اخر الاخبار من السودان لشهر ينائر 2006
أخر الاخبار من السودان

فساد نظــــام .. أم أطــــماع مـوظــــفين صــغار؟ الاعتداء على أموالنا العامة (1)

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
25/2/2006 3:38 ص

* انها بعض اكثر العبارات تفضيلا لدى من يحبذون منهج المحاسبة والشفافية «هناك أوقات يشعر كثيرون عندها بالاحباط تجاه مناقشة قضايا الفساد» وهي تحديدا كهذه الاوقات التي نستقبل فيها اخبارا مبهمة ورمادية وموجعة، فالسطور المنثورة والشارع العام يتحدثان عن مال عام نهب هنا.. واصبح رماديا هناك، دون ان يشاهدا اجراءات فعلية تجاه من يديرون المؤسسات والوزارات.
أجراه: أمير عبد الماجد
محكمة المال العام تنظر في بلاغ مقدم من هيئة الكهرباء في مواجهة احد موظفيها، بعد ان حول كميات من الوقود المخصصة لولاية دارفور الى منفعته الشخصية، فيما تقدمت مؤسسة الاسواق الحرة بحوالى 13 بلاغا ضد متهمين تقول الاوراق انهم استولوا على مبلغ يصل الى مليون واربعمائة الف دولار، ومدير قسم الاستثمار بأحد البنوك الولائية يهرب خارج السودان بعد اكتشاف عملية اختلاس، تقول التقديرات الاولية ان المبلغ المختلس قد يصل الى مليار جنيه سوداني.
* ولا رأس كبير سقط.. كلهم موظفون صغار.. كأنما الرؤوس الكبيرة في بلادنا كلها لا تمد يدها للمال العام وكأن «الحرامية» كلهم فقط من صغار الموظفين.
* ثمة سؤال.. او ربما حزمة تساؤلات.. هل هي مجرد اطماع موظفين صغار؟ ام ان الامر في وجهه الآخر يتجاوز هؤلاء الاشخاص الى النظم الادارية التي نتبعها كونها نظما تسمح عبر ثغراتها لهؤلاء وغيرهم بالفساد وسرقة المال العام المرة تلو الاخرى.. ولماذا لا نجد من بين عشرات البلاغات المدونة ضد اشخاص اعتدوا على المال العام، بلاغا واحدا او حتى اجراءات تحرٍ اولية ضد مسؤول كبير.. او وزير او وكيل.. او حتى مدير مؤسسة.. كأنما هذه الرؤوس الكبيرة مبرأة والموظفون الصغار فقط هم من يسرق المال العام.. هل هي حقيقة ام انها ثقب آخر ضمن حزمة ثقوب في نظمنا الادارية والمالية والمحاسبية وفي نظامنا كله؟
المراجع العام السابق محمد علي محسي قال عندما سألته «النظم الادارية غير المحكمة مدخل جيد للفساد» واضاف «انظر الى مؤسساتنا واسأل من الذي يصادق على صرف الاموال.. ومن المسؤول عن الادارة المالية، مثلا هل هو مؤهل تماما لاداء عمله» لعل وهوسؤال يقودني الى ملاحظة قالهالي رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني بابكر محمد توم، في سياق حديثنا عن تقرير المراجع العام «بعض الشركات الحكومية لا تلتزم باشتراطات ومعايير لجنة الاختيار للخدمة العامة، فتعين طبيبا بيطريا في وظيفة المدير المالي».
* وبغض النظر عن كونه دارسا او ممن يطلق عليهم الشارع العام «أهل الثقة» هل هناك نظام واضح في الوزارات والمؤسسات الحكومية، دعوني اسأل الشخص الذي تصله بلاغات المال العام يوميا، هل هناك خلل ما في نظمنا الادارية؟
* تقول فاطمة برهان الدين الوكيل الاعلى لنيابة المال العام «نعم.. يمكنك ملاحظة الامر في بعض الجهات وليس كلها!» واضافت «غياب النظم الادارية من شأنه ان يؤدي لجرائم اعتداء على المال العام بالتأكيد» وروت لي كيف تحدث الجرائم لدى المتحصلين في مجالات كالمياه والنفايات مثلا قالت «في كثير من الاحيان تجد متحصلا يحمل اورنيك (15) ويتسلم الرسوم من المواطنين في الاحياء بعد الساعة الخامسة مساءً واحيانا في ايام الجمعة والعطلات الرسمية». واضافت «هذه اخطاء واضحة.. كيف يحمل هذا الموظف دفتر اورنيك (15) الى منزله والنظام يقول بوضوح انه يجب ان يعيد الاموال الى الخزانة العامة يوما بيوم، وقبل الساعة الثانية عشرة صباحا؟
من المذنب هنا.. الموظف ام رئيسه المباشر.. ام النظام المالي والاداري برمته.. يقول المحامي ساطع احمد الحاج «متحصلة صغيرة حولت اموالا لمصلحتها الخاصة كيف» ويواصل «من المفترض وفقا للنظم الادارية والمالية ان تستلم باورنيك (15) وتسلم باورنيك(67) مثلا،في هذه الحاله ظل لاورنيك نفسه غير موجود بالدفتر الكبير.. لاسبوع.. او شهر.. اين المراجعة واين النظام الاداري المالي.. المسألة ليست بهذه البساطة» قال «النظام عندنا يا اخي بحاجة الى (خجة) حتى يستعيد وعيه».
* ثمة ثغرات بائنة، لكن دعوني اتوقف مع المحامي ساطع أحمد الحاج، وهو ممن عملوا كثيرا في بلاغات المال العام، ولديه حاليا البلاغ الذي شغل الرأي العام ووصلت قيمة الاموال المفقودة فيه الى مبلغ مليون واربعمائة الف دولار.. لنأخذ مثالا هنا.. يقول ساطع «صدر قرار من ادارة المؤسسة بتجميع سلع معينة في مجموعة واحدة اطلق عليها اسم (الاشياء العامة) وعين لها مدير صدرت له تعليمات بأن من حقه البيع لاية جهة دون الرجوع الى الادارة». ويواصل «هناك لائحة في المؤسسة اسمها لائحة الجزاءات تقول في المادة (6) ان الموظف قد يفصل من العمل في حال خالف امرا شفاهيا لمديره.
* رويدا رويدا تصدر الاوامر الشفاهيه ويبدأ البيع ويتوسع، ويحدث ان تتغير المؤسسة بعضا من نظم الادارات.. تاتي ادارات جديدة وتكتشف (عجوزات) كبيرة كما يقول ساطع.
* ولأن هذاالبلاغ مرَّ عبر نيابة المال العام، فقد سألت الوكيل الاعلى للنيابة فاطمة برهان الدين فقالت «لم يظهر عندي ما ذكرته» واضافت «ببساطة لو ظهر لي اثناء التحري ان المدير هو الذي اصدر الامر لاصبح متهما» وواصلت «انا مطلعة على البلاغ واؤكد لك ان شيئا مما ذكرته لم يظهر لي في التحري، ولو ان رئيسا وجه مرؤوسيه بمخالفة القانون، فإنه وبصورة واضحة سيصبح متهما عندي» واضافت «الدفاع يريد فقط ان يخفف على المتهمين، وأي ممثل دفاع سيقول لك حديثا كالذي ذكرته».
اتصلت بالاستاذ راشد عبد الرحيم باعلام الاسواق الحرة، التي اخذتها نموذجا هنا لاستمع الى رأي ممثل الاتهام حول ما اذا كانت الضوابط الادارية سببا في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم، ورتبت معه للقاء احد المسؤولين الاداريين بالمؤسسة، لمعرفة كيف تُدار مؤسساتنا ومن يصدر اوامر الصرف، وهل هناك مراجعة داخلية، وغيرها من الامور.. وسالتقيه بحول الله لاحقا.
* ثمة سؤال طرحه ساطع هنا حول ضبابية بعض الاشياء مثل عدد السيارات التي اشترتها وتشتريها الحكومة يوميا، وعن عطاءات الفلل الرئاسية وايجار سيارات القمة وعطاء اليخت الرئاسي.. أين طرحت هذه العطاءات.. وعلى من؟ وأين فُرزت العطاءات ومن هم اعضاء لجان الفرز؟ يواصل «اننا نتغافل عن الاشياء ونأتي بموظفين صغار كمجرمين وضحايا لنظمنا المالية والادارية، هل يعقل ان صغار الموظفين فقط هم الجناة في قضايا المال العام، ولا مسؤول كبير واحد سرق مليما واحدا ووصل النيابة؟
* سؤال يستحق ان اوجهه للوكيل الاعلى لنيابة المال.. تقول المستشارة فاطمة «لم يصلني بلاغ حول اعتداء مسؤول رفيع او وزير على المال العام، ولو وصلني ساتخذ الاجراءات القانونية فورا» وتواصل «لا توجد لدينا استثناءات هنا ولا احد كبير على القانون».
* عندما سألت المراجع العام السابق محمد علي محسي حول ما اذا كان نظامنا الاداري قادرا على فتح الطريق امام محاسبة كبار المسؤولين قانونيا، قال: «هذا الامر صعب جدا» وقال ساطع «الحصانات ضخمة وهناك ضغوط كبيرة».
* دعونا نتوقف عند الحصانات.. تقول فاطمة برهان «الوزراء عندهم حصانة. لكن حتى هذه الحصانات يمكننا رفعها ومحاسبة المسؤول عبر رفع مذكرة الى رئيس الجمهورية، او وزير العدل استنادا الى بينة مبدئية».
* لكن الواقع يقول اننا لم نشاهد مسؤولا واحدا على منصة القضاء بسبب مال عام. قالت «لم يصلني بلاغ ضد مسؤول تورط في قضية مثل هذه، واذكر اننا حققنا في الماضي مع وزير ولائي من جنوب السودان واحلنا قضايا فساد المتهمون فيها سفراء الى القضاء».
ماذا عن الضغوط.. يقول محمد علي محسي «لا شك عندي أن المراجع العام مثلا يتعرض لضغوط كبيرة» والضغوط كما فهمت تأتي غالبا من الجهاز التنفيذي.
* ماذا عن وكلاء النيابة؟ الا يتعرضون ايضا لضغوط من الجهاز التنفيذي في قضايا المال العام؟ تقول المستشارة فاطمة «انا هنا منذ اربعة اعوام ولم اتعرض لاية ضغوط».
* دعونا نطرح مسألة الضغوط بصورة اخرى، فالمراجع العام مثلا حسب قانون المراجع العام لسنة 1968م معدل 1990م يعين من قبل رأس الدولة لمدة خمس سنوات بموافقة المجلس الوطني، ويحدد رأس الدولة مخصصاته وامتيازاته واستحقاقاته للمعاش حسب المادة «20» من قانون المراجع العام المعدل لسنة 1990م، ولا يعزل الا من قبل رأس الدولة وبقرار منه المادة «21» من نفس القانون.
الرئيس هو الذي يعين المراجع العام ويحدد مخصصاته ويعزله من الخدمة، والرئيس هو رئيس الجهاز التنفيذي الذي من المفترض ان يراقبه ويحاسبه المراجع العام.
* محمد علي محسي وهو مراجع عام سابق قال «في ظل الانظمة الديمقراطية، من المفترض أن يعين البرلمان المراجع العام للدولة مباشره حتى يضمن حياديته وعدم تعرضه للضغوط».
* بالنسبة لوكلاء النيابة وما اذا كانوا عرضة للضغوط، هناك ملاحظات حول ضبطهم لحالات الاعتداء على المال، وكونهم جزءاً من منظومة الجهاز التنفيذي اذ تتولى هذه الولايات الصرف وتوفير الموارد المالية لهذه النيابات، رغم ان وكيل النيابة الاعلى فاطمة برهان الدين قالت «انهم يؤدون عملهم ويطبقون النصوص الموجودة امامهم» واضافت «يا اخي الناس ديل حالفين قسم».. و«لا مجال للضغوط هنا».
دعونا نستمع هنا لرواية قالها لي المحامي ساطع أحمد الحاج في سياق حديثنا عن التضارب في انفاذ القوانين وتداخلها مع الاختلالات الادارية، يقول ساطع «ابان فشل الموسم الزراعي ودخول مزارعي القضارف الى السجون بسبب عدم سدادهم لمستحقات البنوك، اصدر وزير العدل منشورا باطلاق سراحهم رغم ان المادة «107» من قانون الاجراءات الجنائية قالت بوضوح ان المتهم في بلاغ شيكات لا يطلق سراحه بالضمان الا بعد ايداع قيمة الشيك».
* بعض وكلاء النيابة نفذوا المنشور واطلقوا سراح المزارعين، فيما رفض البعض الآخر، وقالوا بوضوح ان منشور الوزير يتعارض مع القانون، اضافة الى ان المنشور فقهيا اقل درجة من القانون.. يقول ساطع «لدى متهمان اخذا مرابحة من بنك واحد وبمبالغ متساوية، اطلق سراح أحدهم بمنشور وظل الآخر في السجن بقانون».


اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


سودانيزاونلاين.كم | المنبر العام | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005 | أرشيف المنبر العام للنصف الثانى من عام 2005 |أرشيف المنبر العام للنصف الاول لعام 2004 | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | مكتبة الدراسات الجندرية | مكتبة د.جون قرنق | مكتبة ضحايا التعذيب |مكتبة الشاعر د.معز عمر بخيت |مكتبة الفساد |
اراء حرة و مقالات سودانية | مواقع سودانية | اغاني سودانية | مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد | دليل الخريجيين السودانيين | الاخبار اليومية عن السودان بالعربى|
جرائد سودانية |اجتماعيات سودانية |دليل الاصدقاء السودانى |مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان |الارشيف والمكتبات |


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved