الخرطوم الحاج الموز:
أجمعت القوى السياسية السودانية في الحكومة والمعارضة على الرفض القاطع لأي محاولات إقامة قاعدة أمريكية في جنوب السودان، واعتبرت السماح بذلك الخطوة الأولى لإعادة الاستعمار إلى البلاد، وتهديدا للمنطقة الإفريقية والدول العربية، كما أنها تنتقص من السيادة الوطنية علنا. جاء ذلك في استطلاع واسع أجرته “الخليج” لآراء قيادات تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي في السودان حول نيات التيار اليميني داخل الإدارة الأمريكية باتجاه إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في جنوب السودان لحماية الثروات الكامنة من نفط ويورانيوم وغيرها من وصول أيادي الإرهابيين إليها.
جوزيف مديستو
وقال الأمين العام للمنبر السوداني الديمقراطي جوزيف مديستو: إنه لا يستغرب نية الولايات المتحدة إقامة قاعدة في جنوب السودان، أو في أي منطقة أخرى من البلاد، باعتبار أن المصالح الأمريكية تحتم إقامة مثل هذه القواعد، وأن الولايات المتحدة وجدت الفرصة السانحة لتنفيذ مخطط كانت تسعى لإنزاله لأرض الواقع منذ الستينات.
وأوضح أن الحكومة السودانية تتحمل وحدها وزر ذلك، لأنها التي سمحت بالتدخل الأجنبي ابتداء من الجولة الأولى للمفاوضات في العاصمة النيجيرية أبوجا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وانتهاء بدعوة هيئة “الإيقاد” لرعاية المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاق نيفاشا الذي لم تمثل فيه إقامة نظام ديمقراطي في كل البلاد أهمية قصوى، بقدر ما اهتم بحل جزء من الأزمة السودانية. وقال مديستو: إن المنبر السوداني الديمقراطي يرفض بشدة إقامة أي قواعد ليس في الجنوب وحده، وإنما في أي جزء كان من البلاد. ودعا الحركة الشعبية لفض تحالفها الثنائي مع حكومة حزب المؤتمر الوطني، وقال إن انسياق الحركة وراء الشراكة غير المتكافئة جر عليها ويلات عديدة، إذ وحده “المؤتمر الوطني” يحدد الآن سياسات السودان من دون الالتفات لحلفائه في الحكومة، لذلك فإن على الحركة ترك التحالف وراء ظهرها، وإن تتبني قيام جبهة عريضة تضم كل القوى الديمقراطية من شماليين وجنوبيين للخروج بالسودان من المأزق الذي يعيشه حاليا.
أحمد شنب
وقال عضو حزب المؤتمر الوطني البرلماني الدكتور أحمد شنب: إن الولايات المتحدة ترغب في استباق الدول الغربية الأخرى التي تتنافس معها للاستيلاء على مكامن الثروات في إقليم دارفور، وخصوصا ألمانيا وفرنسا، وأضاف أن الولايات المتحدة ترغب في تأمين خط النفط المقترح من الجزيرة العربية الذي يمر بدارفور وتشاد والكاميرون ليدخل عبر المحيط الهندي، إلى جانب الهيمنة على ثروات الإقليم الأخرى من مغنيسيوم ويورانيوم.
وأوضح شنب أن الإدارة الأمريكية والدول الغربية الأخرى تستغل لتحقيق ذلك الخلافات الموجودة أصلا في دارفور، وسببها التهميش الذي يمكن أن يحل عبر الحوار، وأن حل هذه المشكلات لا يدعو للتدخل الأجنبي. وتساءل “ممن تريد أمريكا حماية النفط واليورانيوم ؟”، وأجاب “الإرهاب الذي تسوقه الولايات المتحدة ذريعة للتدخل في المنطقة ترعاه وتنفذه في “إسرائيل” وجوانتنامو”.
التيجاني مصطفى
وقال أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر السوداني التيجاني مصطفى إن الولايات المتحدة تخطط للهيمنة على الثروات النفطية وغيرها في البلاد، وتستغل في ذلك المشكلات الحالية التي تعاني منها البلاد، ولذلك تقوم الولايات المتحدة بتصعيد الأحداث في إقليم دارفور، لإيجاد المزيد من المبررات للتدخل الأجنبي الذي تصبح بموجبه إقامة قواعد عسكرية أمريكية أمراً موجباً.
ورأى مصطفى ان السودان يمر بمنعطف خطير، ويتحمل عبء مسؤولية التصدي لإقامة القواعد كل أبناء السودان بمختلف اتجاهاتهم، ودعا الحكومة للقيام بمسؤولياتها، بالتعامل بطريقة مختلفة يكون فيها هم الوطن مسؤولية الجميع. ودعا الحكومة والقوى السياسية المعارضة للاتجاه الجاد للملمة جراحات الوطن وحل مشكلاته والعمل تحديدا على حل مشكلة دارفور وشرق السودان، لأن الظروف التي تمر بها البلاد تستدعي الوحدة والإجماع الوطني، وأوضح أن الدعاوى الانفصالية تتضح خطورتها الآن، لأن محاولة تجزئة أي جزء من السودان يعرض كل البلاد للتدخل الأجنبي.
آدم موسى مادبو
وقال نائب رئيس حزب الأمة الدكتور مهندس آدم موسى مادبو إن إقامة قواعد أمريكية أو غربية في البلاد مرهون بموافقة الحكومة السودانية أولا، وإذا تقدمت الولايات المتحدة بطلب لإقامة قاعدة في الجنوب فإن موافقة الحكومة الحالية التي يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني يكون وراءها شبهة لفائدة تعود على منسوبي هذا الحزب وحدهم. وأضاف أن حزب الأمة تولى الحكم في السودان طوال تاريخه عدة مرات، سواء كان له فيه السلطة المطلقة أو في تحالف مع القوى الأخرى، لكنه لم يسمح قط بإقامة أي قاعدة أجنبية في أي شبر من السودان.
الشيخ حسن أبو سبيب
وقال رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع الوطني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الشيخ حسن أبو سبيب إن موقف الحزب ثابت من التدخل الأجنبي الذي يجد الرفض لا محالة، وآن الأوان للحكومة الإسراع بإشراك الآخرين في اتخاذ القرارات المفصلية، بدلا من التحكم فيها وحدها. وأوضح أن على الحكومة أيضا الإسراع بحل قضيتي دارفور وشرق السودان لطي ملفيهما نهائيا، والالتفات لحل بقية قضايا البلاد الجوهرية المتعلقة بالتنمية وإرساء الديمقراطي وبسط الحريات.
عوض عبد الله شقق
وقال النائب الفريق أول عوض عبد الله شقق إن إقامة قاعدة أمريكية في جنوب البلاد تمثل خطوة استعمارية جديدة تستطيع الولايات المتحدة عبرها تهديد أي دولة إفريقية ومعظم الدول العربية بما تمتلكه من تكنولوجيا وأسلحة متطورة، وأوضح أن اتفاقية السلام الموقعة بين “المؤتمر الوطني” و”الحركة الشعبية” لا تسمح بإقامة مثل هذه القواعد، وإذا سمحت الحكومة بإقامة مثل هذه القاعدة فإنها ستكون مقدمة لانفصال مبكر لجنوب البلاد. وأوضح شقق أن قوات مراقبة السلام نفسها لم يكن لها داع، مشيرا إلى أن حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري وقعت على اتفاق ينهي الصراع مع المتمردين الجنوبيين في حركة أنانيا في 1972 من دون حاجة لقوات أجنبية.
سليمان حامد الحاج
وقال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني سليمان حامد الحاج إن الحزب ضد أي تدخل أجنبي سياسي أو عسكري، وهذا استمرار لموقفه التاريخي ضد الاستعمار وضد إقامة قواعد عسكرية في السودان. لذلك، فإن أي حديث عن قيام قواعد عسكرية تحت ذريعة حماية البترول واليورانيوم من الإرهابيين يجافي طبيعة الأشياء، وهو ذريعة للتدخل في شؤون السودان الداخلية. كما أن أمريكا عندما أرادت التدخل في العراق تحدثت عن امتلاك العراق مداخل إنتاج الأسلحة النووية ووضح بطلان هذه الفرية، فالولايات المتحدة تفكر في مصالحها النفطية في الشرق الأوسط، وهي الآن تفكر في حماية هذه المصالح التي تمتد في كل القارة الإفريقية، خصوصا المثلث الجنوبي الغربي من إفريقيا الذي يسمى حزام البترول واليورانيوم. وأضاف أن ما يقال عن الحماية من الإرهاب مجرد ذريعة، ولذلك فإن الحزب الشيوعي يقف ضد مثل هذه الذرائع، ويناشد كل القوى الوطنية في البلاد أن تقف صفا واحدا، دفاعا عن مصالح البلاد وحريتها واستقلالها وألا تسمح لما حدث في العراق وأفغانستان بأن يتكرر في السودان.