المسألة فحسب، وانما ان تبنى على الحقائق، وان تطلع اللجنة على اسماء الموظفين الذين يعملون في وزارة الطاقة، وان يحضروا اسماءهم اذا كانوا من قبيلة واحدة ليطلع البرلمان عليها، وللأسف الشديد فقد قمنا بتحديد الامر حتى نهايته، حيث اننا كتبنا اسماء كل العاملين في الوزارة، وسألنا اي شخص عن قبيلته، وفي نهاية الامر اتضح ان ابناء القبيلة (الشايقية) التي ادعى البعض عليها هم قلة، بل هم اقل مجموعة وسط المجموعات القبلية الاخرى وسط الموظفين بالوزارة. وقد قدمنا نتيجة عمل تلك اللجنة داخل البرلمان، وكنا حريصين على توضيح اللغط الذي صحب تلك المسألة من اجل إبطال اي دعاوى من هذا النوع، ولذلك نحن نعتبر ان البترول صناعة.. وبحمد الله فإن اكثر من 70% من هذه الصناعة البترولية يديرها سودانيون.
* كانت هنالك مشكلة أثارت اهتمام الرأي العام وتتعلق بشركة النيل الابيض، واتذكر انني قد قرأت في هذا الموضوع ـ عبر الصحف ـ محورين متناقضين، اذ تردد الحديث مرة عن انه تم حل مجلس ادارتها، وفي مرة اخرى قرأت انها قد منحت ترخيصا لتعمل في الحقل الذي كانت تعمل فيه ـ سابقا ـ شركة توتال. ما هي حقيقة الوضع المتعلق بهذه الشركة وفقا لرؤيتكم في هذا الجانب؟
ـ أود هنا أن أجدد تأكيد التزامنا باتفاقية السلام جملة وتفصيلا. الاتفاقية تقول بأن الاتفاقيات التي وقعت ـ في مجال النفط بالسودان ـ قبل اتفاقية السلام لا بد ان تحترم وان تنفذ، وبالنسبة لموضوع شركة توتال، فهي قد حصلت على ترخيص لمزاولة عملها منذ عام 1983، ولذلك فإن الشيء الذي عملناه قبل اتفاقية السلام، تمثل فقط في تحسين هذه الاتفاقية لمصلحة البلد، لأنه قد حدثت متغيرات لمدة طويلة، ولكن الاتفاقية قديمة، ولهذا فإنه بمنطوق اتفاقية السلام فإن الشركات التي سبق التوقيع والاتفاق معها لها حقوق يجب الالتزام بها، ثم ان اتفاقية السلام حددت كيف يدار البترول في السودان واشارت الى دور الوزارة ودور المفوضية، ولذلك بمنطق الاتفاقية فإن الجهة المسموح لها بأن ترخص للشركات للعمل في مجال البترول، والذي يعد صناعة قومية، هي وزارة الطاقة، ولا أقول ذلك من عندي، أو لأنني وزير لهذه الوزارة، ولكن هذا هو منطق اتفاقية السلام، وبعد ذلك لا يهمنا ما هي الشركة التي ستأتي للعمل في السودان، والى اي دولة تتبع، فقط نحن نطبق ما اتفقنا عليه في اتفاقية السلام، ولذلك التصريحات حول ان هذا المسؤول صرح بكذا او ان مسؤولا آخر صرح بشيء آخر، فهو أمر لا أود الخوض فيه.
* بالنسبة لمفوضية البترول، فهنالك حديث عن سكرتاريتها، وتردد انه كان لك موقف يقوم على ألا يكون لهذه السكرتارية دور معين في بعض المسائل التنفيذية اثير الحديث عنه، وهناك جهات تعتبر ان موقفكم فيه افتئات او «تكويش» على عمل المفوضية. ما قولكم؟
ـ اجابتي هنا ايضا هي انه يجب علينا الاحتكام الى اتفاقية السلام، والتي فصلت كيف ندير هذا العمل التنفيذي، واقول انه منطقيا فإن المفوضية تتشكل من رئيس الجمهورية ونائبه الاول وعدد من الوزراء من الجانبين، فهل يعقل ان يذهب الرئيس ونائبه ووزراؤه للتفاوض مع الشركات التي ترغب في الدخول في الاستثمار في القطاع النفطي، فهل يجوز ذلك؟ بالطبع لا. لذلك اقول ان هذه هي الجهة السيادية التي تقرر في السياسات، من حيث الاجازة والتوجيه في الشؤون المتعلقة بالنفط، ومن هنا يصبح منطقيا ان هذه المفوضية التي لا يتم اي قرار الا بواسطتها، فإذا احتاجت الى ذراع تنفيذي يقوم بالعمل الفني والتفاوضي الاول، والاعداد للعمل كله من اجل تفعيله والدفع به الى الامام، فمنطقيا يجب ان يكون هذا العمل في وزارة الطاقة. لهذا انا اقول ان المفوضية «على العين والرأس» لتؤدي كل تلك الاختصاصات، واصلا فقد كان هنالك في السابق مجلس النفط، وهو اشبه في مهامه بهذه المفوضية التي استحدثت طبقا لاتفاقية السلام، وكانت مهمة مجلس النفط ايضا ان يرعى السياسات والقرارات واجازة الميزانيات، الخ. والآن فإن المفوضية جاءت ـ ايضا ـ بتفويض من اتفاقية السلام، ولذلك نتعامل معها من هذا المنطلق. ونقول انه اذا كانت اصلا هناك جهة دربت الدولة فيها العديد من الفنيين والكوادر وبها العديد من اصحاب الخبرات، وهي تقوم بالتحضير لهذا العمل المتعلق بقطاع النفط، وهي لا تقرر ولكنها ترفع كل هذا العمل الى صاحب القرار ليفعل فيه ما يشاء.
* هل يمكنكم التحدث لنا بخصوص الاكتشافات البترولية الجديدة في السودان ومقدار النفط الذي تتوقعون انتاجه؟
ـ من المناسب ان اوضح في هذا الجانب صورة متكاملة عن خريطة العمل الذي تجرى الاستكشافات في مواقعه المختلفة، واشير الى ان بدايات عملنا تمثلت في اعمال الاستكشاف والمسوحات في حقل «هجليج والوحدة»، هنالك انتاج آخر من «حقل 6» في كردفان، ويبلغ مجمل الانتاج من هذين الحقلين 300 ألف برميل يوميا.وهنالك حقل آخر هو حقل 3 و 7 والذي يغطي جزءا من اعالي النيل (الجنوب) وجزءا من ولاية النيل الابيض في الشمال، وهذا يرتبط مع جهود متكاملة نبذلها في عملنا، وقد بدأنا حاليا الاعداد لضخ النفط عبر خط الانابيب، وفي هذا الاطار نرجو ان نفي بما تعهدنا به بأن نرتفع بانتاج النفط في السودان الى 500 الف برميل يوميا. ولا بد من الاشارة الى اننا مازلنا في مرحلة بدايات ضخ منتوج النفط في خط الانابيب، بمعنى ان هذا المنتوج لم يصل بعد الى الاسواق، لأن كثيرا من اللغط الآن يتردد على الساحة السودانية بخصوص البترول، والقول بأنه وصل الى معدل 500 الف برميل، وهذا الرقم صحيح.. لكن بقية الكمية التي ترتفع بمعدل انتاج السودان الى رقم 500 ألف برميل لم تكتمل، وهي الكمية المقدرة بـ 200 ألف برميل يوميا، لم تصل بعد الى الاسواق، كما اشرت الى ذلك آنفا. وهذا حقل فيه ايضا استكشافات مستمرة، وهو يعد الحقل الاول الذي انشئ فيه خط الأنابيب الاول الى ميناء بشائر الذي يعتبر بدوره ميناء تصدير النفط الاول في البلاد. وبالنسبة لحقل «6» فقد انشئ فيه ـ ايضا ـ خط للأنابيب يصل الى مصفاة البترول في الخرطوم. وهنالك حقل ثالث هو حقل «3 و7» أنشئ فيه خط أنابيب ثالث ينتهي عند ميناء بشائر الثاني (بشائر ـ 2) على ساحل البحر الأحمر. واشير الى أن الحقلين الاول والثاني وصل انتاجهما الى الاسواق، فيما ينتظر وصول انتاج الحقل الثالث قريبا. ولكن هنالك أيضا اعمال للتنقيب والاستكشاف تجري في حقول أخرى، وهي (مربع 5) في منطقة ولاية الوحدة و(مربع 8) في منطقة سنار وجزء من ولايتي النيل الازرق والقضارف. وهناك ايضا (مربع 9) الذي يجري فيه الحفر في المرحلة الراهنة وهو يقع في ولاية الجزيرة (وسط السودان)، وجزء من هذا المربع يشمل منطقة مشتركة بين ولايات الخرطوم ونهر النيل وشمال النيل الابيض. وهناك أعمال أيضا في «حقل ـ (2)» الذي يقع في الجزء الجنوبي من ولاية جنوب دارفور. كما ان هنالك ايضا استعدادات للعمل في «حقل15» على البحر الاحمر. ولدينا مسوحات ايضا في (مربع 11) الذي يمثل جزءا من شمال كردفان وجزءا من جنوب الولاية الشمالية. وكل هذه الحقول تجري فيها عمليات لاستكشاف النفط. ونرجو من خلال هذا الجهد كله ان يكون أهل السودان من أصحاب الحظوظ في هذه المادة الضرورية لحياة الانسان.
* يعتبر السودانيون ان البترول يمثل نعمة كبيرة وهبها الله سبحانه وتعالى لهم، والكثير من المواطنين يرون ان هذه النعمة لم تنعكس انعكاساً مباشراً على حياتهم؟
ـ سأجيب عن هذا السؤال، لكنني قبل ذلك سأوجه إليك سؤالا باعتبارك مراقبا قادما من الخارج: ألا تعتقد أن حياة المواطنين قد حدث فيها تغيير؟.. هنا قلت للوزير: إنني شخصياً أرى أن هناك تغييراً قد حدث، لكن عندما ألتقي بالمواطن العادي فأجده يقول إن دخله لم يرتفع.. واصل وزير الطاقة السوداني حديثه ليقول: إنني أيضاً أعيب على اخواننا في الإعلام مسألة إيصالهم للرسالة إلى المسؤول بهذا الشكل من حيث ترديد مقولة إنه لم يقم بالإنجاز المطلوب، وذلك أشبه بالطرفة عن الشخص الأعمى الذي يلتهم دجاجة كاملة على مائدة مشتركة مع آخرين، في حين أنه يعتقد أن كل شخص سواه كان نصيبه دجاجتين!. لذلك أشير الى انه لا يمكننا في السودان التطلع الى أن نصبح مثل مواطني دول الخليج العربي الذين ينتجون البترول منذ أزيد من 70 سنة، فلا يمكننا ان نصبح مثلهم بين عشية وضحاها، ولكي نكون واقعيين علينا أن نفكر بهذه الطريقة في الموضوع الذي أثرناه.
* أذكر انه في القرن الماضي تردد بأن هنالك كميات هائلة من الغاز الطبيعي في شرق السودان. ومنحت شركات ايطالية حق التنقيب. ووقتها توقف العمل بحجة ان منتوج الغاز لا يتمتع بالمزايا التجارية بسبب انخفاض سعر الغاز مقابل ارتفاع تكلفة الانتاج. هل هنالك أي محاولات تبذلها الحكومة تجاه استغلال الغاز الطبيعي في الشرق؟
ـ لا بد لي هنا من توضيح مسألة مهمة تتعلق بإنتاج الغاز الطبيعي، حيث ان هنالك استكشافا للغاز الطبيعي المباشر، في حين يوجد ايضا الغاز المصاحب للنفط، واشير الى انه بالنسبة للنفط الذي ننتجه حاليا لا يوجد فيه غاز مصاحب. ولكن جاءتنا شواهد في هذا الخصوص تتمثل في ما ننتجه من نفط في «حقل 6»، وهو يقع في كردفان، والذي نجري الآن الترتيبات الفنية لاستغلال الغاز المصاحب له. وسنستعمله بدءا لتوليد الكهرباء لاغراض الاعمال النفطية. وربما تكون هنالك شواهد وهي قد تظهر لاحقا بأن تكون هناك كمية أكبر من الغاز في هذا الحقل ونستطيع استغلالها في توليد الطاقة الكهربائية. وحينئذ سنقوم ببناء محطة لتوليد الكهرباء في منطقة غرب كردفان. وربما يصل امدادها من الكهرباء الى منطقة شرق دارفور.
من جانب آخر لدينا اكتشافات للغاز في مربع «4» في منطقة الدندر بولاية سنار. وسيجري تطوير آبارها بقدر الكميات التي يستقر عليها إنتاج الغاز، وايضا سيتم تسخير هذا المنتوج في توليد الكهرباء. والغاز يعتبر ـ كما تعلمون ـ مدخلا لصناعة البتروكيماويات. وقد وقعنا اتفاقا لبناء محطة توليد كهرباء بطاقة 500 ميغاواط وقد وضعنا تقديرات في هذه المنطقة ليتم توليد الكهرباء على نطاق واسع. أما بالنسبة لمناطق شرق السودان فأشير الى انه كانت هناك استكشافات سابقة يقع نطاقها داخل البحر الاحمر وهي تتمثل في الاعمال في حقل «15» الذي تم الترخيص فيه للكونسورتيوم من مجموعة شركات ويجري الآن الاعداد لبداية العمل، لأن ذلك يتطلب التنقيب والاستكشاف داخل البحر، وهو ما يعني الحاجة الى استئجار منصات لأغراض المسوحات والحفر. ونرجو ان تكون هذه اضافة حقيقية للوقود والطاقة وزيادة التوليد الكهربائي، وان تكون ـ ايضا ـ مدخلا الى صناعات البتروكيماويات التي بدأنا تنفيذ جزء منها مصاحب لمصفاة الخرطوم ويتمثل في صناعة حبيبات البلاستيك وغطى المصنع حاليا كل احتياجات السودان وشرع في التصدير للخارج.
* نتذكر أن السودان قد أنشأ في وقت سابق شراكة مع السعودية للبحث عن ثروات البحر الأحمر واستغلالها. وكان هنالك حديث بأن المنطقة تشتمل على ثروات كبيرة مما يشجع البلدين للعمل معا لاستخراجها.. لكن تلك الجهود قد اندثرت. ماذا تقولون عن ذلك المشروع؟
ـ ان التعاون بين السودان والسعودية كان قد بدأ في وقت سابق باتجاه العمل المشترك لاستغلال ثروات البحر الاحمر. لكننا حين بحثنا في الوثائق المتعلقة بهذا المشروع لم نجد عملا يمكن ان نستند اليه في دفع جهود التعاون المشترك في هذا المجال. لكننا قمنا في الوقت نفسه بتطوير الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية مع تطوير الصناعة النفطية. واذا قدرنا ان هنالك ثروات تستدعي توظيف جهود التعاون المشترك سنقوم بدفع ذلك التعاون الى الامام بيننا والمملكة العربية السعودية.
* هل لديكم خطط لاستغلال ثروات السودان من نحاس وحديد ويورانيوم؟
ـ من المعلوم ان السودان يمتلك كميات كبيرة من النحاس في منطقة (حفرة النحاس) التي اشتهرت منذ الفترة التاريخية للسلطان علي دينار في دارفور. ونحن قد رخصنا هذه المنطقة لشركة وقد باشرت عملها لتطوير مخزون النحاس، غير ان العمل كان قد توقف لبعض الوقت بسبب بعض المشاكل متمثلة في الاوضاع الأمنية بدارفور. لكن هذه المنطقة قطع العمل فيها شوطا كبيرا. أما بالنسبة لخام الحديد فهو موجود في عدد من المواقع. ومثلما ذكرت لكم فقد طورنا إمكانيات وتقنيات الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية لأننا نريد ان نطور المعلومة على اساس ان يتم الترخيص للشركات العاملة على بينة من أمرنا. وقد حددت الهيئة بعض المواقع وتأكدنا من حجم المخزون بها من خام الحديد. ولم نعط ترخيصات لأي شركة في مجال استغلال هذا الخام حتى الآن، لكن الآن بين ايدينا عددا من الشركات تتفاوض لأجل الحصول على ترخيصات في بعض المواقع. وبالنسبة لليورانيوم أقول لكم ان الدعاية السياسية بشأنه هي أكبر من حجم الكميات الموجودة على أرض السودان، نحن حقيقة الى الآن لم نطور هذا القطاع ولم نحصر الكميات الموجودة من اليورانيوم القابلة للاستغلال والاستفادة منها. واذا تمت اي اتفاقات في هذا المجال مستقبلا فإنه ستكون لليورانيوم كغيره من المعادن الأخرى استخدامات مدنية عادية لكن نحن حتى هذه اللحظة لم ندخل في هذا المجال. ولا بد أن أؤكد ان السودان اضافة الى معدني الحديد والنحاس، فإن به ثروات عديدة منها الذهب والفضة وكل أنواع المعادن الصناعية، وكل أنواع المعادن الأخرى التي تدخل في مواد البناء تعتبر متوفرة في البلاد. والآن بحمد الله فقد أعطينا ترخيصات لعدد من الشركات في هذا المجال.