تقرير: سلمى التجاني
لأول مرة ومنذ أن بدأ التفاوض لإيجاد حل لأزمة دارفور في العام 2003 يتفق ثلاثة
ناطقين رسميين لأطراف التفاوض بأبوجا على أمرمحوري في سير أو عدم سير
المفاوضات.
فالأسبوع الماضي اعترف المتحدث باسم وفد حركة التحرير المفاوض عصام الحاج أن
الحركتين «التحرير والعدل لم تطرحا رؤية واضحة للتفاوض منذ الجولة الأولى وحتى
السابعة الحالية».
وفي ذات الأسبوع أكد الأستاذ أمين حسن عمر الناطق الرسمي لوفدالحكومة المفاوض
ذات الفكرة ولكن بمفردات مختلفة.. إذ قال إن المجموعات المفاوضة غير مؤهلة ولا
قادرة على القيام بالتفاوض لأنها ليست في حالة ثبات.. لا في رؤيتها ولا في
الوجوه المفاوضة.
ثم جاءت الأحد الماضي تصريحات الناطق باسم الاتحاد الإفريقي نورالدين المازني..
لكنه قالها بدبلوماسية فدعا لتوحيد صفوف الحركات في مواقفها التفاوضية.. وبذلك
يتضح أن (مقلباً) من العيار الثقيل قد وقع فيه وسطاء ومسهلو وربما «شركاء»
التفاوض.. فأحد الطرفين لا يملك رؤية واضحة يُتفاوض عليها..
من؟
لكن هل ضغط الوسطاء هو الذي دفع الحركات للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في
أبريل 2004 والبروتوكولين الأمني والإنساني في نوفمبر من ذات العام وأخيراً
إعلان المبادئ في يوليو .2005 ولماذا استمرت هذه الجولة (السابعة) أكثر من
ثمانين يوماً و(لاشئ قد حسم) كما قال المهندس عبد الجبار دوسة رئيس الوفد
المفاوض لحركة تحرير السودان.. أهو حوار طرشان أم تفاوض من داخل جزر معزولة..
كل يتخندق داخل حدوده.
والجولة التي تجاوزت أجلها المحدد من مجلس الأمن بالحادي والثلاثين من ديسمبر
2005 فُتح فيها النقاش على ثلاثة محاور في وقت واحد.. محور تقسيم الثروة، ومحور
الترتيبات الأمنية، وملف تقسيم السلطة.. والمحصلة كما يراها طرفا التفاوض
كالآتي: المهندس عبد الجبار دوسة كبير مفاوضي حركة تحرير السودان قال لـ «الرأي
العام» «لا شئ.. كلها مقترحات وما زلنا في انتظار تحريك الأمور».
ففي ملف السلطة يقول دوسة إن رؤيتهم تنحصر في نائب لرئيس الجمهورية.. وسبع
وزارات اتحادية وثمانية وزراء دولة ووزيرين في حكومة الخرطوم «أحدهما نائب
للوالي» وثلاثة معتمدين وعشرين مقعداً في المجلس التشريعي مع الاحتفاظ بإقليم
دارفور بحدود 1956 على أن يجرى استفتاء بعد الفترة الانتقالية «لم تحدد بعد»
لتحديد وضع الإقليم، ولا يرى دوسة تقدماً في هذا الصعيد في ظل تحفظ الحكومة على
مقترحها الأخيرللسلطة.
ثروة
وعلى مستوى محور الثروة فما زالت أربع قضايا مهمة عالقة -وفقاً لدوسة- وهي
التعويضات والتمييز الإيجابي للإقليم، وقضية الأرض وثروة مقابلة لإقليم منفصل.
وفي ملف الترتيبات الأمنية ترى حركة تحرير السودان أنه لم يحسم فيه شئ لأن
البند الأساسي في الملف وهو التعزيز الشامل لم يتم التوصل لاتفاق حوله والمحصلة
الأخيرة ترى الحركة على لسان كبير مفاوضيها أن (الحكومة حتى الآن لم تبد رغبة
أكيدة في الوصول الى حل) ويفصل الناطق باسم وفدها المفاوض أكثر فيقول إن هذه
المفاوضات لن تؤدي الى شئ لأسباب يجملها في عدم جدية الحكومة وتعنتها وعدم وجود
تفويض في جيب رئيس وفدها المفاوض الذي اعتبره عصام الحاج أحد عقبات التفاوض.
على صعيد آخر أعلن عبد الواحد محمد نور رئيس المجموعة الأخرى من حركة تحرير
السودان فتح نيرانه على كل الأطراف فأعلن انتفاضة على ما أسماه بعدم جدية تحالف
حركتي التحرير والعدل الجديد.. وذلك لغياب رئيسي الحركتين مني أركوي وخليل
ابراهيم من المفاوضات.. وأبدى استعداده للتفاوض منفرداً مع الحكومة لكنه في ذات
الوقت تحدث عن الوفد الحكومي كأحد أسباب إعاقة المفاوضات.. إذ يرى أن الوفد لا
يفاوض بحسن نية. بل ولا يملك تفويضاً للتوقيع على اتفاق.. كما انتقد المنسقين
والوسطاء.
الحكومة من جانبها تقول بعدم جدية الأطراف.. ومطالبها التعجيزية التي تطرحها
على طاولة التفاوض.. فيتهمها د. مجذوب الخليفة رئيس وفد الحكومة للمفاوضات بعدم
الخروج من مربعها الأول منذ الجولة الخامسة التي تم فيها التوقيع على إعلان
المبادئ.. ويورد أهم المطالب التي يصفها بالتعجيزية.. (70%) من دارفور (41%) من
السودان. نائب رئيس.. إقليم واحد ..الاحتفاظ بجيوش الحركات مع إفراغ دارفور من
القوات المسلحة.. وفي خطوة يبدو أن د. مجذوب يريد منها إعلان حسن النية أعلن
عن استعداد وفده للتوقيع على بيان مشترك مع الحركات للوصول لاتفاق نهائي نهاية
الشهر.. الحركات لم تعلق.. مع ذلك يؤكد د.مجذوب أن (80%) من ملف الثروة قد حسم
وأن الملف الأمني وملف السلطة قد حققت تغطية كاملة لأجندة التباحث في حين اعتبر
د. أمين حسن عمر أن الحديث عن إقليم تريد الحركات له أن يكون سكانه مواطنين من
الدرجة الأولى وبقية السودانيين من الدرجة الثانية أمر ليس في الإمكان ويجافي
ما تم الاتفاق عليه في إعلان المبادئ.
ووصف د. أمين فصيل عبد الواحد بالجدية (لأن رئيسه ظل حاضراً بخلاف قيادات
المجموعات الأخرى).. مبدياً استعدادهم للتفاوض معه.. وبرر جديته (لأنه أقل
ارتباطاً بأطراف أخرى مما يمكنه من اتخاذ قراره بنفسه).. كما انتقد الوساطة
الإفريقية نفسها وقال إنها لاتقوم بالدور المطلوب.. ولاتبذل الجهد الإيجابي
الضاغط.
أفريقيا
الاتحاد الإفريقي..الوسيط.. له رأي فيما يدور هناك.. فقد عبر السفير سعيد
الجنيد مفوض شؤون السلام والأمن بالاتحاد الإفريقي عن خيبة أمله لعدم حدوث تقدم
في المفاوضات.. وقال في اجتماع مع الوفود (للصبر حدود).. وقال في لهجة يمتزج
فيها المن بالتهديد (إفريقيا أنفقت الكثير من المال والطاقة).. واتهم الحكومة
بعدم الرغبة في تقديم تنازلات.. كما اتهم الحركات بالإفراط في المطالب.
وفي نهاية الأمر شكك في التزام وقدرة الطرفين في الوصول لسلام.. لكن يان برونك
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لقائه بأطراف التفاوض بأبوجا قذف
بالكرة في ميدان العسكريين.. كأنه يقول إن ما يجري في أبوجا لا علاقة له
بمايجري في أرض دارفور.. فقال (تقولون إنكم أحرزتم تقدماً هنا وهناك لكن هناك
تراجعاً على الأرض.. عليكم سد فجوة المصداقية بين أبوجا ودارفور).
ويان برونك بطلبه هذا تجاوز الحديث عن سد فجوة المصداقية بين أطراف النزاع
أنفسهم. والتي تعتبر الآن هي أزمة أبوجا..
استرو
وعندما زار جاك استرو وزير خارجية بريطانيا أبوجا -أطول جولة مفاوضات في تاريخ
النزاعات بالسودان- منتصف هذا الشهر علق على سير المفاوضات بقوله (الذي تحقق
ليس بكافٍ) و(التقدم.. جد بطئ).. ووصف ما يجري بالمماحكة. وقال إن المتمردين
والحكومة دأبوا على خرق اتفاق وقف إطلاق النار.. وأنهما لم يفيا بما التزما
به.. وانتقد غياب رئيسي حركتي التحرير والعدل اللذين يجمعهما تحالف أسموه
تحالف القوى الثورية لغرب السودان. واستفاض معلقاً (بدأت كثير من الشكوك
المتنامية حول جدية مني وخليل في التوصل لاتفاق).
مرجعيات
والوضع هكذا.. تُرى من الذي يؤثر في مواقف أطراف التفاوض..
بالنسبة للحكومة فيتردد في أوساط المهتمين أن هناك ثلاث جهات بداخلها مسؤولة عن
ملف دارفور وهذا ما يعتبره بعض المراقبين مبرراً مقنعاً لعدم حدوث تقدم واضح في
المفاوضات.. إذ القرار يخرج من ثلاث دوائر متنفذة داخل الدولة.. وذلك ربما يدعو
للحديث عن جدية التفويض الممنوح لوفد الحكومة..بل وعن رؤى واضحة في الملفات
الثلاثة المطروحة للنقاش.
حركة تحرير السودان (قبل الانقسام) كانت تتميز باتساق المواقف التي عادة يتم
الرجوع لقادة الميدان فيها..حتى أن الكثيرين يذهبون الى أن الميدان هو المرجعية
الأولى للحركة مما كان يكسب مواقفها القوة والاحترام.. بعد الانشقاق رددت
الحكومة في أكثر من مرة أن مجموعة عبد الواحد أكثر جدية لأنها تملك قرارها..
ولا ترتبط بأية جهة خارج قاعة التفاوض بأبوجا..
أما حركة تحريرالسودان (مجموعة مني) فقد دخلت مرحلة جديدة بعد تحالفها مع حركة
العدل.. وهي مرحلة يصعب فيها تحديد المرجعيات. أو لنقل تتعدد فيها المرجعيات..
فالميدان ما زال أقوى مرجعيات الحركة لكن يبدو أنه تراجع في سلم الأولويات
المرجعية.
مرجعيات
حركة العدل والمساواة (قبل التحالف) كانت تدور الشكوك حول تلقيها الأوامر من
الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي.. وقد أفاد بشار جزام العائد من
صفوف التمرد بعد جولة تنقل فيها بين حركة العدل والقيادة الثورية وحركة التحرير
أفاد في تصريح لإحدى الصحف أن التفاوض كثيراً ما كان يتوقف في أبوجا (للعودة
الى المرجعية) وقال إنهم كانوا يتساءلون عن تلك المرجعية ولا يجدون إجابة..
وقال جزام (من المؤكد أن د. خليل هو ليس تلك المرجعية).. بعد التحالف من
الطبيعي أن تتوحد مرجعية الحركتين ولكن من منهما يستطيع فرض مرجعيته.. أو
بالأحرى من منهما استطاع فرض مرجعيته.
وتبقى جولة المفاوضات السابعة في أبوجا مستمرة. بلا تقدم يذكر كما تقول
الحركات. وباختراق كبير للقضايا كما تردد الحكومة.. والكل ينتظر (الطحين).