اخبار سودانية
أخر الاخبار من السودان

الصادق الرضي :لقد قارب شعراؤنا موضوع الحداثة الشعرية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
27/12/2005 12:21 ص


حوار احمد عوض


يعتبر الصادق الرضي من الاصوات الشعرية التي اسست لنفسها مكانا في خارطة الشعر السودني علي كافة مستويات تعاطي الشعر سواء كان ذلك بالنشر او من خلال القراءات الشعرية في منابر الشعر وظل منذ بروزه في مجال الكتابة الشعرية يقبض علي جمر الشعر كتابة وتجريبا مستمرا صدرت له ثلاثة مجموعات شعرية هي (غناء العزلة من اجل العزلة) و(متاهة السلطان) واخيرا (اقاصي شاشات الاصغاء) وهو لم يكتفي بالمشاركة في المنابر داخل السودان بل قدم مشاركات خارج السودان اخرها كانت في لندن ضمن برنامج جولة الشعراء (الصحافة) التقت الصادق الرضي واجرت معه الحوار التالي والذي تحدث فيه حول جانبا من تجربته الشعرية وبعض هموم الشعر بالاضافة الي مشاركاته في الفعاليات الشعرية خارج الوطن فكان الحوار التالي:
المشاركات \ الفعاليات الشعرية خارج السودان هي احدي وسائل ايصال صوتنا لجمهور الشعر العربي

دعنا نبدا من آخر محطة توقف فيها الصادق الرضي وهي ديوان أقاصي شاشة الاصغاء كيف انبثق سؤال الشعر في قصائد هذا الديوان ، هل يمكن الحديث عن مصادر ومرجعيات محفزة لهذه القصائد ؟!
لم ينبثق سؤال الشعر في نصوص اقاصي شاشة الاصغاء منفصلا عنه فيما سبق من نصوص غناء العزلة كتابي الشعري الاول ومتاهة السلطان كتابي الشعري الثاني ، وانما كان متصلا بكل ما سبق ، لكن يمكنني أن أقول أن كتابة نصوص اقاصي شاشة الاصغاء صاحبها نوع من النضج وامتلاك نسبي للادوات ، كأنما عملي السابق مكّن من ذلك فلم أعد أعاني هنا من صعوبات كنت أعانيها هناك وصارت الكتابة تجود بمتعة اكتشاف مناطق ثرة كان ارتيادها حلما .
لا يمكن الحديث عن مصادر ومرجعيات محفزة ونحن في حضرة الشعر سوى الحياة بكل تناقضاتها وما تمور به من صعود وهبوط على مستوى الفكر والوجدان ، على المستوى المعرفي تشكل كل قراءة مصدرا ومرجعا كما تشكل كل مشاهدة لعرض مسرحي جيد أو لوحة تشكيلية محكمة البناء او انصات لقطعة موسيقية بعمق انصاتك لاصوات الداخل وكهوفه المتشابكة ، مصدرا ومرجعا جماليا ومعرفيا بصورة أو بأخرى .
وأنت تؤسس لمشروعك الشعري ، حتى محطة ديوانك الاخير هل خطر لك ان الشعر اصبح _ قطارا يسير بالبخار خاصة ونحن في موجة قرن ثورة الاتصالات العارمة _ بينما هنالك وسائط تعبيرية توجز العالم في صورة فنحن الان نعيش عصر الصورة لدرجة ان الناقد والروائي الايطالي امبيرتو غيكو قال ان رسائل(اس ام اس) هي قصائد هذا العالم؟
الشعر كائن جوهري في العالم لا يمكن ان تنتفي الحاجة اليه نتاجا وتدوالا ، يبقى الشعر ما بقى الانسان ، وللشعر وشائج عميقة تربطه بمختلف ضروب المعرفة والعلوم الانسانية وحقول الابداع الاخرى والصورة كما تعلم ليست ما يعوز الشعر ؛ نعم حدث تطور عظيم وأصبح العالم قرية الكترونية صغيرة ، خصوصا على مستوى " الميديا" لكن ذلك لم يجرد الانسان من حاجته للحب لم يجرده من الاحساس بالغربة إن لم يفاقم من الاحساس بها ، لم يجرده من الرغبة الدائمة في اكتشاف الذات ومعرفتها وبالتالي السعي لاكتشاف الاخر نحو معرفته ، كل ذلك يعني ان الشعر لا يزال متجذرا في الوجود ، كما لا يمكن تجاهل أن الشعر نفسه في حال تطور وتغير ككائن حي باستمرار .
الا تتفق معي ان قصيدتك غناء العزلة ضد العزلة هي جوهر تجربتك الشعرية وهي أكثر ما عبر عنك وعن جيلك بل هي التي انتقلت بك الى مرحلة جديدة في كتابة النص الشعري اخذت فيها تعتني بالشكل اكثر من المضمون ، خاصة ديوانك متاهة السلطان؟!
ماتقول به هو عبارة نقدية ، ويمكن للنقد أن يقرأ أعمالي المطروحة في الساحة من وجهات نظر ليس بالضرورة أن تتفق مع ما أراه وفي ذلك ما يثري معرفتي بما اقدم للناس وما يدفع بي نحو التطور المنشود ، نعم قصيدة غناء العزلة ضد العزلة كانت علامة مهمة في تجربتي الشعرية وقدمتني الى الساحة الشعرية بجانب نصوص اخرى تضمنها كتابي الاول ولا يزال جمهور الشعر يحاصرني بها وربما اكون قد استصحبت بصورة تلقائية بعض ملامح صوتي هناك الى تجاربي اللاحقة ؛ حقا لا اقدر على قياس المسافة بين نص كتبته قبل خمسة عشرة عاما وآخر كتبته قبل يومين كما يقدر على ذلك ناقد حصيف .
هل اللغة جدار كما يقول كثير من الشعراء بمعنى أثناء إنجازك لقصيدة هل تعي بنفسك للشحنات والتراكيب اللغوية التي تعطيها للنص ، وهل يؤثر ذلك على عفوية وتلقائية النص .. ؟!
العفوية والتلقائية تصبح بلا قيمة إن قصدت لذاتها ،أي إن لم تتضمن معرفة بالكتابة والكتابة الابداعية تقتضي معرفة خاصة بطبيعة العمل الابداعي وأدواته ، الشاعر لا يتعامل مع اللغة كأداة من أدواته بهذا التجريد ان جازت العبارة فاللغة كائن حي يقتضي التعامل معه الكثير من الاحابيل والعلاقة في مجملها بين الشاعر واللغة هي صراع دائم ؛ بين ان يخلق الشاعر اللغة التي يريد ليتحقق فيها وبين أن تتمنع اللغة وتتفلت يتجلى الصراع ويكمن الاختلاف بين شاعر وآخر.
الشعر العربي في السودان ظل ومنذ أمد بعيد يعبر عن كثير من الموضوعات في الحياة السودانية ، سواء كان ذلك على المستوى الفكري او الجمالي على سبيل المثال ، انشغل لفترة طويلة بقضية الهوية وبرزت كثير من التيارات على سبيل المثال انشغل الشاعر الكبير الفيتوري بقضايا افريقيا و" الزنوجة حتى انه اصدر ثلاث دواوين حول هذا الموضوع ، صلاح احمد ابراهيم صدر له غابة الابنوس وتدور قصائد الديوان حول الافريقانية ، تجد ايضا لهذا الاتجاه لدي النور عثمان أبكر في ديوانه " صحو الكلمات المنسية " هنالك تيار شعري هائل ، سمى نفسه الغابة والصحراء ، قاده الراحل محمد عبد الحي كيف تنظر الى هذه الاشتغالات للشعر ، بماذا ينشغل الشعر الحديث وماهي قضايا الشعر حاليا ... ؟!
كل التجارب التي تفضلت بذكرها في سؤالك تندرج في سياق الحداثة الشعرية في السودان وغني عن القول ان الاسماء التي جرى ذكرها هي من رموز الشعر الحديث عندنا وهي أسماء لا تزال مساهماتها ساطعة بساحة الشعر وأثرها ماثل لاستكناه النقد ومنفتح على اسئلته ، وقد قارب رموزنا الشعريين مسألة الحداثة من منطلق الخروج عن العمود الشعري المعروف الى افق التفعيلة على مستوى شكل القصيدة مما استوجب ضرورة الاشتغال على موضوعات اخرى مختلفة عن تلك التي يشتغل عليها رواد الشعر التقليدي وقد التصق رواد الحداثة عندنا بقضايا العصر المختلفة وهو أمر طبيعي من واقع أن الفصل بين الموضوع والشكل في المسألة الابداعية غير موضوعي والفكرة الجديدة تقتضي شكلا جديدا ، كما هو معروف الا أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر ولا نستطيع أن نتجاهل ان العالم تغير كثيرا إثر الثورة التكنولجية التي شملت كل المجالات بلا استثناء ولم يعد أثر ما هو آيدلوجي على الانتاج المعرفي بمستوى قيمته في السابق ،نحن نعيش عصر الـ لا آيدلوجيا والشعر يهجس بعصره وقضاياه .
نجد أن الشعر في كل مرحلة من مراحل تطور شكله يتخذ صورة من صور الصراع بين ماهو قديم وحديث على سبيل المثال ، دار جدل وصراع عنيف عندما انبثق شعر التفعيلة بين رواد هذا الشعر ورواد الشعر التقليدي ولدينا هنا بداخل السودان صراع خفي بين الشعر العامي والفصيح ومنذ نهاية هذا القرن انشغل المشهد الشعري بما يسمى قصيدة النثر وهل هي شعر ام غير ذلك وبرز مناصرين ومعارضين ، كيف تنظر لكل ذلك في سياق تطور الشكل الشعري على كافة أشكاله التعبيرية ؟
الصراع بين ماهو قديم وماهو حديث صراع قديم متجدد على كافة المستويات ، ولم يخل منه عصر من العصور الماضية ، على حد علمي . وساحتنا الشعرية شهدت طرفا من هذا الصراع ولا يزال الصراع مستمرا بما اننا لن نخلص الى تعريف محدد لما هو شعر ولما هو غير ذلك أبدا ، لن تحدث طمأنينة في هذا الخصوص لأن ذلك يتنافى مع طبيعة ماهو ابداع اصلا وليتواصل الصراع وعلى مقربة منه ليتواصل الحوار حول كيف يمكن ان يكون هناك انتاج شعري يضج بالمعرفة وينضح بالاسئلة وهناك أسئلة مجاورة لا يمكن تجاهلها باي حال من الاحوال لصلتها الحاسمة بالشكل الشعري وتطوره اسئلة ربما اعاقت الحركة الابداعية عندنا وكثيرا عن الالتحاق بما يدور في ساحات اقليمية وعالمية من اسئلة وانتاج .
ولنذكر منها سؤال النشر - المنبر ، على سبيل المثال ، لنذكر سؤال النقد وغيابه المريب أيضا ؛ لدينا اشكالات تتعلق بالبنية التحتية اللازمة لحركة ثقافية وادبية جادة نحو أن تكون صراعاتها بمستوى ان نتقدم خطوة للأمام لا أن تظل هي هي على مر العصور والاجيال .
من خلال مشاركتك السابقة في المجمع الثقافي بابوظبي ثم اخيرا ببريطانيا هل تعتقد ان هذه المشاركات يمكن لها ان تلعب دورا في ايصال الشعر السوداني للجمهور العربي ؟!
هذه المشاركات إحدى الطرق التي يمكن ان يصل بها الشعر السوداني الى جمهور الشعر في الوطن العربي وفي افريقيا واوربا .. الخ ؛ هذه المشاركات على اختلافها فرصة لأن تضئ جانبا من تجربتك وتجربة جيلك وأكثر من ذلك أن تقدم ساحتك الثقافية من خلال عطاءك في المنابر الجماهيرية بلا وسيط ومن خلال المقابلات الصحافية والاذاعية والتلفزيونية وايضا من خلال المناقشات التي تدور على هامش الفعاليات مع مبدعين واعلاميين واصحاب منابر ودور نشر .. الخ
مشاركتي في فعاليات معرض ابوظبي الدولي للكتاب في العام الماضي كانت فرصة جيدة لتقديم صوت سوداني جديد لساحة توقفت معرفتها بالادب السوداني عند الطيب صالح والفيتوري على الرغم من انني وجدت بعض الشعراء من اقطار عربية مختلفة على معرفة ببعض الاسماء والتجارب الجديدة من واقع اهتمامات واجتهادات شخصية وايضا وجدت سودانيين عاملين ببعض المؤسسات الثقافية والاعلامية هناك حادبين على ان يصل الشعر السوداني الى الساحات التي يعملون فيها اسست اجتهاداتهم لأن تكون مشاركتي فاعلة وكانت الشاعرة نجلاء عثمان التوم قد سبقتني الى هناك وقدمت وجها مشرقا للشعر السوداني الجديد من خلال مشاركتها في دورة سابقة للمعرض.
أما مشاركتي في جولة الشعراء ببريطانيا فقد ادهشني ان اكون اول شاعر سوداني يدعى من قبل مؤسسة ثقافية رسمية ليقرأ شعرا هناك ، وقد اتاحت مشاركتي وترجمة نصوصي من قبل مركز ترجمة الشعر بمدرسة الدراسات الشرقية والافريقية جامعة لندن ، مساحة جيدة للتعريف بالشعر السوداني المكتوب باللغة العربية والبيئة الثقافية التي تأسس فيها وقد كان اثر ذلك ايجابيا لحد بعيد .
تم تصنيفكم في العشر سنوات الاخيرة ( التسعينات ) ضمن عدد من الشعراء من بينهم الشاعر المهاجر عاطف خيري والشاعر بابكر الوسيلة ، بأنكم شعراء حداثويين فكيف تنظر الى مثل هذه التصنيفات هل يمكن القول بوجود جيل شعري حديث ..؟
لا اقول بوجود جيل شعري حديث ، اقول بوجود أجيال شعرية حديثة ذلك لأن قدوم الشعراء الى الساحة الشعرية لم يتوقف عند الاسماء التي تفضلت بذكرها وهي اسماء ( عاطف خيري - بابكر الوسيلة ) ويمكن ان اضيف ( حافظ خير وآخرين كثر ) لها اسهامها المقدر ، أدلت بدلوها ولا تزال
وقد سبقت قدومي - قدومنا الى الساحة مشاريع شعرية وأسماء ذات اضافات باذخة واندرجت كل هذه الاسماء والمشاريع في إطار الحداثة .
لكن صاحب كل ذلك غياب تام للنقد والذي اعتقد انه شوش كثيرا من المفاهيم والمصطلحات التي حاصرت هذه المشاريع والتجارب ، لا يمكن أن تتأسس حركة ابداعية بغياب فعالية مهمة كالنقد وهو أمر عانت منه كل هذه الاجيال وبالتالي انسحب ذلك على الساحة بصورة عامة .



اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved